(الصفحة 353)
ارجع إلى البيت وطف به أسبوعاً آخر، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) ، ثم قد أحللت من كل شيء وخرجت من حجك كلّه، وكل شيء أحرمت منه(1).
فإن ظهورها في توقف حصول التحلل مطلقاً على طواف النساء، لا مجرد المدخلية في حصول الفراغ وتحقق مطلق الخروج واضح، لا خفاء فيه. ويدل على أصل المطلب، وهو عدم الاختصاص بالرجال، روايات كثيرة:
منها: رواية علاء بن صبيح وعبدالرحمن بن الحجاج وعلي بن رئاب وعبدالله بن صالح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة، وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت، ثم سعت بين الصفا والمروة، ثم خرجت للحج إلى منى، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها، ثم طافت طواف الحج، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شيء يحلّ منه المحرم إلاّ فراش زوجها، فإذا طافت طوافاً آخر، حل لها فراش زوجها(2).
وقد تكلمنا سابقاً في هذا الفرع المذكور في الرواية، إلاّ أن دلالتها على ما نحن بصدده واضحة ظاهرة. ثم إنه يدل على لزوم اتيان الخناثى والخصيان بطواف النساء. مضافاً إلى عدم كون الخنثى طبيعة ثالثة; بل الظاهر عدم الخروج من الطبيعتين ـ الواجب على كلتيهما طواف النساء، كما عرفت ـ وإلى عدم اشتراط وجود القوى الشهوية في الوجوب.
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع والثمانون، ح1.
(الصفحة 354)
صحيحة حسين بن علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخصيان والمرأة الكبيرة، أعليهم طواف النساء؟ قال: نعم، عليهم الطواف كلهم(1).
وغير ذلك من الروايات التي يستفاد منها هذا الأمر.
وأمّا الثبوت على الطفل المميز الذي أحرم بنفسه بإذن الولي، فإنه وإن كانت التكاليف الالتزامية مرفوعة عنه حتى يبلغ، كما هو المسلّم بينهم، ومقتضى قوله (عليه السلام) «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم» أي: يخرج منه المني ولو في حال اليقظة، إلاّ أن الظاهر لابدية الإتيان بطواف النساء، لا لأجل لزومه.
فإن أصل الحج وكذا إتمامه وكذا الإتيان به ليس شيء منها واجباً في حقه أصلا، لفرض كونه غير بالغ مرفوعاً عنه قلم التكليف الالزامي، بل لأجل كون عباداته شرعية ـ كما حققناه في محله وفي قواعدنا الفقهية ـ والحج المشروع لا يكون خالياً عن طواف النساء ولا تكون لابدية الإتيان به على المكلف البالغ لأجل لزوم إتمام الحج; وإن كان أصل الشروع مستحباً.
والوجه فيما ذكرنا: أن طواف النساء ـ كما سيأتي ـ لا يكون جزءاً للحج أو شرطاً له متأخراً عنه; بل نظر الشارع إلى الإتيان به في ظرف مخصوص، وهو بعد الحج في المقام.
فكما أن الصبي المميز لا يجوز الاقتصار في الصلاة على ركعة واحدة أو بعض أجزائها أو كلّها بدون الطهارة، ولا يجوز لشيء من المكلفين الإتيان بصلاة الليل بعنوانها في ست ركعات، وإن كانت مستحبة; كذلك الشرعية لا تقتضي الاقتصار في
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثاني، ح1.
(الصفحة 355)
المقام على الإتيان بالحج بدون طواف النساء; وإن كان أمراً مستقلا خارجاً عن الحج جزءاً وشرطاً. وليس فيه إلاّ الحكم التكليفي بالوجوب.
إن قلت: بعد رفع الحكم الإلزامي، وهو الوجوب في المقام عن الصبي وإن كان مميزاً، كيف يحكم عليه باللابدّية؟
قلت: الحكم الإلزامي وإن كان مرفوعاً عنه، إلاّ أنه ليس فيه حكم إلزامي فقط; بل يترتب عليه حلية النساء. والسببية حكم وضعي لا يختص بالمكلفين; بل يجري في مثل هذا الصبي ـ كإتلاف مال الغير الذي يكون سبباً لضمانه، وإن كان عن الصبي مرفوع الحرمة ـ حتى أن الشهيد حكم بمنعه من الاستمتاع قبل البلوغ. هذا في الطفل المميز.
