(الصفحة 39)
طافت خمسة أشواط ثم اعتلت، قال: إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصّفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت فإذا هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله.(1)
والرّوايتان مضفاً إلى ضعف سندهما، يكون اشتمالهما على مانعية الحيض عن السعي. كالطواف مانعاً عن الأخذ بهما لمعلومية عدم مانعية الحيض بالإضافة إلى السعي بوجه، وعدم اشتراط الطهارة فيه كذلك. فإنه يجوز للحائض الشروع في السّعي وتكميله بخلاف الطواف ـ على ما مرّ ـ فلا مجال للأخذ بالروايتين أصلا.
وقد استدل صاحب المستند على الإطلاق برواية صحيحة لمعاوية بن عمار امشتملة على قوله (عليه السلام) : فإن سعى الرجل أقل من سبعة أشواط، ثم رجع إلى أهله، فعليه أن يرجع فيسعى تمامه وليس عليه شيء، وإن كان لم يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعاً، وإن كان قد أتى أهله أو قصّر وقلم أظافره فعليه دم بقرة.
والظاهر انّها لا تكون رواية، بل من كلام الشيخ (قدس سره) في التهذيب ذكره بعد صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الواردة في الزيادة السّهوية بعنوان صورة المسألة وبيانها أوّلا حتى يستدل عليه بالرواية أو الروايات الواردة فيها ولا تكون رواية اصلا، والشاهد عليه قوله بعده: روى ثم ذكر رواية سعيد بن يسار دليلا وقد اشتبه على مثل صاحب المستند وبعض آخر. فلا مجال للإستناد بإطلاقها بعنوان الرّواية.
والرواية الصحيحة الواردة في المقام هي صحيحة سعيد بن يسار الآتية في المسألة العاشرة الواردة في رجل سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط، ثم رجع إلى
- (1) وسائل: ابواب الطواف الباب الخامس والثمانون، ح2.
(الصفحة 40)
منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه وقلم أظافيره وأحلّ ثم ذكر انه سعى ستة أشواط المشتملة على قوله (عليه السلام) : إن كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطاً إلى آخر الحديث.(1) ومثلها رواية عبد الله بن مسكان التي في سندها محمد بن سنان.(2)وموردها وإن كان هو السّعي ستة أشواط إلاَّ أنه لا شبهة في إلغاء الخصوصية منه فيما إذا سعى خمسة أشواط وذكر بعد التقصير والإحلال، بل فيما إذا سعى أربعة أشواط التي يتحقق بها التجاوز عن النصف.
وأما التعميم بالإضافة إلى صورة عدم التجاوز عن النصف، كما إذا سعى ثلاثة أشواط أو أقل فيحتاج إلى الدليل. خصوصاً بعدما عرفت من فتوى جماعة من الأصحاب بالتفصيل بين الصورتين وذهاب المشهور إلى خلافه ـ كما عرفت ـ انه مقتضى اطلاق كلماتهم وتصريح صاحب الجواهر (قدس سره) بذلك لا يكون قرينة على سعة دائرة إلغاء الخصوصية وعموميّته لجميع الموارد، خصوصاً بعد ثبوت التفصيل في باب الطواف ـ على ما عرفت ـ ولا ملازمة بين عدم اعتبار مثل الطهارة في السعي وعدم الفرق بين الصورتين ـ كما لا يخفى ـ فالإنصاف ان استفادة الإطلاق من الصحيحة مع ورودها في مورد التجاوز عن النصف مشكلة جدّاً. فمقتضى الإحتياط الوجوبي الاستيناف من رأس إذا لم يتمّ الشوط الرّابع.
ثم إنه في المتن بعد الحكم بلزوم إتمام النقيصة أينما تذكر بنحو الإطلاق إحتياط وجوباً بالإستيناف فيما إذا لم يأت بشوط واحد كامل حنما عرض له النسيان. ففي
- (1) وسائل: أبوب اب السعي الباب الرابع عشر ح1.
- (2) وسائل السعي الباب الرابع عشر ح2.
(الصفحة 41)
الحقيقة يكون مقتضاه تفصيلا آخر غير التفصيل المتقدم. ولم يعلم وجه هذا التفصيل بوجه.
بقي في هذا المقام أمران:
الأمر الأوّل: إنه لا اشكال في أنّه إذا أراد الناسي أن يأتي بالنقيصة مباشرة لا يجب عليه إلاَّ الإتمام والتكميل والإتيان بالناقص. وأمّا إذا استناب لأجل عدم التمكن من المباشرة أو العسر والحرج فظاهر الكلمات أن النائب أيضاً يأتي بالناقص ويتم السعي لا انه يأتي بسعي كامل مشتمل على سبعة أشواط. ويمكن أن يقال بعد كون النيابة أمراً على خلاف القاعدة ولابد في مثله من الإقتصار على القدر المتيقن انه إذا وصلت النوبة إلى النيابة والنائب يكون اللازم إتيانه بسعي كامل. خصوصاً مع عدم معهودية النّيابة في بعض العمل العبادي. ومقتضى الإحتياط في الجمع بين هذه الجهة وبين ماهو ظاهر الكلمات أن يأتي النائب بسعي كامل قاصداً به فراغ ذمة المنوب عنه بالتمام أو الإتمام من دون تعيين.
