(الصفحة 29)
وإن كان المنشأ هو الجهل، من دون فرق بين قسميه، فالمتعمد في مقابل الناسي وغير الملتفت، لا في مقابل الجاهل. وبذلك يتحقق معنى ركنية السعي وإن الاخلال به عالماً أو جاهلا إذا كان عن قصد وإرادة موجب بطلان الحج ولزومه من قابل.
ثانيهما فرض النسيان. قال المحقق في الشرايع: « ولو كان ناسياً وجب عليه اإتيان به فإن خرج عاد ليأتي به فإن تعذّر عليه استناب فيه» وفي الجواهر بعد العبارة «بلا خلاف أجده في شيء من ذلك، بل عن الغنية الإجماع عليه» .
وعمدة المستند الروايات الواردة في الباب وهي:
صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له رجل نسى السّعي بين الصفا والمروة، قال: يعيد السّعي. قلت: فانّه خرج (فاته ذلك حتى خرج) قال: يرجع فيعيد السّعي إن هذا ليس كرمي الجمار، إن الرمي سنّة والسعي بين الصّفا والمروة فريضة، الحديث.(1) ومن الواضح ان المراد بالإعادة هو أصل الإتيان لفرض تركه للنسيان.
وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل نسى أن يطوف بين الصفا والمروة، قال: يطاف عنه(2). ورواية زيد الشّحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتى يرجع إلى أهله، فقال: يطاف عنه.(3)
وأنت خبير بأنّ ظاهر الرواية الأولى تعين الإتيان بالسّعي المنسي مباشرة
- (1) وسائل: ابواب السعي، الباب الثامن، ح1 .
- (2) وسائل: ابواب السعي، الباب الثامن، ح3.
- (3) وسائل: ابواب السعي الباب الثامن ح2.
(الصفحة 30)
وبنفسه وظاهر الأخيرتين تعين الإستنابة والسعي عنه وهما متنافيان.
لكن في الجواهر بعد نقل الرّوايات: « المتجه الجمع بينها ولو بملاحظة الفتاوى والاجماع المحكي وقاعدة المباشرة في بعض الأفراد ونفي الحرج وقبوله للنيابة في آخر بما عرفت » والباء في قوله بما عرفت متعلقة بالجمع. ومراده من الموصول ما تقدم من عبارة الشرايع التي نفى وجدان الخلاف فيه.
ويظهر منه ان الجمع بين الروايات بما ذكر يحتاج إلى قرائن خارجية، وإنه بدونها لا يتحقق الجمع بالنحو المذكور. ولأجله ذهب الرازقي في محكي المستند إلى أن اللازم الجمع بينها بالحمل على التخيير الذي مرجعه إلى تخيير الناسي للسّعي بين أن يرجع فيسعى بنفسه وبين أن يستنيب فيتحقق من النائب.
هذا ولكن تصدى بعض الأعلام (قدس سره) للجمع بينها بنحو ينطبق على المشهور أوّلا، ولا يكون خارجاً عن الجمع الدلالي العرفي ثانياً. وذكر لتقربه أمرين:
الأمر الأوّل: إنّ الوجوب قد يكون وجوباً شرطيّاً أو شطريّاً، كالإستقبال والتشهد بالإضافة إلى الصلاة، والأمر به يكون إرشاداً إلى الشرطيّة أو الجزئيّة. وكذلك النهي عن إتيان شيء في الصلاة يكون إرشاداً إلى المانعيّة. مثل النهي عن الإتيان بها في أجزاء ما لا يؤكل لحمه ومقتضى هذه الأوامر والنواهي الشرطية المطلقة والجزئية كذلك، والمانعية أيضاً كذلك، من دون فرق بين صورتي العلم والجهل، وكذا الإلتفات وعدمه. ولأجله لكان مقتضى القاعدة احكم بالفساد في جميع موارد الفعل، لكن حديث «لا تعاد» المعروف في باب الصلاة اقتضى الصحة في غير الخمسة المستثناة فيه.
(الصفحة 31)
وقد يكون مولوياً ـ كما في المقام ـ فإن الأمر بإعادة السّعي هنا أمر مولوي ضرورة عدم بطلان الحج ـ مثلا ـ بسبب نسيان السعي وإن لم يتحقق منه أصلا لا مباشرة ولا تسبيباً . وكذا الأمر بالإستنابة.
ومن الواضح ان التكليف المولوي مشروط بالقدرة وعدم التعذر والحرج عليه. ففي صورة التعذر والحرج يرتفع الوجوب بدليل نفي الحرج، فيكون الوجوب المستفاد من صحيحة معاوية بن عمار مقيداً بالقدرة وعدم الحرج. وعليه فتكون النسبة بينها وبين صحيحة محمد بن مسلم نسبة التقييد والاطلاق . فإن صحيحة ابن مسلم وإن كانت مقيدة أيضاً بالقدرة وعدم الحرج بالإضافة إلى الإستنابة . إلاَّ انها مطلقة بالإضافة إلى السّعي بنفسه من جهة القدرة وعدهما. فالصحيحة الأولى مقيدة للثانية، والنتيجة ـ حينئذ ـ مع المشهور .
