(الصفحة 315)
والكذب فيها هو المعنى المراد والمقصود. فإذا قيل: زيد مهزول الفصيل، لا يلزم أن يكون له فصيل أم يكون فصيله مهزولا. بل الملاك هو الجود وعدمه.
والظاهر أن المراد في الآية هو تحقق الذبح، بل لابد بلحاظ الفتاوى والحكم الوارد في المحصر ذلك.
وعليه فالرواية تدل على أن جواز الحلق إنما هو بعد الذبح، وإن كان السياق ربما ينافي ذلك. وعليه فلا دلالة لها على عدم اعتبار الترتيب ـ كما لا يخفى ـ .
المقام الثاني: في حكم مخالفة الترتيب. فاعلم أنها قد تكون عن سهو ونسيان، وقد تكون عن جهل بالحكم، وقد تكون مع العلم والعمد.
أمّا الساهي: فالحكم فيه الصحة. ويدل عليها قوله (عليه السلام) في صحيحة جميل بن دراج: إلاّ أن يكون ناسياً. حيث قال:
سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسياً، ثم قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه اُناس من يوم النحر، فقال بعضهم: يارسول الله إني حلقت قبل أن أذبح، وقال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخروه إلاّ قدموه، فقال: لا حرج(1).
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت، فاشترى بمكة ثم ذبح، قال: لا بأس قد أجزأ عنه(2).
وغير ذلك من الروايات الدالة على الصحة، في صورة مخالفة الترتيب سهواً.
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح4.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح5.
(الصفحة 316)
وأمّا الجاهل: فالحكم فيه أيضاً الصحة. ويدل عليه صحيحة جميل بن دراج المتقدمة، فإنها وإن وردت في مورد النسيان والتعبير فيها يدل على الحصر، إلاّ أن الظاهر ان المراد بالنسيان فيها ليس خصوص النسيان المقابل للجاهل وغيره، بل الأعم منه ومن الجاهل. والسر فيه اشتراكهما في عدم العلم في حال العمل، مع أن الأناس الذين أتوا النبي (صلى الله عليه وآله) للسؤال عن خلافهم، من البعيد أن يكون كلهم ناسين بالمعنى الاصطلاحي، بل الظاهر أن جلّهم بل كلهم كانوا جاهلين. والسر فيه مضافاً إلى أنه كان في حجة الوداع التي هي أول حج المسلمين مع نبيهم وآخره، وإلى أن الحج لا يتحقق إلاّ في الموسم وفي كل عام مرة، أن ابتلاء الاناس بالنسيان مع أنه قلما يتحقق ويتفق في الخارج ولا يعرض إلاّ لبعض الناس في بعض المواقع.
ولأجل ما ذكرنا لم يتحقق الاستفصال منه (صلى الله عليه وآله) أولا واستشهد الإمام (عليه السلام) بما وقع في عصره (صلى الله عليه وآله) ثانياً، مع أن السؤال منه (عليه السلام) كان عن صورة النسيان. فالصحيحة تدل على حكم الجاهل أيضاً. وإن لم يقع التعرض لحكمه بالخصوص في شيء من الروايات ـ فلا يبعد إلحاقه بالناسي ـ كما في المتن ـ .
وامّا العالم العامد: فالمعروف بينهم أيضاً هو الإجزاء والصحة، بل ربما ادعي الإجماع عليه نظراً إلى أن وجوب الترتيب تكليفي محض، ولا يترتب على مخالفته سوى المعصية وأحكامها، نظير ما ذكره بعض أساتيدنا في صلاة الجماعة، من أنّ وجوب متابعة المأموم للإمام لا يترتب على مخالفته بطلان الصلاة بل ولا بطلان الجماعة. لكن المحكي عن صاحب المدارك الخلاف. وأن الوجوب في الترتيب كوجوب سائر الاُمور المعتبرة في المركبات العبادية شرطي أو جزئي. وقد تبعه في
(الصفحة 317)
ذلك صاحب الحدائق وبعض آخر.
وقد استدل للمشهور بروايات، لابد من النظر والدقة فيها.
منها: رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : جعلت فداك، ان رجلا من أصحابنا رمى الجمرة يوم النحر، وحلق قبل أن يذبح، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين، فقالوا: يارسول الله (صلى الله عليه وآله) ذبحنا من قبل أن نرمي وحلقنا من قبل أن نذبح فلم يبق شيء مما ينبغي أن يقدموه إلاّ أخروه، ولا شيء مما ينبغي أن يؤخروه إلاّ قدموه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا حرج ولا حرج(1). نظراً إلى عدم التعرض فيها لصورة النسيان ـ كما في صحيحة جميل ـ .
