(الصفحة 301)
لاختلاف هذا التعبير في الروايات وفي الفتاوي. فالإنصاف عدم دلالة الصحيحة على تعيّن الحلق على الصرورة.
ومنها: رواية سويد القلاء عن أبي سعيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: يجب الحلق على ثلاثة نفر: رجل لبد ورجل حج بدواً لم يحج قبلها ورجل عقص رأسه(1).
والرواية وان كانت ظاهرة الدلالة، إلاّ في سندها ـ على ما في التهذيب ـ أبو سعد، وهو مجهول. و ـ على ما في الوسائل ومحكي الوافي ـ أبو سعيد، وهو مردد بين قمّاط الثقة والمكاري الذي لم تثبت وثاقته. فلا يجوز الأخذ بها.
ومنها: رواية مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل برأسه قروح، فلا يقدر على الحلق، قال: إن كان قد حج قبلها فلينتجر شعره، وإن كان لم يحج فلابد له من الحلق. الحديث(2).
والرواية وإن كانت معتبرة ـ كما يظهر من التعبير عن رواية مصدق بالموثقة على ما في كلام الشيخ الأنصاري (قدس سره) ـ إلاّ أنه لا يمكن الالتزام بمفادها ومدلولها، لأنها تدل على وجوب الحلق. بالإضافة إلى بعض من لا يقدر عليه المفروض في سؤال السائل. مع أن قاعدة نفي الحرج تنفي الوجوب في صورة الحرج والشدة والمشقة. مع أن الحلق بالإضافة إلى من كان برأسه قروح مستلزم للإدماء الذي هو من محرمات الإحرام. فلا يمكن الالتزام بالرواية أصلا.
ومنها: رواية علي عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: على الصرورة أن يحلق
- (1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح2.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح4.
(الصفحة 302)
رأسه ولا يقصر، إنما التقصير لمن قد حج حجة الإسلام(1).
والرواية فيها الإشكال من ناحية السند ومن جهة الدلالة معاً.
أما من جهة السند، فالراوي عن أبي بصير هو علي، وهو إن كان علي بن أبي حمزة البطائني الكذاب المعروف ـ كما هو الظاهر ـ فلا يجوز الأخذ بروايته، وإن كان غيره الثقة فهو لم يثبت.
وأما من جهة الدلالة، فتدل أو تشعر بأن الصرورة هو خصوص من لم يحج حجة الإسلام، مع أن المراد به هو من لم يحج أصلا.
ومنها: رواية بكر بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ليس للصرورة أن يقصر وعليه أن يحلّق(2).
وهي ضعيفة ببكر بن خالد، فلا يجوز الالتزام بها.
ومنها: رواية سليمان بن مهران (في حديث) أنه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) : كيف صار الحلق على الصرورة واجباً دون من قد حج؟ قال: ليصير بذلك موسماً بسمة الآمنين. ألا تسمع قول الله عزوجل:
(... لَتَدخُلَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إنْ شاءَ اللهُ آمِنيِنَ مُحَلِّقيِنَ رُؤُوسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لاتَخافُونَ...(3)
) .(4)
والرواية مضافاً إلى اشتمالها على المجاهيل في السند غير ظاهرة الدلالة بعد وقوع التقصير في الآية أيضاً، وإن كان أمراً غير ظاهر بخلاف الحلق ـ كما لا يخفى ـ فانقدح
- (1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح5.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح10.
- (3) سورة الفتح (48): 27 .
- (4) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح14.
(الصفحة 303)
أن الظاهر في هذه الطائفة هو الحكم بالتخيير الذي أفتى به المشهور، وإن كان الحلق أفضل، بل يكون استحبابه متأكداً ـ كما عرفت في عبارة الشرائع المتقدمة ـ .
وأما الطائفة الثالثة والرابعة: فهما الذكر الملبد والعاقص. والدليل على حكمهما أيضاً روايات. وإن كان المشهور قائلين بالتخيير فيهما أيضاً.
منها: صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، بل في الطريق الآخر جعلها به في الوسائل الرواية الثامنة، وإن كان الظاهر اتحادها مع الرواية الاُولى المذكورة في الباب. لكنها معها روايتان متعددتان على ما في الوسائل. وتبعه عليه بعض الكتب الفقهية، ومتنها هكذا: «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته، فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير. وإن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج، وليس في المتعة إلاّ التقصير»(1).
ومنها: صحيحة هشام بن سالم، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة، فقد وجب عليه الحلق(2).
