(الصفحة 292)
أقول: أما الإطلاقات، فالظاهر أنه لا مجال للاستدلال بها على المقام، بعد كونها واردة في مقام البيان من جهة اُخرى، وهي أنه لا خصوصية لمكة ولا للطريق في صيام الثلاثة من جهة المكان. بل يجب عليه الإتيان به بعد الرجوع إلى الأهل إذا لم يأت أو لم يتمكن من الإتيان به في مكة وفي الطريق.
وأما من جهة الزمان فلا تكون بصدد البيان من هذه الجهة أيضاً حتى يصح التمسك بها لوجوب الإتيان به بعد مضي ذي الحجة أيضاً. خصوصاً بعد ظهور الآية في اعتبار ظرفية الشهر المذكور ومعهودية ذلك عند المتشرعة والرواة. وعليه فلابد من ملاحظة الصحيحتين فقط، لعدم ارتباط الإطلاقات المذكورة بالمقام. فنقول:
أما الصحيحة الاُولى، فقد عرفت أن موردها مطلق يشمل جميع الصور ومفادها فوات وقت الصوم بخروج ذي الحجة وعدم الصيام فيه. وأما الصحيحة الثانية، فمورد السؤال فيها وإن كانت صورة النسيان، إلاّ أنه لا دلالة لها على الاختصاص بهذه الصورة والنفي في غيرها. فلا تنافي الصحيحة الاُولى المطلقة، ولا مجال في مثل ذلك لحمل المطلق على المقيد بعد عدم التنافي بينهما أصلا. ومنه يظهر الخلل فيما مر من السبزواري. وعليه فاللازم الحكم بالسقوط وأنه يجب عليه أن يبعث بدم.
نعم يمكن أن يقال أن هذا البعث إنما هو لأجل الكفارة ولا يكون هدياً. والشاهد عليه ان الهدي أعم من الشاة، لأنه يمكن أن يكون إبلا أو بقراً. وهذا بخلاف الكفارة، فإنه يتعين أن تكون هي الشاة. ولكن الظاهر خلافه ـ خصوصاً مع التعبير في صحيحة عمران الحلبي المتقدمة بدم لا بشاة ـ فالظاهر حينئذ هو ما اُفيد في المتن، فتدبر.
(الصفحة 293)مسألة 26 ـ لو تمكن من الصوم ولم يصم حتى مات يقضي عنه الثلاثة وليّه. والأحوط قضاء السبعة أيضاً . [1]
[1]
في المسألة أقوال:
أحدها: القول بعدم وجوب هذا القضاء على الولي مطلقاً، بل استحبابه. وهو المحكي عن الصدوق (رحمه الله) .
ثانيها: القول بوجوب القضاء مطلقاً الثلاثة والسبعة، وهو المحكي عن ابن إدريس وأكثر المتأخرين، وجعله المحقق في الشرايع أشبه.
ثالثها: القول بالتفصيل بالوجوب في الثلاثة دون السبعة، وهو المحكي عن الشيخ وجماعة وظاهر المحقق في الشرايع.
وقد ورد في المسألة مضافاً إلى الروايات العامة الواردة في قضاء الولي مطلقاً الدالة على أنه يقضي عنه أولى الناس بميراثه، روايتان خاصتان صحيحتان وإن وصفت إحديهما بالحسنة لكنها صحيحة على المختار.
إحديهما: رواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه سأله عن رجل تمتع بالعمرة ولم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة. ثم مات بعد ما رجع إلى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيام أعلى وليه أن يقضي عنه؟ قال: ما أرى عليه قضاء(1).
ثانيتهما: رواية معاوية بن عمار، قال: من بات ولم يكن له هدي لمتعته، فليصم عنه وليه(2).
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن والأربعون، ح2.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن والأربعون، ح1.
(الصفحة 294)
والتحقيق أن يقال: ـ بعد عدم قيام الدليل على اشتراك الثلاثة والسبعة في الحكم ـ .
