(الصفحة 357)
ربما يستفاد الوجه الأول من بعض الروايات، مثل:
صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن لا تقربوا النساء والطيب(1).
فإن المنهي عنه قبل طوافي الزيارة والنساء، هو المقاربة بمعنى الجماع، كما في قوله تعالى:
(... وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ...) (2) وعليه فسائر الاُمور المرتبطة بهن غير المقاربة والجماع تزول حرمتها بما تزول به حرمة سائر محرمات الإحرام. أعني بعد الحلق أو التقصير الذي هو آخر مناسك منى وأعماله.
ولكن ورد في صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: سألته عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي، قال: عليه دم يهريقه من عنده(3).
فإن ثبوت الكفارة ووجوبها وإن كان تدل بالملازمة العرفية على الحرمة غير المصرح بها في الرواية، كما استكشفنا حرمة جملة من محرمات الإحرام من طريق وجود الكفارة فيها ـ على ما مر في بحث تروك الإحرام ـ إلاّ أنه حكي عن صاحب الجواهر (قدس سره) أنه ذكر في ذيل الرواية التي يكون سندها صحيحاً معتبراً أنه لم يحضرني أحد عمل به على جهة الوجوب، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب; لأن الفرض كونه قد أحلّ فلا شيء عليه إلاّ الإثم لو كان.
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح2.
- (2)
سورة البقرة (2): 222 .
- (3) الوسائل: أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الثامن عشر، ح2.
(الصفحة 358)
وفي مختلف العلامة: قال المفيد وسلاّر من قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء وهي لم تطف وهو يكره لها، فعليه دم. فإن كانت مطاوعة، فالدم عليها دونه. ولم يذكر الشيخ (قدس سره) ذلك، ولم نقف في ذلك على حديث مروي.
أقول: لا مجال لحمل الرواية على صورة الإكراه، بعد عدم إشعار فيها بخصوص هذه الصورة، والحكم بثبوت الكفارة عليه لا عليها، لا دلالة له على ذلك أصلا.
كما أن ما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) من أن دلالة الرواية بالإطلاق. لأنه لم يرد فيها أنها طافت طواف الحج أو قصّرت، بل ورد فيها أنها لم تطف طواف النساء. وذلك مطلق من حيث إنها قصرت أم لا؟ أو طاف طواف الحج أم لا؟
يدفعه أن المستفاد من الرواية عرفاً، أنها بعد ما قضت المناسك كلها وفعلت الأعمال كذلك. غاية الأمر أنها لم تطف طواف النساء، قبّلها زوجها، ولا مجال لإطلاق الرواية من هذه الجهة.
والذي دعاه إلى ذلك مبناه الكلي، وهو عدم قدح إعراض المشهور عن الرواية في حجيتها وصحتها. وعليه فلابد له من دعوى الإطلاق في الرواية.
وأمّا بناءاً على مبنانا من القادحية، فالأمر سهل، والرواية مطروحة. غاية الأمر أنه لم يثبت كون المقاربة في صحيحة الحلبي بمعنى الجماع، خصوصاً بعد كونها في مقام بيان أمر آخر، وبعد عطف الطيب على النساء. فالأحوط حينئذ ما أفاده في المتن; فتدبر.
(الصفحة 359)في ترتيب المناسك الخمسة
مسألة 9 ـ لا يجوز تقديم السعي على طواف الزيارة ولا على صلاته اختياراً، ولا تقديم طواف النساء عليهما ولا على السعي اختياراً، فلو خالف الترتيب أعاد بما يوجبه . [1]
[1]
أقول: قد تقدم حكم تقديم السعي على الطواف ـ أي: طواف الزيارة ـ أو صلاته اختياراً في المسائل المتقدمة، ولا فائدة في الإعادة ـ خصوصاً بعد عدم التناسب مع البحث ـ .
