(الصفحة 390)
وجوب الرمي في اليومين أو مع اليوم الثالث.
منها: صحيحة عمر بن اُذينة عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث، قال: سألته عن قول الله تعالى:
(... الحَجِّ الاَْكْبَرِ ...) (1)، قال: الحج الأكبر، الوقوف بعرفة ورمي الجمار... .(2)
فإنه قد عدّ فيها رمي الجمار، لا رمي خصوص جمرة العقبة التي هي أول أعمال منى ومناسكه يوم النحر، في عداد الوقوف بعرفة، وإن قام الدليل فيه على عدم الجزئية ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ .
ومنها: صحيحة عبدالله بن سنان، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرتين: مرة لما فاته، والاُخرى ليومه الذي يصبح فيه; وليفرق بينهما، يكون أحدهما بكرة، وهي للأمس، والاُخرى عند زوال الشمس(3).
ومنها: الروايات المتعددة الواردة في نسيان الرمي أو جهله، مثل: صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار، حتى نفرت إلى مكة؟ قال: فلترجع فلترم الجمار، كما كانت ترمي; والرجل كذلك(4).
ومنها: صحيحة اُخرى لمعاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إرم في كل يوم عند زوال الشمس، وقل كما قلت حين رميت جمرة العقبة;...(5).
- (1) التوبة (9): 3 .
- (2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الرابع، ح 1 .
- (3) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الخامس عشر، ح1.
- (4) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح1.
- (5) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني عشر، ح1.
(الصفحة 391)
ومنها: غير ذلك من الروايات التي يستفاد منها وجوب الرمي في مقابل الاستحباب; بل بعض الأسئلة فيها دال على مفروغية ذلك، وكون السؤال باعتبار بعض الخصوصيات.
الجهة الثانية: في عدم كونه جزءاً للحج، بحيث يوجب الإخلال به، ولو كان عن عمد وعلم إخلالا به. والدليل عليه ما مرّ في أصل المبيت وعدم جزئيته للحج، وعدم كونه من مناسكه وأفعاله; لتحقق التمامية بطواف الحج والزيارة والسعي. على ما يدل عليه الرواية، بل الروايات المتقدمة.
وعليه فلا يترتب على تركه العمدي، سوى الإثم والعصيان والمخالفة والطغيان. وإن كان الواجب هو القضاء في السنة الآتية في خصوص أيام التشريق. لأن الرمي لا يكون في غيرها ـ على ما هو مقتضى النص، إلاّ أن ذلك لا يدل على الجزئية بوجه; بل يؤكد الوجوب.
ثم إن ظاهر النص والفتوى وجوب الرمي في يومين فقط، لمن وجب عليه مبيت ليلتهما، وفي اليوم الثالث عشر أيضاً، لمن وجب عليه مبيت ليلته.
فقد استدل صاحب الجواهر (قدس سره) بإطلاق بعض النصوص. وذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنه لم نعثر على نص معتبر يدل بإطلاقه على وجوب ذلك، وهو أعرف بما قال. نعم ورد في الفقه الرضوي ودعائم الإسلام: الأمر بالرمي في يوم الثالث عشر على نحو الإطلاق، وإن لم يبت ليلته في منى. ولم يقل أحد من الفقهاء بذلك أصلا، وإنما قالوا بالوجوب على من بات ليلته. فما التزم به الأصحاب لا دليل عليه. وما دل عليه الكتابان لم يلتزموا بمضمونهما; مضافاً إلى ضعف الروايات المذكورة في الكتابين.
(الصفحة 392)
أضف إلى ذلك أنه يستفاد من بعض النصوص عدم الوجوب. وهو صحيح معاوية بن عمار، قال: إذا نفرت في النفر الأول ـ إلى أن قال:ـ إذا جاء الليل بعد النفر الأول، فبت بمنى، فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح.(1) فإنه إذا جاز النفر عند الإصباح ـ أي: بعد طلوع الفجر ـ فلا يتمكن من الرمي، لأن وقته ما بين طلوع الشمس إلى الغروب. فتجويز النفر عند الإصباح يستلزم تجويز ترك الرمي ـ كما لا يخفى ـ .
