(الصفحة 320)
فتقديم السعي وحده لا يوجب الكفارة، ولو كان عن علم وعمد.
الثالث: عدم ثبوت الكفارة على الناسي والجاهل، لظهور صحيحة جميل في ذلك، ووجود القيد في كلام الإمام (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.
وبعد ذلك يقع الكلام في أمرين:
الأول: أنه لم يتعرض الماتن لاعتبار الترتيب بين مناسك منى والطواف والسعي فيما يتعلق بمناسك منى، مع أن الترتيب شرط الأمر المتأخر واقعاً أو ذكرياً. فهل يمكن أن يقال بأن الترتيب من شرائط صلاة الظهر، أم لابد أن يقال بأنه من شرائط صلاة العصر؟
الثاني: أنه مع أن مقتضى الجمع بين الروايات ما ذكرنا من عدم لزوم العود حفظاً للترتيب في صورة النسيان بالمعنى الذي تقدم الشامل للجاهل، كيف التزم المشهور بل ربما ادعي الإجماع ـ كما عرفت ـ على أن غير العالم والعامد يجب عليه العود بعد زوال النسيان وارتفاع الجهل. خصوصاً مع عدم تضيق وقت الطواف والسعي بعد أعمال منى وبقائه إلى آخر ذي الحجة الذي هو آخر أشهر الحج، فهل بعد ذلك إعراضاً عن الرواية موجباً للقدح في اعتبارها وسقوطها عن الحجية، أم لا يعد ذلك إعراضاً كذلك؟
الذي ينبغي أن يقال ويقتضيه التأمل في الكلمات والعبارات، إن تلك الروايات كانت بمرئى منهم ومنظر، ولم يتحقق الإعراض عنها بوجه. غاية الأمر الاختلاف في الاستفادة منها. وفهم المراد منها فعن بعضهم حمل قوله: «لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسياً» على مجرد الحكم التكليفي وأن النسيان موجب لزوال التكليف حكماً، كما أنه
(الصفحة 321)
موجب لزوال العلم موضوعاً.
وحمل قوله (صلى الله عليه وآله) «لا حرج» ـ واحداً كما في صحيحة جميل، أو متعدداً كما في بعض الروايات الاُخر ـ على مجرد رفع الحرج من جهة الحكم التكليفي، من دون الدلالة على صحة حجهم رأساً. وأنت خبير بأن ذلك خلاف ما هو المتفاهم عند العرف من الرواية جواباً واستشهاداً، وحتى سؤالا من السائل لظهور كلها في الحكم الوضعي الراجع إلى الصحة والبطلان ـ كما في سائر الموارد والمقامات ـ ومراده (صلى الله عليه وآله) من نفي الحرج أيضاً ذلك، وإلاّ كان اللازم عليه إيجاب الإعادة وبيانها مع كون الناس جاهلين، لئلا يكون حجهم غير مطابق للمأمور به.
ومن الغريب أن صاحب الرياض (قدس سره) حمل دليل وجوب الكفارة على الاستحباب. مع أن التعبير في دليلها مع التقييد بصورة العلم إنما هو بكلمة «عليه» لا بصيغة «افعل» المستعملة في الاستحباب كثيراً.
ولو نوقش في دلالة هذا التعبير على الوجوب، لجرت المناقشة في أصل دلالة آية وجوب الحج عليه، لرواية وجوب الصيام عليه. وغير ذلك من الموارد. والغرض من ذلك كله عدم الاستيحاش من مخالفة المشهور، وحملها على الاعراض القادح. بل إنما هي لأجل الاستفادة وفهم المراد من الرواية نوعاً. نعم ربما يتفق الاعراض ـ كما في بعض المسائل الآتية ـ فلا وجه للحمل المذكور بوجه.
وعليه فمقتضى القاعدة في المقام ما ذكرنا. ولا يكون إجماع تعبدي كاشف على خلافه. بل لابد من الالتزام بمفاد الروايات والاستفادة منها على نحو يفهمه العرف، فتأمل.
(الصفحة 322)في ما لو قصر أو حلق بعد الطواف أو السعي
مسألة 34 ـ لو قصر أو حلق بعد الطواف أو السعي، فالأحوط الإعادة لتحصيل الترتيب. ولو كان عليه الحلق عيناً يمرّ الموسى على رأسه احتياطاً . [1]
[1] الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة مع عدم كونه موجباً للتعدد، إنما هو في تحقق الحلق أو التقصير بعد الطواف أو السعي هنا، وعدم تحقق شيء منهما في المسألة السابقة.
