(الصفحة 395)
ومنها: صحيحة زرارة وابن اُذينة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال للحكم بن عتيبة: ما حدّ رمي الجمار؟ فقال الحكم: عند زوال الشمس، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : ياحكم أرأيت لو أنهما كانا اثنين، فقال أحدهما لصاحبه احفظ علينا متاعنا حتى أرجع، أكان يفوته الرمي؟ هو والله ما بين طلوع الشمس إلى غروبها(1).
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك. وعليه فالأمر بالرمي في كل يوم عند زوال الشمس ـ كما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ـ محمول على الاستحباب أو على التقية، لذهاب بعض فقهاء العامة بذلك.
ثانيتهما: صورة العذر ـ كالموارد المذكورة في المتن ـ فيجوز لهم الرمي في الليل. وقد وردت فيها روايات صحيحة:
منها: صحيحة عبدالله بن سنان المتقدمة(2).
ومنها: موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: رخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلا(3).
ومنها: صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه قال في الخائف: لا بأس بأن يرمي الجمار في الليل ويضحي بالليل ويفيض بالليل(4).
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالة على أن المعذور، ومن كان عليه المشقة ـ ولو من كثرة الزحام ـ يجوز له الرمي في الليل. فلا إشكال في أصل الحكم. إنما
- (1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح5.
- (2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح5.
- (3) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح2.
- (4) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح4.
(الصفحة 396)
الكلام في أن المراد بالليل، هل هو خصوص الليل السابق على يومه ـ كما عرفت في النساء بالإضافة إلى رمي جمرة العقبة ـ أو الأعم من الليل السابق واللاحق؟
فيه وجهان: بل قولان: حكي الثاني عن كاشف اللثام وصاحب الجواهر (قدس سرهما) لإطلاق الليل. وذهب إليه الماتن (قدس سره) لكن المحكي عن صاحب المدارك هو الأول. واختاره بعض الأعلام (قدس سره) نظراً إلى أن الروايات المجوزة للرمي في الليل ناظرة إلى أن تقديمه على وقته إنما هو ممنوع في حق المختار. وأمّا المعذور فيجوز له التقديم. ولا نظر لها إلى مطلق الليل. ويؤكده ما ورد في النساء بالاضافة إلى رمي جمرة العقبة. فليس لكلمة الليل إطلاق يشمل الليل اللاحق.
ويشهد له أيضاً صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة. فإن الإفاضة بالليل والخروج من منى شاهد على أن المراد هو الليل السابق. وعليه فلا يجوز للمريض المعذور التأخير إلى الليل اللاحق.
أقول: ويؤيده أن مثل الخائف الذي يجوز له الرمي في الليل، يكون غرض الشارع الإرفاق والتوسعة له. والتأخير عن الليل السابق مستلزم لبقائه في منى أكثر. مع أن المقصود التوسعة له، وهي لا تحصل إلاّ بالليل السابق، فتدبر; فما اختاره هو الصحيح.
فــرع
لو فرض أنه لا يتمكن من البقاء في منى أيام التشريق، فهل يجوز له رمي جميع الجمارات في الليلة الاُولى، أو أن رمي كل يوم يقدم في ليلته؟
(الصفحة 397)في وجوب الترتيب بين الجمار
مسألة 4 ـ يجب الترتيب بأن يبتدئ بالجمرة الاُولى ثم الوسطى ثم العقبة، فإن خالف ـ ولو عن غير عمد ـ تجب الإعادة، حتى يحصل الترتيب . [1]
حكي عن صاحب المدارك (قدس سره) نفي البعد عن جواز رمي الجميع في ليلة واحدة، وقال: ربما كان في إطلاق بعض الروايات دلالة عليه. ولا بأس بما أفاده نظراً إلى خصوص صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة الدالة على جواز الإفاضة بالليل. فإن المتفاهم من ذلك أنه يفعل جميع أعمال منى ثم يفيض ويذهب إلى حيث شاء. وأمّا سائر الروايات فلا إطلاق له أصلا ـ كما لا يخفى ـ .