فالحكم بوجوب الرمي يوم الثالث عشر لمن بات ليلته في منى، مبني على الاحتياط; انتهى.
ويرد عليه ـ مضافاً إلى ثبوت السيرة العملية المذكورة، وإلى أن ضعف الروايتين مجبور بالشهرة وإطلاقهما مقيد ـ ان ـ صحيح معاوية بن عمار; ناظر إلى مسألة المبيت لا إلى أمر آخر.
والحكم بعدم الوجوب وتماميته عند الإصباح لا دلالة له حتى بناءاً على مفهوم الغاية، إلاّ على عدم الوجوب عند الإصباح.
وأمّا استلزام الرمي في النهار، للكون فيه في منى، فهو أمر آخر لا يرتبط بهذا الواجب، مضافاً إلى أن الغاية المذكورة في بعض الروايات هو الإصباح وطلوع الشمس.
ففي رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل ينفر في النفر الأول، قال: له أن ينفر ما بينه وبين أن تسفر الشمس. فإن هو لم ينفر حتى يكون عند
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر، ح 2 .
(الصفحة 393)في ما يعتبر في الرمي
مسألة 2 ـ يجب في كل يوم رمي كل جمرة بسبع حصيات. ويعتبر فيها وفي الرمي ما يعتبر في رمي الجمرة العقبة ـ على ما تقدم ـ بلا افتراق . [1]
غروبها، فلا ينفر، وليبت بمنى حتى إذا أصبح وطلعت الشمس، فلينفر متى شاء(1).
وكيف كان، فالظاهر هو وجوب الرمي في اليوم الثالث عشر إذا بات ليلته بمنى.
والدليل العمدة عليه، هي السيرة. ويؤيده التعبير به «كل يوم» في بعض الروايات المتقدمة. والحكم بالفرق بين النفرين، بالإضافة إلى قبل الزوال وبعده، مع أن الداعي إلى الكون في منى قلما يتفق إذا لم يجب الرمي، وإن صارت البيتوتة ليلة الثالث عشر واجبة عليه. مع أنه يبدو في النظر أن البيتوتة إنما هي مقدمة للرمي في النهار، وإن كانت واجباً مستقلا; فتدبر.
[1] قد تقدم البحث في هذه المسألة في شرح المسألة الاُولى، ولا حاجة إلى الإعادة. كما أنه يستفاد من إطلاق وجوب الرمي في يومين أو اليوم الثالث عشر، وعدم التعرض للكمية والكيفية أن الواجب هو السبع.وكذا رعاية الخصوصيات المعتبرة في رمي جمرة العقبة الذي هو أول مناسك منى يوم النحر وأعماله، وأنه لا فرق أصلا.
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر، ح4.
(الصفحة 394)في وقت الرمي
مسألة 3 ـ وقت الرمي من طلوع الشمس إلى الغروب. فلا يجوز الرمي في الليل اختياراً، ولو كان له عذر من خوف أو مرض أو علة أو كان راعياً جاز في ليل يومه أو الليل الآتي . [1]
[1] يقع الكلام في هذه المسألة في صورتين:
إحديهما: صورة الاختيار وعدم العذر. وقد ذكر في المتن أن وقت رميه من طلوع الشمس إلى الغروب. وفرّع عليه عدم جوازه في الليل اختياراً. وحكي عن الغنية والإصباح وجواهر القاضي: أن وقته بعد الزوال. بل عن الشيخ في الخلاف: إنه لا يجوز الرمي إلاّ بعد الزوال. مدعياً عليه إجماع الفرقة، مع أنه لا قائل به أصلا. بل ذكروا أن كلامه مخالف للإجماع. وعن مقنع الصدوق: إنه كلما قرب إلى الزوال فهو أفضل.
والدليل على ما اُفيد في المتن روايات معتبرة دالة على أن وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.
منها: صحيحة صفوان بن مهران، قال سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إرم الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها(1).
ومنها: صحيحة منصور بن حازم، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها(2).
- (1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح2.
- (2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح4.