(الصفحة 34)
أربعة عشر شوطاً، فسألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ذلك، فقال: سبعة لك وسبعة تطرح.(1)
ولكن الظاهر ان موردها الجهل. خصوصاً بقرينة قوله: «ونحن صرورة» وغير ذلك من الروايات الظاهرة في ذلك.
الطائفة الثانية: ما ظاهرها لزوم إضافة الستّة إلى الشوط الزائد الذي وقع نسياناً وهي:
صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إن في كتاب عليّ (عليه السلام) إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستين ثمانية أضاف إليها ستّاً، وكذلك إذا استيقن انه سعى ثمانية أضاف إليها ستّاً.(2) وقد جمع الأصحاب بين الطائفتين بالحمل على التخيير. نعم حكي عن ابن زهرة الإقتصار على الثاني، ولكنه ليس خلافاً ـ كما في الجواهر ـ خصوصاً بعد الحكم بجوازه وكونه مندوباً.
لكنه أشكل التخيير في مجمي الحدائق بقوله: إن السّعي ليس كالطواف والصلاة يقع واجباً ومستحباً فإنا لم نقف في غير هذا الخبر على ما يدل على وقوعه مستحبّاً.
قال في المدارك: ولا يشرع استحباب السعي إلاَّ هنا ولا يشرع ابتداء مطلقاً واللازم من الطواف ثمانية كون الابتداء بالثامن من المروة، فكيف يجوز أن يعتد به ويبني عليه سعياً مستأنفاً مع اتفاق الأخبار وكلمة الأصحاب على وجوب الإبتداء في السعـي من الصفا. وانه لو بدأ من المروة وجب عليه الإعادة، عمداً كان أو سهواً.
وبالجملة فالظاهر بناء على ما ذكرناه هو العمل بالأخبار الأدلة من طرح الزائد
- (1) وسائل: أبواب السّعي، الباب الثالث عشر. ح5.
- (2) وسائل: ابواب الطواف، الباب الرّابع والثلاثون، ح10.
(الصفحة 35)
والإعتداد بالسبعة الأوّلة. وأمّا العمل بهذا الخبر فمشكل. قال: والعجب من سيّد المدارك حيث لم ينتبه لذلك وحمل على موافقة الأصحاب في هذا الباب.
وتبعه في ذلك صاحب الرياض مع اضافة انّ صحيحة محمد بن مسلم تحمل على كون مبدأ الأشواط فيها بالمروة دون الصفا، ويكون الأمر بإضافة الست إنّما هو لبطلان السبعة الأولى لوقوع البدأة فيها بها. بخلاف الشوط الثامن لوقوع البدأة فيه من الصّفا.
هذا ولكن الإشكال في غير محلّه، بل كما في الجواهر: اجتهاد في مقابل النص فإنه لا مانع من استحباب السّعي بهذه الكيفية المذكورة في الرواية، وإن كان السّعي الابتدائي لا يكون مستحبّاً لعدم كونه مثل الطواف في الاتصاف بالوجوب والاستحباب. كما ان الدليل على عدم وقوع إبتداء السعي من المروة مطلق قابل للتقييد بهذه الصورة، لأنه ليس من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص أو الأحكام التي كان طبعها آبياً عن التخصيص. وعليه فلا مانع من اتصاف السعي بالصحة في خصوص المورد وإن كان الإبتداء به من المروة. والحمل المذكور في الرياض خلاف الظاهر جدّاً. وعليه فلا محيص عمّا هو المشهور.
ثم إن من رواية صحيحة يكون مفادها مغايراً لكلتا الطائفتين المتقدمتين المشتركتين في صحة أصل السعي الواقع الذي زيد عليه سهواً. وهي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن طاف الرجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط فليسع على واحد وليطرح ثمانية; وإن طاف بين الصفا والمروة ثمانية أشواط
(الصفحة 36)
فليطرحها وليستأنف السعي، وإن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى ويبدأ بالصّفا.(1)
والمحكيّ عن الشيخ (قدس سره) في التهذيب: انه حمل الصحيحة على صورة العمد حيث ذكر ان من تعمّد ثمانية أعاد السعي وإن سعى تسعة لم تجب عليه الإعادة وله البناء على ما زادم واستشهد بالرواية.
ويرد عليه ـ مضافاً إلى ظهور الصحيحة في غير صورة التعمد ـ إن حملها عليها لا يصحّحها لأن الزيادة العمديّة مبطلة في السعي ـ كما عرفت في اوّل البحث ـ مع أن الشوط التاسع الذي يكون ابتدائه من الصفا وإن كان واجداً للشرط من هذه الجهة إلاّ أنه قد أتى به فرضاً بعنوان الجزئية للسعي الأوّل الباطل، فكيف يكون جزء لعبادة مستقلة أخرى.
