(الصفحة 259)
الطائفة الأولى: ماتدل بظاهرها على لزوم التأخير عن يوم النحر، و هي ما رواه الكليني عن بعض أصحابنا عن محمد بن الحسين عن أحمد بن عبدالله الكرخي، قال: قلت للرّضا (عليه السلام) المتمتع يقدم و ليس معه هدي، أيصوم مالم يجب عليه؟ قال: يصبر إلى يوم النحر فإن لم يصب فهو ممّن لم يجد.(1)
والجواب عنها مضافاً إلى عدم اعتبارها من حيث السنّد انه يمكن أن يقال بأن موردها ما إذا احتمل وجود الهدي في يوم النحر. و يؤيده التعبير بالصبر. و قوله «فإن لم يصب» و مورد الروايات المتقدمة صورة إحراز عدم وجود الهدي في اليوم المذكور مع أنه على تقدير التعارض يكون الترجيح مع تلك الروايات لقيام الشهرة، بل الإجماع على مشروعية الصيام في الأيام الثلاثة المذكورة فيها و إن وقع الإختلاف في التعين و عدمه، فلامجال لهذه الرواية الدالة على عدم المشروعية، كما هو ظاهر.
الطائفة الثانية: ما تدل بظاهرها على جواز الاتيان من أوّل الشهر و هي روايتان:
احديهما: ما رواه عبدالله بن مسكان، قال: حدثني أبان الأزرق عن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) انه قال: من لم يجد الهدي و أحبّ أن يصوم الثلاثة الأيام في أوّل العشر فلابأس بذلك.(2) و أبان المذكور لم يوثق بالخصوص. بل له توثيق عام باعتبار وقوعه في اسناد كتاب كامل الزيارات.
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب الرابع و الخمسون، ح 2 .
- (2) وسائل: ابواب الذبح، الباب السادس و الاربعون، ح 8 .
(الصفحة 260)
ثانيتهما: رواية أخرى لزرارة، و قد رواها صاحب الوسائل في بابين: أحدهما: الباب السادس والأربعون، الحديث الثاني بهذه الكيفية، و عنهم ـ يعنى محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا ـ عن سهل عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبدالكريم بن عمرو عن زرارة، عن أحدهما (عليه السلام) انه قال: من لم يجد هدياً و أحبّ أن يقدّم الثلاثة الأيام في أوّل العشر فلابأس. ثانيهما: الباب الرابع و الخمسون، الحديث الاوّل بهذه العبارة، محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد جميعاً عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبدالكريم بن عمرو عن زرارة عن أحدهما (عليه السلام) انه قال بنفس العبارة.
و انت ترى وجود سهل فى السند الأوّل منفرداً و في الثاني منضماً إلى أحمد بن محمد و هو يوجب الخلل في اعتبار الأولى دون الثانية، مع أنه لايكون في الكافي الذي نقل عنه صاحب الوسائل الاّ رواية واحدة لامتعددة.
مع انّ المراجعة إلي الكافي تبيّن عدم صحة نقل الوسائل عنه بوجه، فإنه قد عقد باباً بعنوان: «صوم المتمتع إذا لم يجدى» ثم ذكر في الحديث الأوّل هكذا: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد جميعاً عن رفاعة بن موسى، ثم نقل رواية رفاعة بن موسى المتقدمة في الأمر الأوّل، ثم عقبه بالحديث الثاني بهذا النحو: أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبدالكريم بن عمرو عن زرارة عن أحدهما (عليهم السلام) ثم نقل متن رواية زرارة.
و من الواضح ان الحديث الثانى لا ارتباط له بالحديث الأوّل، بل الظاهر انّ قوله أحمد بن محمد بن أبي نصر شروع في السند الثاني من دون وقوع عدة من أصحابنا
(الصفحة 261)
عن سهل منضماً أو منفرداً في هذا السّند، و عدم إمكان نقل الكلينى عن ابن أبي نصر بلاواسطة، بل اللازم وجود واسطة بل واسطتين لايوجب كون نقله عن العدة عن سهل عنه كذلك. و لعلّ هذا هو الذي أوقع صاحب الوسائل في الإشتباه، فتخيل أن الواسطة ما هو المذكور في الحديث الأوّل.
نعم يرد على السند الأوّل ان سهلاً لايمكن له النقل عن رفاعة بلاواسطة. و لذا ذكر العلامة المجلسي (قدس سره) في شرح الحديث الأوّل إن الظاهر ان فيه سقطاً، إذ أحمد بن محمد و سهل بن زياد لايرويان عن رفاعة لكن الغالب ان الواسطة امّا فضالة أو ابن أبي عمير أو ابن فضال أو ابن أبي نصر، قال: والأخير هنا أظهر بقرينة الخبر الآتي، حيث علقه على ابن أبي نصر إلي آخر كلامه.