الأمر الثاني: ما نبّه عليه بعض الأعلام (قدس سره) ومحصّله انه في صورة لزوم الإتمام على الحاج مباشرة لا اشكال في لزوم الإتيان به في شهر ذي الحجّة، لأنه من أجزاء الحج ومناسكه. فيجب إيقاعه في أشهر الحج. وأمّا لو تذكر النقص بعد مضي أشهر الحج أو تذكر فيها ولكن لم يمكن له التصدي للاتمام مباشرة في أشهر الحج، بل تمكّن منه بعده. فاللازم أن يقال بأن الإتمام ـ حينئذ ـ غير ممكن لزوال وقته. فالسعي الواقع الناقص باطل. فاللازم الإتيان به قضاء. ولا دليل على الاكتفا بالاتمام وإتيان البـاقي في القضاء بحيث كان العمل الواحد مركبّاً من الأداء والقضاء. واستظهر ان
(الصفحة 42)فيما لو أحلّ قبل تمام السّعي سهواً
مسألة 10 ـ لو احلّ في عمرة التمتع قبل تمام السعي سهواً بتخيل الإتمام وجامع زوجته، يجب عليه إتمام السّعي واكفارة بذبح بقرة على الأحوط ، بل لو قصر قبل تمام السعي سهواً، فالأحوط الإتمام والكفارة، والأحوط إلحاق السعي في غير عمرة التمتع به فيها في الصورتين. [1]
مراد الأصحاب من إتيان الباقي بعد الفراغ من الحج إتيانه بعد الفراغ من مناسكه. فطبعاً يقع السعي بأجمعه في شهر ذي الحجة فكلامهم غير ناظر إلى مضي شهر ذي الحجة.
هذا وكن هذا الكلام لا يجري في العمرة المفردة التي لا يكون لها شهر خاص وزمان مخصوص، ولا اختصاص لمورد كلامهم بغير العمرة المفردة ـ كما لا يخفى ـ.
[1]
قال المحقق في الشرايع: ولو كان متمتعاً بالعمرة، وظنّ أنه أتمّ فأحلّ وواقع النّساء، ثم ذكر ما نقص، كان عليه دم بقرة على رواية ويتمّ النقصان. وكذا قيل لو قلّم أظفاره أو قص شعره.
وفي الجواهر حكي القول الأوّل عن الشيخين وأبي إدريس وسعيد وجماعة منهم الفاضل في جملة من كتبه. والقول الثاني عن الشيخ وجمع من الأصحاب على مافي المدارك.
أقول: قد وردت في هذه المسألة روايتان:
إحديهما: صحيحة سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط، ثم رجع إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه وقلم
(الصفحة 43)
أظافيره وأحلّ، ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط. فقال لي: يحفظ انه قد سعى ستة أشواط؟ فإن كان يحفظ انه قد سعى ستة أشواط، فليعد وليتم شوطاً وليرق دماً. فقلت: دم ماذا؟ قال: بقرة، قال: وإن لم يكن حفظ انّه قد سعى ستّة، فليعد فليبتدئ السّعي حتى يكمل سبعة أشواط، ثم ليرق دم بقرة.(1)
ثانيتهما: رواية ابن مسكان، وفي سندها محمد بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف بين الصّفا والمروة ستة أشواط وهو يظن انّها سبعة، فذكر بعدما حلّ وواقع النساء أنه إنما طاف ستّة أشواط، قال: عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطاً آخر.(2) واللازم التكلم في مفاد الروايتين، فنقول:
أمّا الصحيحة، فبعد كون موردها عمرة التمتّع وانه بعد ما طاف ستّة أشواط اعتقد تمامية السّعي وانه أتى بالأشواط السبعة، وإن كان يبعّد هذا الفرض انه في هذه الصورة لا محالة يكون على الصفا، مع أنّ الختم لابد وأن يكون بالمروة، يكون مورد السؤال انّه قلّم أظافيره وأحلّ من إحرام عمرة التمتع. والظاهر انه لم يكن في ذهن السائل خصوصية للتقليم بل كان مراده تحقق الإحلال بالتقصير الذي هو آخر اعمال عمرة التمتع. لعدم وجوب طواف النساء فيها، بخلاف غيرها من أنواع الحج والعمرة المفردة. والتقصير الذي يتحقق به الإحلال في العمرة المذكورة كما يتحقق بالتعليم، كذلك يتحقق بقصّ الشعر ولا اختصاص له بالأوّل. وعليه فمراد السائل هو تحقق الإحلال بالتقصير. لكن لا دلالة له على حصول المواقعة بعد صيرورته
- (1) وسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر. ح1.
- (2) وسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح2.