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالة على تعين الحلق فيهما أو في أحدهما، ولعله (قدس سره) لأجلها احتاط الماتن وجوباً بالحلق. ويمكن أن يقال: بأنه مع صحة أكثر الروايات الدالة على التعين، كيف ذهب المشهور إلى الخلاف وعدم التعين؟ وهل يعد ذلك إعراضاً عن الرواية، قادحاً في اعتبارها، وإن كانت من الصحة بمكان أو أن الفتوى على الخلاف لأجل الفهم ودركه وإن كان هذا بعيداً، فتدبر.
- (1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح8.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب السابع، ح2.
(الصفحة 304)
وأما الطائفة الخامسة: فهو الخنثى المشكل الذي لا تعلم ذكورته واُنوثته إثباتاً، وإن كان بحسب الواقع أحدهما ثبوتاً. بناءً على عدم كونه طبيعة ثالثة. وقد ذكر في المتن أنه إن لم يكن من أحد الطوائف الثلاثة الأخيرة، فاللازم عليه الاحتياط بالتقصير، لأن في دوران الأمر بين التعيين والتخيير يكون مقتضى الاحتياط، الأخذ بالمعين الذي هو في المقام عبارة عن التقصير، لأن الخنثى غير الصرورة ـ مثلا ـ إما أن يكون التقصير متعيناً عليه، بناءً على كونه اُنثى. وإما أن يكون مخيراً بينه وبين الحلق، بناءً على كونه ذكوراً. والمفروض أنه غير الطوائف الثلاث. فاللازم احتياطاً هو الأخذ بالمعين وهو التقصير.
وعلى تقدير كونه من الطوائف الثلاث يكون مقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين التقصير وبين الحلق إحتياطاً ـ كما في سائر الموارد ـ .
وله علم آخر في هذه الصورة، وهو العلم بأنه إما أن يكون فعل الحلق عليه حراماً أو تركه، وإما أن يكون فعل التقصير عليه حراماً أو تركه. ففي كل من الأمرين يدور الأمر بين المحذورين. وإن كان الأمران بأجمعهما لا يدور الأمر فيهما بينهما لجواز وإمكان ترك الأمرين معاً.
وحيث إن الحكم في مورد الدوران هي إصالة التخيير، فإذا اختار الحلق فالتقصير في الوهلة الثانية إما أن يكون محلا بناءً على كونه أنثى، وإما أن يكون في حال الإحلال.
وإذا اختار الحلق في الوهلة الثانية، فإما أن يكون التقصير في المرتبة الاُولى إزالة الشعر في حال الإحرام، وهي إما أن يكون محرماً في حال الإحرام أو مع الكفارة
(الصفحة 305)في ما يكفي في التقصير
مسألة 28 ـ يكفي في التقصير قص شيء من الشعر أو الظفر بكل آلة شاء. والأولى قص مقدار من الشعر والظفر أيضاً، والأحوط لمن عليه الحلق أن يحلق جميع رأسه. ويجوز فيهما المباشرة والإيكال إلى الغير. وتجب فيهما النية بشرائطها ينوي بنفسه، والأولى نية الغير أيضاً مع الإيكال إليه . [1]
أيضاً، وإما أن يكون محلا، فلا وجه لحرمة الحلق بعده.
[1] في هذه المسألة فروع وأحكام:
الأول: أن الواجب في باب التقصير هو صدق عنوانه، والظاهر تحققه بما دون القبضة بل ما دون الأنملة، ولا يتوقف على صدق القبضة ـ كما ربما يحكى عن أبي علي ـ ولا على صدق الأنملة ـ كما لعله ربما يستظهر من عبارة الشرائع حيث قال: ويجزيهن منه ولو مثل الأنملة كما في محكي القواعد والنافع والتهذيب وبعض الكتب الاُخر أيضاً ـ ولكن الظاهر ـ كما قلنا ـ كفاية المسمى وصدقه بما دونهما وعدم توقفه على شيء منهما.
الثاني: أن الظاهر كفاية القص من الشعر أو الظفر، ولكن الجمع بينهما هو الأولى لظهور بعض الروايات في وجوب الجمع. لكن حيث إن الضرورة والإجماع قائمان على عدم وجوب الجمع، فالظاهر هو الاستحباب ـ كما في صحيحة سعيد الأعرج ـ .
الثالث: أنه تجوز فيهما المباشرة، ويجوز الإيكال إلى الغير، لعدم قدرة غالب