والمحكي عنه في الاستبصار المتابعة للصدوق في الفقه في حمل الفرضين في الصحيحة على صورة النسيان وإن الفرض استيقان الزيادة وهو على المروة لا الصفا فيبطل سعيه في الفرض الثاني لابتدائه من المروة، لأنه لا يجتمع استيقان الثمانية على المروة إلاَّ مع كون الشروعى منها. ويصحّ اشوط التاسع في الفرض الأوّل لابتدائه التاسع من الصّفا.
ويرد عليه أيضاً إن حمل الصحيحة على صورة النسيان وإن كان صحيحاً إلاَّ أن دعوى كون المراد منها في كلا الفرضين صورة التذكر والاستيقان وهو على المروة لا شاهد لها اصلا. بل الظاهر منها ان شروع السعي في كلا الفرضين كان من الصفا، وإن الإشكال إنّما هو من ناحية الزيادة بحيث لو لم تكن زيادة في البين، لما كان إشكال في
- (1) وسائل: اورد صدرهيا فيه في الباب الثاني عشر من ابواب السعي، ح1; وذيلها في الباب العاشر منها، ح2.
(الصفحة 37)
السعي بوجه، وان الفرق بين الصورتين إنّما هو من ناحية الزيادة الواقعة من جهة الشوط أو الشوطين.
ويرد عليه أيضاً ما أوردناه على الحمل الأوّل من عدم وقوع الشوط التاسع بعنوان السّعي الذي هو عبادة مستقلة، بل بعنوان الجزئية للسّعي الأوّل.
والإنصاف ان الصحيحة غير قابلة للحمل والتوجيه ومعارضته للطائفتين الأوّلتين. فامّا أن يقال بلزوم الإعراض عنها لإعراض المشهور، وهو قادح في الحجية. وإمّا أن يقال بأنه على فرض التعارض تصل النوبة إلى المرجحات. وأوّلها ـ كما ذكرنا مراراً ـ هي الشهرة في الفتوى المطابقة لغيرهاز
ثم الظاهر انه إذا كان الزائد المنسيّ أقلّ من شوط واحد. فالروايات وإن كانت لا تشمله لورودها في مورد زيادة شوط واحد أو شوطين أو أزيد، إلاَّ أن دلالة الطائفة الأولى على حكمه إنّما هي بنحو الأولويّة، لأنّه إذا كان الشوط الكامل أو أزيد لازم الطرح في صورة النسيان فطرح الأقل من شوط واحد. وإلغائه إنما يكون بطريق أولى. والشاهد فهم العرف واستفادتهم ذلك.
وأمّا الطائفة الثانية الدالة على التكميل والإضافة، فلا دلالة لها على جواز التكميل في هذه الصّورة لأن موردها ـ مع وحدتها ـ هي صورة إضافة شوط كامل نسياناً ولا تشمل صورة زيادة الأقل ولا أولوية بالإضافة إلى هذه الطائفة لأنه لا يكون في البين أولوية من هذه الجهة. ولا يلازمه بين الجهتين أصلا. نعم يستفاد منها جواز التكميل والتتميم بالإضافة إلى الزائد عن شوط واحد بطريق أولى. فإنه إذا كان التكميل اسبوعين مشروعاً مع زيادة شوط واحد على الأشواط السبعة
(الصفحة 38)
الأصلية فمشروعيته فيما إذا كان الواقع زائداً على شوط واحد بطريق أولى ـ كما لا يخفى ـ هذا تمام الكلام في الزيادة السهويّة.
المقام الثاني: في النقيصة اسهوية. وهي بخلاف الزيادة لا تكاد تتحقق إلاَّ على تقدير فوت الموالات بناء على اعتباره أو الدخول فيما يكون مترتّباً على السعي مثل التقصير.
أمّا الأقوال، فالظاهر اتفاقها على عدم كون الإخلال بالسعي بهذا النحو موجباً لبطلانه في الجملة. إنّما الإختلاف في سعة هذه الدائرة وضيقها. ففي الجواهر: إن مقتضى اطلاق المتن والقواعد والشيخ في كتبه وبنى حمزة وإدريس والبرّاج وسعيد على ما حكي عن بعضهم عدم الفرق بين تجاوز النصف وعدمه. لكن عن المفيد وسلاّر وأبي الصلاح وابن زهرة اعتبار التجاوز عن النصف في البناء مثل الطواف بل عن الغنية الإجماع عليه. ومنه يظهر ان نسبة التفصيل الى الفقهاء (قدس سره) في غير المحلّ بل ظاهر الجواز ان الشهرة على خلافه، وما يمكن أن يستدل به على التفصيل روايتان:
إحديهما: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت وبين الصّفا والمروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع فإذا طهرت رجعت فاتّمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته، فإن هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله.(1)
ثانيتهما: مرسلة أحمد بن عمر الحلال عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن امرأة
- (1) وسائل: ابواب الطواف، الباب الخامس والثمانون، ح1 .