أما الثلاثة، فالظاهر وجوب القضاء على الولي بعد الموت والتمكن من الصوم وعدمه، ولو لأجل الجهل أو النسيان وأمثالهما. لدلالة الرواية الثانية عليه لظهور الأمر في الوجوب مضافاً إلى الأدلة العامة، ولا ينافيه الرواية الاُولى المعبرة بالنكرة مكان المعرف الظاهر في الإشارة إلى العهد الذكرى، لأنه مضافاً إلى أن موردها صورة الصيام لا تكون النكرة المزبورة ظاهراً بالظهور العرفي المعتمد عليه، بل غايته عدم وجوب قضاء صيام السبعة دون الثلاثة، مع أن الموت بمجرد الرجوع إلى الأهل وعدم التمكن في غاية البعد.
ومنه تعرف الوجه في أن مقتضى الجمع بين الروايتين عدم وجوب صيام السبعة.
(الصفحة 295)3 ـ الحلق أو التقصير
مسألة 27 ـ يجب بعد الذبح، الحلق أو التقصير ويتخير بينهما إلاّ طوائف:
الاُولى: النساء، فإن عليهن التقصير لا الحلق، فلو حلقن لا يجزيهن.
الثانية: الصرورة، أي الذي كان أول حجه، فإن عليه الحلق على الأحوط.
الثالثة: الملبد، وهو الذي ألزق شعره بشيء لزج ـ كعسل أو صمغ ـ لدفع القمل ونحوه، فعليه الحلق على الأحوط.
الرابعة: من عقص شعره، أي: جمعه ولفه وعقده، فعليه الحلق على الأحوط.
الخامسة: الخنثى المشكل، فإنه إذا لم يكن من إحدى الثلاثة الأخيرة يجب عليه التقصير، وإلاّ جمع بينه وبين الحلق على الأحوط . [1]
[1]
التعبير عنه بالتقصير فيه مسامحة واضحة، بعد تعين الحلق على بعض الطوائف، والتخيير بينه وبين التقصير ـ كما هو أصل الحكم ـ . نعم يستفاد من التعبير بالواجب أمران و أحدهما على سبيل المطابقة، هو الوجوب في مقابل الاستحباب الذي حكي عن الشيخ الطوسي (قدس سره) في تفسير التبيان وعن الشيخ الطبرسي في تفسير مجمع البيان الذي هو خلاصة التبيان.
والدليل على الوجوب مضافاً إلى النصوص المستفيضة الآتية الواردة في أحكام فروع المسألة هو ارتكاز المتشرعة وثبوت الوجوب عندهم كثبوت سائر أحكام
(الصفحة 296)
منى. وينبغي التعرض لبعض الروايات الدالة على الوجوب والجزئية للحج، مثل:
صحيحة سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) جعلت فداك، معنا نساء فأفيض بهن بليل، فقال: نعم تريد أن تصنع كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قلت: نعم، قال: أفض بهنّ بليل ولا تفض بهن حتى تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فترمين الجمرة، فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن ويمضين إلى مكة في وجوههن ويطفن بالبيت ويسعين بين الصفا والمروة، ثم يرجعن إلى البيت ويطفن أسبوعاً، ثم يرجعن إلى منى وقد فرغن من حجهن. وقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرسل معهن اُسامة(1).
وقيام الدليل على عدم الجزئية في طواف النساء ـ كما يأتي إن شاء الله تعالى ـ لا يلازم عدم الجزئية، بالإضافة إلى المقام ـ كما هو واضح ـ .
إذا عرفت ذلك، فالكلام يقع في الطوائف المذكورة، فنقول:
أما الطائفة الاُولى: وهي النساء. فالظاهر تعين التقصير عليهن لا للإجماع المدعى ـ كما ادعاه العلامة ـ ولا لعدم وجدان الخلاف الذي ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) بل لأن العبادات المركبة لابد في بيان أجزائها من مراجعة الدليل، خصوصاً في باب الحج الذي لا تناسب بين أجزائه عندنا. فأيّة مناسبة بين الطواف الذي يقع حول البيت وبين الوقوف بعرفة مثلا؟
فاللازم الرجوع إلى الدليل وفي موارد قيامه فإما أن نرى إلغاء الخصوصية كخصوصية الرجولية من قوله (عليه السلام) : رجل شك بين الثلاث والأربع مثلا، وإما أن
- (1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح2.