[1] يدل على أصل وجوب الترتيب ـ مضافاً إلى استمرار سيرة المتشرعة العملية على ذلك ـ روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إرم في كل يوم عند زوال الشمس، وقل كما قلت حين رميت جمرة العقبة، وابدأ بالجمرة الاُولى، فارمها عن يسارها من بطن المسيل، وقل كما قلت يوم النحر،ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة واحمد الله واثن عليه وصلّ على النبي وآله، ثم تقدم قليلا فتدعو وتسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم أيضاً ثم افعل ذلك عند الثالثة واصنع كما صنعت بالاُولى، وتقف وتدعو الله كما دعوت، ثم تمضي إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار ولا تقف
(الصفحة 398)
عندها(1).
فإنه يرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب، بالإضافة إلى جل الاُمور المذكورة فيها. ولا وجه لرفع اليد عن ظهوره فيه مطلقاً،خصوصاً مع العطف بكلمة ثم ـ كما لا يخفى ـ .
ومنها: الروايات الواردة في نسيان أصل الرمي أو الترتيب بين الجمار.
ومنها: الروايات الآتية الدالة على وجوب الإعادة، إذا رمى الجمار منكوسة.
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالة عليه.
ثم إن ظاهر العبارة وجوب الإعادة، ولو فيما إذا خالف الترتيب عن عمد.
أقول: أولا، أن الترتيب المعاد إنما يحصل بالإتيان بالوسطى ثم جمرة العقبة ـ كما أنه صرّح في المسألة الآتية بالاكتفاء بأربع حصيات في حصول الترتيب ـ .
وثانياً، أن المخالفة العمدية العلمية قلما يتفق ممن هو في صراط امتثال أمر المولى العالم بخصوصيات المأمور به. فإن من كان في مقام الامتثال كيف يتمشى منه قصد القربة في رمي الجمار مع العلم باعتبار الترتيب وكون عمله مخالفاً له؟
فالعمدة في المخالفة غير هذه الصورة، وهي صورة الجهل أو النسيان. ولا شبهة في أن حديث الرفع بالإضافة إليهما، كما يرفع الحكم التكليفي، كذلك يرفع الحكم الوضعي في مورد هذه العناوين. مثل الجزئية والشرطية والمانعية. فالدليل على عدم وجوب الإعادة في موردها شمول حديث الرفع واقتضائه الصحة.
- (1) الوسائل: أورد صدره فيه في أبواب العود إلى منى، الباب الأول ح1. وذيله في أبواب رمي جمرة العقبة، الباب العاشر، ح2.
(الصفحة 399)
وقد عرفت أن صحيحة جميل وصحيحة محمد بن حمران المتقدمتين الواردتين في حجة الوداع الدالتين على الاجتزاء إذا قدم ما حقه التأخير أو أخر ما حقه التقديم، لا يستفاد منهما الضابطة الكلية; حتى بالاضافة إلى غير مناسك منى يوم النحر من أفعال الحج ومناسكه، فضلا عن مثل رمي الجمار الذي عرفت أنه ليس من أجزاء الحج، بل واجب مستقل بعد أعماله ومناسكه.
وصحيحة مسمع عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني، فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الاُولى، قال: يؤخر ما رمى بما رمى فيرمي الوسطى ثم جمرة العقبة(1).
والظاهر من السؤال وإن كان هو نسيان رمي الجمار رأساً، إلاّ أنه يستفاد من الجواب أن مراد السائل نسيان الترتيب المعتبر بين الجمار، والمقصود من قوله: «يؤخر ما رمى بما رمى» هو ما يظهر من الجملة المتفرعة.
وصحيحة الحلبي وحماد جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل رمى الجمار منكوسة، قال: يعيد على الوسطى وجمرة العقبة(2). بعد كون مراد السائل هو الرمي كذلك نسياناً، ضرورة عدم تحققه من العامد إلاّ قليلا ـ كما عرفت ـ .
ومن الواضح أن حديث الرفع قابل للتخصيص بالإضافة إلى جميع فقراته. ولذا ذكرنا أن حديث «لاتعاد» الوارد في الصلاة الدال على استثناء الاُمور الخمسة، يدل على البطلان فيها مطلقاً. ولا مجال لإجراء حديث الرفع ومثله أصلا. وقد ذكر بعض
- (1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح2.
- (2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح3.