(الصفحة 344)
الزحام، وإما لوجود المرض كذلك، وإما لأنه لا يتمكن من الرجوع إلى مكة أصلا، لأن الجمال لا يقيم، أو لثبوت العدو له في مكة، وإمّا لجهة اُخرى.
وقد ذكرنا عدم ثبوت المفهوم حتى للقضية الشرطية ـ فضلا عن المقام ـ وأن ذكر القيد دليل على عدم ثبوت الحكم للمطلق. ومن الممكن قيام قيد مقام آخر. فإذا قال: إن جاءك زيد فأكرمه، فهو دليل على أن وجوب الإكرام لم يترتب على صرف وجود زيد; بل يفتقر إلى قيد، ولو كان ذلك القيد هو تسليمه الثابت بدليل آخر. ـ كما لا يخفى ـ .
نعم في خصوص الطائفة الرابعة كلام، يأتي في ذيل المسألة الرابعة.
بقي الكلام في أمرين:
أحدهما: أن المشهور عطفوا السعي على الطواف; وحكموا بجواز تقديمه في موارد جواز تقديم الطواف. مع أن السعي يغاير الطواف من جهة عدم ثبوت الزحام فيه نوعاً، وإن كان الزحام موجوداً في هذه الأزمنة ومن جهة عدم اشتراط الطهارة فيه، وعدم كون المسعى من أبعاض المسجد الحرام، وعدم كون السعي بنفسه من المستحبات. بخلاف الطواف الذي يستحب، بل الإكثار والتعدد فيه أيضاً كذلك.
وذكر بعض الأعلام (قدس سرهم) ما حاصله أن ما ذكروه إنما يتم بناءاً على كون الجمع بين الأخبار بنحو المطلق والمقيد. لأنه حينئذ تتقيد الأخبار المجوزة مطلقاً بصورة الاضطرار، ويحكم بالجواز فيها، وفيها جواز تقديم السعي أيضاً. وأمّا إذا قلنا بثبوت التعارض وترجيح الأخبار المانعة، فلا دليل على جواز تقديم السعي. لأن المذكور في الأخبار خصوص الطواف.
(الصفحة 345)
ثانيهما: أن المستفاد من المتن جواز تقديم طواف النساء أيضاً. وقد صرح به العلامة وبعض آخر; بل في كشف اللثام أنه المشهور. لعموم ما تقدم ولرواية أبي الحسن (عليه السلام) المتقدمة التي وصفها صاحب الجواهر بالصحة أو انجبار ضعفها.
لكن المحكي عن الحلي عدم الجواز لاتساع وقته، باعتبار عدم كونه من أجزاء الحج أصلا، حتى يشمله قوله تعالى:
(الْحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ...) (1) والرخصة في الاستنابة فيه.
وخصوص رواية علي بن أبي حمزة ـ التي تقدم نقل بعضها، والباقي قوله ـ : فقلت أليس قد بقي طواف النساء؟ قال: بلى،قلت: فهي مرتهنة حتى تفرغ منه؟ قال: نعم، قلت: فلم لا يتركها حتى يقضي مناسكها؟ قال: يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من أن تبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان، قلت: أبى الجمال أن يقيم عليها والرفقة، قال: ليس لهم ذلك تستعدى عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر وتقضي مناسكها.
لكن ـ مضافاً إلى الإشكال في الرواية سنداً، بل ودلالة ـ هنا رواية صحيحة اُخرى، تدل على تمامية حجها وإن لم تأت بطواف النساء.
وهي رواية أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز، قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل، فقال: أصلحك الله، إن معنا امرأة حائضاً ولم تطف طواف النساء، فأبى الجمال أن يقيم عليها، قال: فاطرق وهو يقول: لا تستطيع أن تتخلف عن
- (1)
سورة البقرة (2): 197 .
(الصفحة 346)في ما لو انكشف الخلاف
مسألة 4 ـ لو انكشف الخلاف فيما عدا الأخيرة، كما لو لم يتفق الحيض والنفاس أو سلم المريض أو لم يكن الازدحام بما يخاف منه، لا تجب عليهم إعادة مناسكهم; وإن كان أحوط. وأمّا الطائفة الأخيرة فإن كان منشأ اعتقادهم المرض أو الكبر أو القلة تجزيهم الأعمال المتقدمة; وإلاّ فلا تجزيهم. كمن اعتقد أن السيل يمنعه، أو أنه يحبس فانكشف خلافه . [1]
أصحابها ولا يقيم عليها جمالها، تمضي فقد تم حجها(1). وهي وإن كانت محمولة على الاستنابة، إلاّ أن الظاهر في المقام جواز تقديم طواف النساء أيضاً، خصوصاً بعد عدم كونها جزء للحج; بل واجباً مستقلا.