وأمّا الطفل غير المميز الذي أحرمه الولي، فالذي قطع به الشهيد هي الحرمة، بدون طواف النساء. واحتمله في كشف اللثام. ويمكن أن يكون الوجه فيه هي الاستفادة من أدلة مشروعية إحرام الولي به، واستحبابه عليه هو أن يفعل به جميع أفعال الحج وما يعمله الحاج من الأعمال والمناسك وطواف النساء، مضافاً إلى ما أشرنا إليه من دلالة النصوص على توقف حلية النساء المحرمة بالإحرام، بمعنى لزوم تركها على طواف النساء.
فالحكم فيه ـ كما في المتن ـ من اقتضاء الاحتياط الوجوبي له. وإن كان يغاير الطفل المميز في عدم الوضوح ـ كما ذكرنا ـ .
(الصفحة 356)في وجوب طواف النساء
مسألة 8 ـ طواف النساء وركعتيه واجبان، وليسا ركناً. فلو تركهما عمداً، لم يبطل الحج به; وإن لا تحل له النساء. بل الأحوط عدم حلّ العقد والخطبة والشهادة على العقد له . [1]
[1]
قد مرّت الإشارة إلى أن طواف النساء وكذا الصلاة بعده وإن كانا واجبين إلاّ أنهما ليسا بركنين. فلا يوجب الإخلال به ـ ولو عمداً ـ لبطلان الحج. غاية الأمر عدم تحقق الحلية ـ أي: حلية النساء ـ بدونه.
والوجه في عدم كونه جزءاً للحج أو شرطاً متأخراً عنه، ما ورد في الروايات الكثيرة من جعله بعد الحج وخارجاً عنه; فإن عنوان البعدية لا يتحقق مع الجزئية. مثل:
صحيحة معاوية بن عمار: «وعليه طواف بالبيت» ـ إلى أن قال: ـ «وطواف بعد الحج وهو طواف النساء»(1). وغير ذلك من الروايات المتعددة.
ويدل على الصحة ـ ولو مع الترك ـ صحيح الخزاز المتقدم الوارد في الحائض التي لم تطف طواف النساء ولا ينتظرها جمالها، فقال: تمضي فقد تم حجها.
ثم إن المترتب على طواف النساء، هل هو حلية جماعهن فقط، وإلاّ فسائر الاُمور المرتبطة بهن يقع إحلالها قبله، أم تترتب حلية المجموع عليه، فلا يحل شيء من استمتاعهن قبله؟ وجهان:
- (1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثاني، ح6 ـ 12 ـ 1.
(الصفحة 357)
ربما يستفاد الوجه الأول من بعض الروايات، مثل:
صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن لا تقربوا النساء والطيب(1).
فإن المنهي عنه قبل طوافي الزيارة والنساء، هو المقاربة بمعنى الجماع، كما في قوله تعالى:
(... وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ...) (2) وعليه فسائر الاُمور المرتبطة بهن غير المقاربة والجماع تزول حرمتها بما تزول به حرمة سائر محرمات الإحرام. أعني بعد الحلق أو التقصير الذي هو آخر مناسك منى وأعماله.
ولكن ورد في صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: سألته عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي، قال: عليه دم يهريقه من عنده(3).
فإن ثبوت الكفارة ووجوبها وإن كان تدل بالملازمة العرفية على الحرمة غير المصرح بها في الرواية، كما استكشفنا حرمة جملة من محرمات الإحرام من طريق وجود الكفارة فيها ـ على ما مر في بحث تروك الإحرام ـ إلاّ أنه حكي عن صاحب الجواهر (قدس سره) أنه ذكر في ذيل الرواية التي يكون سندها صحيحاً معتبراً أنه لم يحضرني أحد عمل به على جهة الوجوب، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب; لأن الفرض كونه قد أحلّ فلا شيء عليه إلاّ الإثم لو كان.
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح2.
- (2)
سورة البقرة (2): 222 .
- (3) الوسائل: أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الثامن عشر، ح2.