(الصفحة 362)
يطوف بين الصفا والمروة، وقد فرغ من حجه(1).
وقد حملها الشيخ (قدس سره) على الناسي، ويلحق به الجاهل بالحكم; لأنه مع العمد والعلم لم يجز قطعاً ـ كما عرفت ـ .
وأورد على الاستدلال به بعض الأعلام (قدس سره) بما حاصله أن الرواية مطلقة ولم يذكر فيها النسيان، فظاهرها جواز التقديم مطلقاً، وهذا مقطوع البطلان، مع أنها غير ناظرة إلى صحة طواف النساء وعدمها، من حيث وقوعها قبل السعي وبعده; وإنما يكون نظرها إلى صحة طواف الحج، باعتبار الفصل بينه وبين السعي بطواف النساء. فكان السائل احتمل في صحة طواف الحج، عدم الفصل بينه وبين السعي بطواف النساء، فأجاب (عليه السلام) بأنه لا يضر الفصل المذكور، بل يأتي بالسعي بعده.
ويؤيده أن الوقوع بعد السعي إنما يكون معتبراً في طواف النساء لا في طواف الحج. فإنه يكون مقدّماً عليه لا محالة. ولا مجال للسؤال بالإضافة إليه.
أقول: حمل الرواية المطلقة على خصوص الناسي كما فعله الشيخ (قدس سره) وإن كان لا دليل عليه مع عدم إشعار فيها بالحمل المذكور، فضلا عن الدلالة. إلاّ أن جعل مورد السؤال فيها ما أفاده ممنوع. فترى في بعض الروايات الأخر، وإن كانت فاقدة للحجية والاعتبار السؤال المذكور، مع كون المراد هو تقديم طواف النساء على السعي. وقد حكم الإمام (عليه السلام) فيها بعدم الجواز.
ففي مرسلة أحمد بن محمد عمن ذكره، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك، متمتع زار البيت فطاف طواف الحج، ثم طاف طواف النساء ثم سعى، قال: لا يكون
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس والستون، ح1.
(الصفحة 363)في نسيان طواف النساء
مسألة 11 ـ لو ترك طواف النساء سهواً ورجع إلى بلده، فإن تمكن من الرجوع بلا مشقة يجب; وإلاّ استناب فيحلّ له النساء بعد الإتيان . [1]
السعي إلاّ من قبل طواف النساء، فقلت: أفعليه شيء؟ فقال: لا يكون السعي إلاّ قبل طواف النساء(1).
ويحتمل قوياً اتحاد الروايتين، كما أن من ذلك يظهر الوجه في أن الأحوط إعادة طواف النساء على ما أفاده الماتن (قدس سره) إلاّ أن يستند في ذلك إلى حديث الرفع، بالإضافة إلى فقرتين «ما لا يعلمون، الخطأ والنسيان» فتدبر.
[1]
قد عرفت فيما مرّ أن طواف النساء وإن لا يكون من الحج لا جزءاً ولا شرطاً، إلاّ أنه مأمور به بالأمر الوجوبي المستقل وشرط لحلية النساء.
فاعلم أنه لو تركه إمّا عمداً وإمّا سهواً، وذكر السهو في المتن ليس لأجل اختصاص الحكم به، ولذا ذكرنا في التعليقة، وكذا عمداً بل لأجل وقوع الترك نوعاً كذلك، وإلاّ فالحاج الذي قد امتثل أمر المولى لا يكون بصدد ترك طواف النساء عمداً، وإن لا يكون من الحج. فالترك الحاصل يكون نوعاً مستنداً إلى السهو.
والوجه في الحكم المذكور في المتن أنه مع إمكان الرجوع إلى مكة وتدارك طواف النساء بالمباشرة من دون أن يكون هناك حرج ومشقة، موجب لرفع الحكم; بل
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس والستون، ح1.
(الصفحة 364)
عدم جعله كما يستفاد من آية نفي الحرج، لابد من الرجوع والتدارك بالمباشرة. ومع عدم التمكن منه كذلك لابد من الاستنابة.