والمهم هنا البحث في طواف النساء، وأنه هل يجوز تقديمه على طواف الحج وسعيه أو على السعي فقط، أم لابد من التأخير عنهما؟
ولابد بقرينة المسألة العاشرة الآتية إن شاء الله تعالى من فرض البحث في العالم العامد المختار، فنقول:
الظاهر هو لزوم التأخير وعدم جواز التقديم، لأنه ـ مضافاً إلى دلالة الروايات البعدية، أي: الروايات الدالة على أن طواف النساء بعد الحج. فإن عنوان البعدية، كما أنه يدل على أن طواف النساء لا يكون مرتبطاً بالحج; بمعنى كونه جزءاً أو شرطاً له، كذلك يدل على أن وقت الإتيان به هو بعد الحج; والفراغ من أعماله ومناسكه التي منها السعي بين الصفا والمروة، فيدل على تأخر طواف النساء عن السعي، ـ يدل عليه خصوص صحيحة معاوية بن عمار الطويلة المتقدمة، المشتملة على أن طواف النساء إنما يؤتى به بعد الفراغ عن الأعمال وبعد تمامية السعي.(1)
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح1.
(الصفحة 360)في جواز تقديم طواف النساء على السعي
مسألة 10 ـ يجوز تقديم طواف النساء على السعي عند الضرورة ـ كالخوف عن الحيض وعدم التمكن من البقاء إلى الطهر ـ لكن الأحوط الاستنابة لإتيانه، ولو قدمه عليه سهواً أو جهلا بالحكم، صحّ سعيه وطوافه; وإن كان الأحوط إعادة الطواف . [1]
وعليه فلو خالف الترتيب في فرض العلم والعمد والإختيار، يجب عليه الإعادة بما يوجب الترتيب.
نعم الظاهر عدم كونه موقتاً بذي حجة الحرام الذي هو آخر أشهر الحج، والحج أشهر معلومات; لأن المفروض خروجه عن الحج جزءاً وشرطاً.
وحكي عن المحقق النائيني (قدس سره) التفصيل بين الحكم الوضعي والتكليفي; وأنه يتحقق الإثم والعصيان بالتأخير، وإن كان يترتب عليه حلية النساء معه. ويرد عليه أنه لا دليل على التفصيل المذكور بل الظاهر عدم تحقق الإثم بالتأخير أيضاً، لعدم الدليل عليه.
[1]
أقول: أمّا جواز تقديم طواف النساء على السعي عند الضرورة ـ كالخوف المذكور، مع القيد المذكور ـ فقد تقدم الكلام فيه. ولكنه احتاط وجوباً بالاستنابة لإتيانه.
والظاهر ـ كما ذكرناه في التعليقة ـ أن المراد به هو الجمع بين التقديم وبين الاستنابة التي ستجيء في مورد عدم الإتيان بطواف النساء نسياناً أو غيره.
(الصفحة 361)
وأمّا مع التقديم على السعي نسياناً وسهواً أو جهلا بالحكم، فقد نسب إلى جماعة، منهم المحقق النائيني (قدس سره) الإجزاء، واختاره الماتن (قدس سره) بل قيل إنه لا خلاف فيه.
والدليل عليه ـ مع كونه مخالفاً لقاعدة الإجزاء المفروضة فيما إذا أتى بالمأمور به على وجهه; والفرض أنه لم يأت بطواف النساء بعد الحج الذي يكون السعي جزءاً منه. لو لم يكن هناك إجماع تعبدي، كما هو الظاهر ـ أمران:
أحدهما: صحيحتا جميل ومحمد بن حمران، الواردتان فى من قدم ما حقه التأخير وأخّر ما حقه التقديم، في أعمال منى ومناسكه في حجة الوداع، الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه مرّة أو مرتين: «لا حرج» فإنه قد جعل بعض العلماء ذلك أصلا وقاعدة متبعة، وضابطة عامة في باب أجزاء الحج; من دون اختصاص بمناسك منى.
والجواب عنه: أولا: الإشكال في صحة الجعل المذكور. فإن المستفاد من الروايتين كونه ضابطة كلية في أعمال منى ومناسكه، لا في جميع أجزاء الحج وأعماله، أعم من أعمال منى لعدم ثبوت الدليل على الأصل المذكور في أبواب الحج وأجزائه كلية.
وثانياً: أنه لو سلم صحة الجعل المذكور والأصل الكلي في جميع أجزاء الحج، لكن المفروض عدم كون طواف النساء من أجزاء الحج وشرائطه. فالضابطة الكلية على تقدير صحتها لا تشمل طواف النساء بوجه.
ثانيهما: موثقة سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، قال: لا يضره،