ويرد على الماتن (قدس سره) ما أشرنا إليه من أن الترتيب على فرض اعتباره، إنما يكون شرطاً للأمر المتأخر لا للأمر المتقدم ـ كما في الظهرين ـ فإنّ ترتب العصر على الظهر، يقتضي وقوع العصر بعد الظهر، ولا تكون صلاة الظهر مشروطاً من هذه الناحية بشيء. فإذا اقتصر الشخص على صلاة الظهر، ولو كان عن علم وعمد، لا يوجب ذلك بطلان صلاة الظهر بوجه، من جهة عدم وقوع العصر بعدها، بل غايته عدم صحة صلاة العصر في مورد عدم وقوعها متأخرة عن الظهر.
وعليه فالترتيب المعتبر في المقام على تقديره إنما هو بالإضافة إلى الطواف أو السعي. فإذا قدم شيئاً منهما أو كليهما على الحلق والتقصير، ثم قصر أو حلق، يصير الطواف وما بعده غير واجد للشرط الذي هو الترتيب، ولا يلزم الخلل فيهما لا في النية ولا في شيء آخر، بل تلزم إعادة الطواف والسعي. وعليه فلا وجه لإعادة الحلق، ولو كان متعيناً عليه، لأن يحصل الترتيب. وعليه فلا وجه للاحتياط بإمرار الموسى بعد عدم لزومه بوجه. وإنما هو أي: إمرار الموسى في موارد وجوب الحلق
(الصفحة 323)في مدخلية الحلق أو التقصير في التحلل
مسألة 35 ـ يحل للمحرم بعد الرمي والذبح والحلق أو التقصير كل ما حرّم عليه بالإحرام إلاّ النساء والطيب. ولا تبعد حلية الصيد أيضاً. نعم يحرم الصيد في الحرم للمحرم وغيره لاحترامه . [1]
كذلك.
والذي ينبغي أن يقال إنه كان ينبغي له ترك التعرض لهذه المسألة بعدالمسألة المتقدمة، خصوصاً مع ثبوت الفتوى أو الفتاوى هناك، والانتقال إلى الاحتياط الوجوبي هنا. نعم الاحتياط في مسألة إمرار الموسى له وجه لو قيل بالتعدد، بناءاً على أن رواياته إنما وردت في مورد الحلق الابتدائي ـ على ما عرفت ـ وشمولها للحلق الثانوي محل إشكال، وإن كان مقتضى الاحتياط الوجوبي ـ كما لا يخفى ـ .
[1] يقع الكلام في هذه المسألة تارة في غيرالصيد واُخرى فيه. فالكلام يقع في أمرين:
الأول: غير الصيد من محرمات الإحرام ـ مِن النساء والطيب ـ فنقول: إن المشهور حكموا بتوقف حليته على آخر أعمال منى، وهو الحلق أو التقصير بعد وقوعهما بعدها. وعن الصدوقين حصول التحلل بمجرد الرمي الذي هو أول أعمال منى. ودليلهما فقه الرضا الذي لم يثبت كونه رواية، فضلا عن الصحة والاعتبار. وقد ذكرنا هذه الجهة مراراً، ولذا لم يرو صاحب الوسائل عنه شيئاً أصلا. ويدل على المشهور روايات كثيرة:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا ذبح الرجل وحلق
(الصفحة 324)
فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء والطيب، فإذا زار البيت وسعى بين الصفا والمروة، فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء، وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كل شيء أحرم منه إلاّ الصيد(1) والكلام الآن في غير الصيد.
والرواية ظاهرة في الترتب على الحلق بعد الذبح ومدخلية الحلق في الحلية المذكورة، وأن لا تكون للقضية الشرطية مفهوم ـ كما حققناه في محله الذي هو بحث المفاهيم من علم الاُصول ـ .
ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق، ولكن لا تقربوا النساء والطيب(2). وغير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.
وفي مقابل هذه الروايات، روايتان:
إحديهما: موثقة حسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) إنه كان يقول: إذا رميت جمرة العقبة فقد حل لك كل شيء حرم عليك إلاّ النساء(3).
ثانيتهما: موثقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) جعلت فداك، رجل أكل فالوذج فيه زعفران بعد ما رمى الجمرة ولم يحلق، قال: لا بأس... .(4)
لكن هاتين الروايتين مهجورتان، ولم يقل بمفادهما حتى الصدوقين. لعدم قولهما
- (1) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الثالث عشر، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب الحلق والتقصير، الباب الثالث عشر، ح6.
- (3) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح11.
- (4) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح12.