فإنه تجري النيابة في طواف النساء; لأنه ـ مضافاً إلى عدم كونه أهم من طواف الزيارة الذي تجري فيه النيابة، كما عرفت وسيأتي أيضاً إن شاء الله تعالى، وإن كانت النيابة على خلاف القاعدة، على ما مرّ في بحث النيابة، ومرجعه إلى سقوط قيد المباشرة مع عدم الإمكان في أجزاء الحج وأبعاضه، ـ لابد في المقام إما من القول بسقوط طواف النساء الذي لابد من إتيانه، حتى يقضي عنه وليه لو مات مع الترك، وإما من القول بالاستنابة في فرض عدم التمكن من المباشرة على ما هو المفروض في المقام.
ومن الواضح أن الترجيح مع الثاني، خصوصاً مع النصوص الواردة في مثله من طواف الزيارة على ما يأتي بعضها.
وبالجملة، الطواف له مراتب ثلاثة، لا ينتقل إلى كل مرتبة إلاّ بعد عدم التمكن من المرتبة السابقة.
الأولى: الطواف مباشرة. الذي يعبر عنه بأن يطوف.
الثانية: الطواف به. كما في الطفل غير المميز ومن لا يتمكن من المباشرة. لكنه يقدر على الطواف مع السرير ونحوه.
الثالثة: الطواف عنه. كما في موارد الاستنابة، مثل الحيض، والترك مع عدم التمكن من الرجوع والإتيان مباشرة; فتدبر.
(الصفحة 365)في ما لو نسي وترك الطواف
مسألة 12 ـ لو نسي وترك الطواف الواجب من عمرة أو حج أو طواف النساء، ورجع وجامع النساء، يجب عليه الهدي، ينحره أو يذبحه في مكة. والأحوط نحر الإبل، ومع تمكنه بلا مشقة يرجع ويأتي بالطواف. والأحوط إعادة السعي في غير نسيان طواف النساء، ولو لم يتمكن استناب . [1]
[1] نسب إلى أكثر الفقهاء (قدس سرهم) في الفرض المذكور وجوب بدنة، وذهب جماعة منهم المحقق وصاحب الجواهر إلى أنه كفارة عليه، واحتمل المحقق أن القائلين بالكفارة إنما أرادوا وجوبها فيما إذا كانت المجامعة بعد التذكر. وأمّا إذا واقع وهو لم يرتفع نسيانه بعد، بل في حال استمرار النسيان السابق، فلا شيء عليه. فإذاً يرتفع الخلاف بين النافين للكفارة والمثبتين لها.
والأصل في هذه المسألة رواية علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء، كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي إن كان تركه في حج، بعث به في حج; وإن كان تركه في عمرة، بعث به في عمرته; ووكلّ من يطوف عنه ما تركه من طوافه(1).
قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ بإسناده عن علي بن جعفر، ورواه الحميري في قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن ـ أي: العلوي ـ عن جده
- (1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثامن والخمسون، ح1.
(الصفحة 366)
علي بن جعفر، إلاّ أنه قال: فبدنة في عمرة.
ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله; ثم قال: أقول حمله الشيخ على طواف النساء، لما مضى ويأتي.
وفي حاشية الوسائل ـ المطبوع حديثاً ـ عن البحار الذي يروي الرواية عن الشيخ ذكر البدنة مقام الهدي و إسناد الحميري في قرب الإسناد إلى علي بن جعفر غير صحيح، لأن فيه عبدالله بن الحسن العلوي. ونسخ التهذيب أيضاً مختلفة من جهة «الهدي» أو «هديه» وإن اتفقت من جهة عدم البدنة. وكيف كان فالكلام في المسألة يقع من جهات:
الاُولى: قد عرفت أن ترك طواف النساء ـ ولو كان عمداً ـ لا يوجب بطلان الحج ولا العمرة بوجه لعدم كونه جزءاً و شرطاً. غاية الأمر توقف حلية النساء على الإتيان به. كما إنك عرفت أن ترك الطواف غير النساء في الحج وكذا في العمرة يوجب البطلان، إذا كان عمداً وعن علم واختيار. لأنه مقتضى الجزئية والركنية.
والكلام هنا في ترك الطواف نسياناً، وأنه يوجب البطلان. فالمحكي عن الشيخ (قدس سره) في كتابي الأخبار والحلبي هو البطلان; وعن غيرهما هو العدم. بل عنه في الخلاف وعن الغنية الإجماع عليه.
والدليل عليه مضافاً إلى رواية علي بن جعفر ـ المتقدمة ـ صحيحة هشام بن سالم، قال: سألت أبا عبدالله عمن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى أهله، فقال: لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه(1).
- (1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح4 .