(الصفحة 329)
وإن كان بينها اختلاف من جهة تفسير الإتقاء الوارد في الآية. وأن المراد به هو إتقاء الصيد فقط، أو إتقاء الرفث والفسوق والجدال وما حرّم الله عليه في إحرامه، أو إتقاء الله ـ عزوجل ـ أو إتقاء الكبائر، ومن الجهات الاُخر أيضاً.
وكيف كان، فإن كنّا نحن والروايات فقط، لكان اللازم الحكم بتأخر تحقق التحلل عن الصيد الإحرامي إلى زوال اليوم الثالث عشر الذي هو النفر الثاني.
ولذا ذكر بعض الأعلام (قدس سره) بعد الإشارة إلى الروايات المتقدمة المعارضة بعد حمل رواية معاوية الاُولى على الصيد الإحرامي أنه حيث لا قائل بمضمون هذه الروايات ـ أي الدالة على تأخر تحلل الصيد الإحرامي ـ حتى أن صاحب الجواهر (قدس سره) قال: لم نجد أحداً أفتى بذلك من أصحابنا، بل ولا من ذكر كراهته أو استحباب تركه أو غير ذلك. فلذا يكون الحكم بالحرمة وعدم التحلل منه إلى الظهر من يوم الثالث عشر مبنياً على الاحتياط.
(الصفحة 330)
(الصفحة 331)القول في ما يجب بعد أعمال منى
وهو خمسة: طواف الحج وركعتيه، والسعي بين الصفا والمروة، وطواف النساء وركعتيه.
مسألة 1 ـ كيفية الطواف والصلاة والسعي كطواف العمرة وركعتيه والسعي فيها بعينها إلاّ في النية، فتجب هيهنا نية ما يأتي به . [1]
[1]
الواجب بعد أعمال منى خمسة مذكورة في المتن.
الأول والثاني: طواف الحج المعروف بطواف الزيارة وزيارة البيت والركعتان. والتعبير عنهما بما في المتن إمّا بتقدير كلمة أعني وإمّا بجعل الواو بمعنى مع. وكلاهما خلاف الظاهر لا داعي إليه.
وهو بعينه كطواف العمرة والركعتين. ولا اختلاف أصلا إلاّ في مجرد النية. وإلاّ فالكيفية والكمية والماهية والحقيقة واحدة.
والدليل على الوحدة اُمور:
منها: ارتكاز المتشرعة ورويتهم الطواف والركعتين في الحج والعمرة واحداً من دون اختلاف أصلا.
(الصفحة 332)في وقت طواف الحج
مسألة 2 ـ يجوز بل يستحب بعد الفراغ عن أعمال منى، الرجوع يوم العيد إلى مكة للأعمال المذكورة; ويجوز التأخير إلى يوم الحادي عشر. ولا يبعد جوازه إلى آخر الشهر، فيجوز الإتيان بها حتى آخر يوم منه . [1]
ومنها: الروايات الواردة في الفرق بين حج التمتع، بلحاظ كون العمرة جزءاً منه، وبين حجي القران والإفراد، بلحاظ كون العمرة خارجة منه. من جهة أن فيه ثلاثة أطواف وفيهما طوافان. فإن ظاهره أن الفرق إنما هو باعتبار العدد لا باعتبار الماهية والحقيقة. وكذا الروايات الواردة في بيان الشروط والخصوصيات من دون التعرض لشيء من أنواع الأقسام الثلاثة للحج.
ومنها: الرواية الخاصة، وهي صحيحة معاوية بن عمار المعروفة المفصلة الدالة على أنه: ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة ـ إلى أن قال: ـ ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه، واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة... (1).
[1] في المسألة أقوال مختلفة بالإضافة إلى حج التمتع الذي نحن فيه.
الأول: ما حكي عن المشهور من عدم جواز التأخير عن اليوم الحادي عشر.
الثاني: ما ذهب إليه جماعة من جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق. وقد جعله صاحب الحدائق غاية ما يستفاد من الروايات، ونسب إلى المحقق ـ عليه الرحمة ـ لكنه ذكر في الشرايع: إذا قضى مناسكه يوم النحر، فالأفضل المضي إلى مكة للطواف
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح1.
(الصفحة 333)
والسعي ليومه، فإن أخره فمن غده. ويتأكد ذلك في حق المتمتع، فإن أخّر أثم ويجزيه طوافه وسعيه. ومن المعلوم عدم مساعدة هذه العبارة للنسبة.
الثالث: ما عن جماعة منهم ابن إدريس والعلامة في المختلف والسيد صاحب المدارك وبعض الأعلام من جواز التأخير إلى طول ذي الحجة. لأن الحج أشهر معلومات، وآخر الأشهر ذو الحجة. فيجوز الإتيان بها حتى آخر يوم منه، وقد نفى عنه البعد في المتن.
والروايات أيضاً مختلفة، فمن بعضها يستفاد تعين يوم النحر، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر(1). بناءاً على دلالتها على التعين، لا إفادة أصل المشروعية ـ كما لا يخفى ـ .
ويستفاد من بعضها جواز التأخير إلى ليلة الحادي عشر.
كما في صحيحة منصور بن حازم: لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت(2). بناءاً على جواز تأخير المبيت إلى النصف الثاني من الليل ـ كما سيأتي ـ .
وصحيحة عمران الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ينبغي أن يزور البيت يوم النحر أو من ليلته، ولا يؤخر ذلك اليوم.(3)
ويستفاد من البعض جواز التأخير أزيد من ذلك.
كرواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أخّر الزيارة إلى يوم
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح5.
- (2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح6.
- (3) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح7.