ويحتمل أن يكون واجباً شرطياً ـ كما سيأتي البحث عنه مفصلا إن شاء الله تعالى ـ وبعد كونه مشروطاً بالطهارة كطواف الزيارة، فالظاهر جواز تقديمه أيضاً.
[1] الحكم بالإجزاء في الطوائف الثلاثة الاُولى مبني على قاعدة الإجزاء المستفادة في المقام من الأدلة الدالة على الجواز. فإن مقتضى دليله أنه كما يجوز التقديم، كذلك يجزي التقديم. والمفروض أن انكشاف الخلاف لا يوجب تبدل العنوان.
فالمرأة التي كانت تخاف الحيض أو النفاس لا يكون انكشاف خلافه موجباً
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والثمانون، ح13.
(الصفحة 347)
لتبدل العنوان بمعنى عدم كونها خائفة حين التقديم; بل هو يرجع إلى عدم ثبوت ما يخاف منه. فإذا خاف المكلف على نفسه الصوم ـ مثلا ـ فهو باق على حاله ولا يكون انكشاف الخلاف موجباً لعدم كونه حائضاً أصلا. فالعنوان باق، والدليل يدل على الإجزاء كما يدل على الجواز.
وأمّا الطائفة الرابعة الأخيرة فقد فصل فيها التفصيل المذكور في المتن. والوجه فيه اجتماع أمرين:
الأول: عدم كون القطع أو ما ينزل منزلته. وهو الاطمئنان الذي يعد علماً عرفاً موجباً للإجزاء ـ كما حققوه في المباحث الاُصولية ـ فإذا قطع بأن الواجب في يوم الجمعة خصوص صلاة الجمعة دون الظهر، فصلى كذلك مكرّراً ـ مثلا ـ ثم انكشف الخلاف، وأن الواجب هي صلاة الظهر في يوم الجمعة أيضاً دون صلاة الجمعة، لا يكون انكشاف الخلاف موجباً للإجزاء المسقط لوجوب قضاء صلاة الظهرة أيضاً. لأنه في صورة القطع المخالف; وإن كان القطع حجة، إلاّ أن معنى الحجية لا يرجع في صورة المخالفة، إلاّ إلى المعذرية الموجبة لعدم جواز عقابه على ترك الواجب، وهي صلاة الظهر. وأما كونه مسقطاً للقضاء فلا.
والثاني: عدم استفادة الجواز فيه من الروايات الواردة في المقام، وإلاّ فمقتضاها الإجزاء; مضافاً إلى الجواز. ويرد على الأمر الثاني أنه مع عدم استفادة الجواز من الروايات، كيف جعلها في عداد الطوائف الاُخر؟
إلاّ أن يقال: إن وجود العلم المذكور أولا، وانحصار أعمال الحج بأشهره التي آخرها شهر ذي الحجة، والاستفادة من الروايات انه يجوز التقديم بالإضافة إلى
(الصفحة 348)
بعض الأعمال في الجملة، أوجب الحكم بالجواز; ولا يترتب عليه غير ذلك من الإجزاء.
ولذا ذكرنا في التعليقة على المرض أن الظاهر أن المراد به هو حدوث المرض بعد الرجوع، كما تقتضيه المقابلة مع الطائفة الثالثة. وحينئذ بعد عدم الحدوث، الظاهر عدم الإجزاء.
وكيف كان، فيرد على سيدنا الاُستاذ الماتن (قدس سره) أن المستفاد في جواز تقديم الطائفة الرابعة إن كانت هي الأدلة وبعض الروايات ـ كما يظهر من إطلاق الخوف في بعضها، وإن تردد صاحب الجواهر في سندها لتوصيفه لها بالصحيحة أو الخبر ـ فاللازم الحكم بالإجزاء فيها أيضاً، كما في سائر الطوائف; لعدم الفرق بينهما أصلا.
وإن كان المستند هو ما ذكرنا بعد عدم دلالة الروايات عليه، فيمكن الإيراد عليه بعدم ثبوت الجواز فيها، فضلا عن الإجزاء وكون الحج أشهراً معلومات، لا يقتضي جواز التقديم; بل يمكن إجراء حكم النسيان عليه. والمسألة بعد تحتاج إلى مزيد تحقيق وتأمل.