هذا و التحقيق اتحاد الروايتين لزرارة و ان كان الراوى عنه في أحديهما هو أبان الأزرق و في الثانية هو عبدالكريم بن عمرو. و قد عرفت ان في السند الثاني سقطاً، لأنه لايمكن للكلينى أن ينقل عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر من دون واسطة. فهى بهذا السّند غير معتبرة. و امّا بالسند الأوّل فالإشكال إنّما هو في أبان المذكور، و قد عرفت وجود التوثيق العام بالإضافة إليه و هو حجة فيما إذا لم يكن قدح خاص على خلافه. و ليس في المقام قدح أصلاً، و عليه فالظاهر اعتبارها بهذا السّند، و مقتضى الجمع بينها و بين الروايات المتقدمة هو حملها على الاستحباب والفضيلة، و حمل رواية زرارة على الجواز و المشروعية. ولكن حيث إن المشهور ذهبوا إلي عدم جواز التقديم على الثلاثة الأيام لعدم اعتبار التوثيق العام عندهم، نقول بأن مقتضى الإحتياط الوجوبي هو العدم ـ كما في المتن ـ .
(الصفحة 262)
الأمر الثالث: فيما لو لم يتمكن من صوم السابع. ففي المتن صام الثامن و التاسع و أخر اليوم الثالث إلي بعد رجوعه من منى. قال والأحوط أن يكون بعد أيام التشريق، أي الحادى عشر و الثانى عشر و الثالث عشر و قد تبع المتن في أصل الحكم المشهور، بل عن ابن إدريس و غيره الإجماع عليه. و يدل عليه روايتان:
إحديهما: رواية عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة، قال: يجزيه ان يصوم يوماً آخر.(1) و في سندها مفضل بن صالح ابو جميلة و هو ضعيف.
ثانيتهما: رواية يحيى الأزرق التي رواها الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن النخعي عن صفوان عنه عن أبي الحسن (عليه السلام) و الصدوق بإسناده عنه، إنه سأل أبا ابراهيم (عليه السلام) قال: سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعاً و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة، قال: يصوم يوماً آخر بعد أيام التشريق. و في رواية الصدوق زيادة بيوم.(2)
و الظاهر انّ المراد هو يحيى بن عبدالرحمن الأزرق و هو ثقة، لكن الإشكال في أن الصدوق صرّح في المشيخه بيحيى بن حسان الأزرق، و هو مع أنه لم يوثق ليس له بهذا العنوان رواية في الكتب الأربعة، و يحتمل قويّاً وقوع الإشتباه في الكتابة منه أو من النسّاخ. لكن الذى يسهّل الخطب انه لامستند للمشهور في هذا الحكم المخالف للقاعدة، و هي اعتبار التوالي في صيام الثلاثة أيام الاّ هاتين الروايتين فلامحالة
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب الثانى و الخمسون، ح 1 .
- (2) وسائل: ابواب الذبح، الباب الثانى و الخمسون، ح 2 .
(الصفحة 263)
ينجبر سندهما باستناد المشهور إليهما، ولامجال لتوهم كون المسألة إجماعية مع قطع النظر عن الروايتين ـ كما ربما يظهر من الجواهر ـ بل الظاهر ثبوت الإستناد و هو جابر على ما هو التحقيق، فلا اشكال فيهما من حيث السّند.
ثم إنه هل يختص الحكم بصورة عدم التمكن من صوم اليوم السابع ـ كما هو ظاهر المتن ـ أو يعم صورة التمكن أيضاً؟ كما ربما يظهر من مثل عبارة الشرايع حيث قال فيها: ولو لم يتفق ـ أي صوم اليوم السابع ـ اقتصر على التروية و عرفة ثم صام الثالث بعد النفر. وجهان. استظهر الجواهر من الرواية التناول لحال الاختيار نظراً إلي أن القدوم يوم التروية لاينافي صوم يوم قبله قبل القدوم. ولكن الظاهر من السؤال بلحاظ الصوم يوم التروية بمجرد القدوم إنه كان عالماً بلزوم صوم اليوم السابع أيضاً و إن الباعث له على الترك هو عدم التمكن منه فى حال السفر، و الحركة الملازم خصوصاً في تلك الأزمنة للمشقة والكلفة الشديدة. وإلاّ فلم يكن وجه للترك فيه مع الصوم بمجرد القدوم، فلا دلالة للرواية على عمومية الحكم لصورة التمكن أيضاً.
مع أنه لو قلنا بأن المستند في أصل هذا الحكم هو الإجماع ـ كما ربما يظهر من صاحب الجواهر ـ يكون مقتضى الإقتصار في الأدلة اللبيّة على القدر المتيقن هو تخصيص الحكم بصورة عدم التمكن أيضاً.
ثم إنه ربما يظهر في بادي النظر وجود روايات متعددة في مقابل الروايتين الواردتين في المقام، و قد جعلها بعض الأعلام (قدس سره) على طوائف ثلاث:
الطائفة الأولى: ما تدل بالإطلاق على لزوم التتابع و انه لو صام يومين