ويرد عليها مضافاً إلى أن الراوي عن ابن أبي نصر هو سهل بن زياد، وفيه كلام واختلاف، انّ هذه لم تكن قصة اُخرى قد وقع السؤال فيها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل هي بعينها نفس القصة المحكية في صحيحة جميل. وقد ظهر أن التعبير فيها إنما هو بأداة الحصر، وأنه لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسياً، فلا وجه للاستدلال بها على مطلق المخالفة، وإن كانت عن علم وعمد ـ كما لا يخفى ـ .
ومنها: صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي، قال: لا بأس وليس عليه شيء ولا يعودن(2). نظراً إلى ترك الاستفصال وإطلاق الجواب.
ويرد على الاستدلال بها أن الحكم بأنه «ليس عليه شيء» لا ينطبق ولا يشمل
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح6.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح10.
(الصفحة 318)في تقديم الطواف على الحلق أو التقصير عمداً
مسألة 33 ـ يجب أن يكون الطواف والسعي بعد التقصير أو الحلق، فلو قدمهما عمداً يجب أن يرجع ويقصر أو يحلق، ثم يعيد الطواف والصلاة والسعي وعليه شاة. وكذا لو قدم الطواف عمداً. ولا كفّارة في تقديم السعي، وإن وجبت الإعادة وتحصيل الترتيب، ولو قدمهما جهلا بالحكم أو نسياناً وسهواً فكذلك، إلاّ في الكفارة فإنها ليست عليه . [1]
العالم العامد بوجه. فإن المعصية أقل ما تحققت وفيها وجوب التوبة، فالحكم بأنه «ليس عليه شيء» لا ينطبق إلاّ على الناسي والجاهل، فمقتضى التأمل والقواعد هو ما ذكره صاحب المدارك والحدائق. إلاّ أن يكون إجماع على الخلاف. والظاهر عدم تحققه، فيجب على العالم العامد العود لرعاية الترتيب مع إمكانه ـ كما في المتن ـ .
[1] هذه المسألة، أي: لزوم الإعادة مطلقاً لدى الإمكان في صورة العلم والعمد وكذا في صورة النسيان والجهل بالحكم وإن كان مطابقاً للمشهور، بل قال في الجواهر: لا أجد فيه خلافاً، بل في محكي المدارك وغيره أيضاً ذلك. إلاّ أن الأدلة والروايات لا تساعدها. لأن العمدة ثلاث روايات:
إحديها: صحيحة جميل بن دراج المتقدمة الحاكية لجريان حجة الوداع المشتملة على الجواب عن سؤاله الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، بقوله: «لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسياً» مستشهداً بذلك الجريان، فإن قوله (عليه السلام) «لا ينبغي» ظاهر في عدم الجواز الشرطي. والاستثناء شاهد على أن مورده صورة العلم والعمد. والاستشهاد
(الصفحة 319)
دليل على أن في صورة المستثنى لا تجب الإعادة أصلا.
ثانيتها: صحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة رميت وذبحت ولم تقصر حتى زارت البيت فطافت وسعت من الليل ما حالها؟ وما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال: لا بأس به، يقصر ويطوف بالحج ثم يطوف للزيارة ثم قد أحلّ من كل شيء(1).
والظاهر أن المراد من الطواف الأخير هو طواف النساء، بقرينة عمومية الإحلال من كل شيء.
ثالثتها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: إن كان زار البيت قبل أن يحلق رأسه وهو عالم أن ذلك لا ينبغي له، فإن عليه دم شاة(2).
ومقتضى الجمع بين الروايات اُمور:
الأول: الالتزام بلزوم العود، رعاية للترتيب في خصوص صورة العلم والعمد، لدلالة صحيحة جميل على عدم لزوم العود في صورة النسيان الشاملة للجهل، بمقتضى ما ذكرناه آنفاً; وصحيحة علي بن يقطين وإن كان مدلولها لزوم الإعادة مطلقاً، إلاّ أنها محمولة على خصوص صورة العلم والعمد، جمعاً بين المطلق والمقيد.
الثاني: ثبوت الكفارة مع الشرطين: أحدهما: العلم والعمد. وثانيهما: التقدم على الطواف ـ كما هو مقتضى صحيحة محمد بن مسلم، ولا دلالة لها على أزيد من ذلك ـ
- (1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الرابع، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الثاني، ح1.