الأمر الثاني: ما وصفه بكونه تقريباً أوضح، وحاصله ان كل أمر نفسي مولوي ظاهر في الوجوب التعيني، فيما لم تكن قرينة على خلافه. فالوجوب التعيني ما يقتضيه اطلاق الدليل. فإذا أورد أمران في موضع واحد ولم ينهض دليل على ان الواجب شيء واحد، بل احتمل انه واجبان فيثبت ان كل واحد واجب تعيني ولا وجه لرفع اليد عن ذلك، بل اللازم الالتزام بالوجوبين معاً. كما ورد الأمر في مورد القتل الخطائي بالدية والكفارة وهما واجبان معاً. وكذا في باب الصلاة بالإضافة إلى بعض الأجزاء المنسيّة.
وأمّا إذا كان التكليف وحداً ولم يحتمل تعدّد الواجب، فلا يجري احتمال الوجوب التعيني لهما معاً. كما في مورد الأمر بصلاة الظهر والجمعة أو بالقصر والإتمام فحينئذ
(الصفحة 32)
يقع التعارض بين الدليلين. لكن طرفا التعارض ليس هما الوجوبان بذاتهما لعدم المنافاة، بل هي بين الوجوبين التعينيين فالنتيجة سقوط الإطلاقين وثبوت الوجوبين بنحو التخيير .
ولا مجال لتوهم كون المقام من هذا القبيل، لأن سقوط الإطلاقين في المقام لا موجب له، وذلك للعلم بسقوط الإطلاق من صحيحة ابن مسلم، لأنه لا تحتمل أن تكون الاستنابة واجباً تعيينياً، لأنها إمّا تخييري أو في مرتبة متأخرة، فلا إطلاق للصحيحة المذكورة. وأمّا صحيحة معاوية فلا مانع من الأخذ بإطلاقها وبطبيعة الحال يقيد بالتمكن فقط، لأدلّة نفي الحرج. فالوجوب التعييني للاستنابة ساقط، لكن الوجوب المباشري المستفاد من صحيحة معاوية نحتمل تعينه، فيؤخذ باطلاقه. فالنتيجة أيضاً مع المشهور.
لكن هذا الأمر الثاني يبتنى على استفادة التعيينية من اطلاق الوجوب الذي تدل عليه هيأت الفعل أو مثل لفظ «يجب» وقد حققنا في الأصول تبعاً لسيدنا الأستاذ الماتن (قدس سره) انه لا يعقل أن تكون نتيجة الاطلاق الذي ينطبق على المقسم هو واحد القسمين بعد لزوم أن يكون في القسم خصوصية زائده على المقسم مغايرة للخصوصية الموجودة ي القسم الآخر فما أفاده من استفادة الوجوب التعييني من الاطلاق مع كونه قسماً من مطلق الواجب ونوعاً من طبيعته مما لا يستقيم لوجه ومع الإغماض عن هذا المبنى يكون تقريباً صحيحاً، لما ذهب إليه المشهور، ولا يبقى مجال للتخيير الذي أفاده صاحب المستند (قدس سره) .
(الصفحة 33)في الزيادة على السبعة سهواً
مسألة 9 ـ لو زاد فيه سهواً شوطاً أو أزيد صحّ سعيه، والأولى قطعه من حيث تذكر، وإن لايبعد جواز تتميمه سبعاً، ولو نقصه وجب الإتمام أينما تذكره. ولو رجع إلى بلده وأمكنه الرجوع بلا مشقة وجب، ولو لم يمكنه أو كان شاقّاً إستناب، ولو أتى ببعض الشوط الأوّل وسهى ولم يأت بالسّعي، فالأحوط الإستيناف. [1]
[1] يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين.
المقام الأول: في الزيادة السهوية. ولا شبهة نصّاً وفتوى في عدم كونها قادحة في صحة السّعي وتماميته من دون فرق بين أن تكون الزيادة كذلك شوطاً أو أزيد. إنما الكلام في حكمه بعد التذكر من جهة لزوم القطع أو جواز التتميم سبعاً. وقد ورد فيه طائفتان من الرّوايات:
الطائفة الأولى: ما ظاهرها لزوم القطع والطرح من حيث تذكر، مثل:
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط. ما عليه؟ فقال: إن كان خطأ اطرح واحداً واعتد بسبعة.(1)
وصحيحة معاوية بن عمّار، قال: من طاف بنى الصفا والمروة خمسة عشر شوطاً طرح ثمانية واعتدّ بسبعة، قال: وإن بدأ بالمروة فليطرح ويبدأ بالصفا.(2)
وصحيحة جميل بن درّاج، قال: حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة
- (1) وسائل: ابواب السعي، الباب الثالث عشر، ح3.
- (2) وسائل: اورد صدرها في ابواب السعي، الباب الثالث عشر، ح4، وذيلها في الباب العاشر، ح3.