(الصفحة 416)
كل يوم من الأيام. فإن قضاء اليوم الحادي عشر يفتقر إلى نية خاصة، وكذا قضاء اليوم الثاني عشر; وهكذا. فمقتضى الاحتياط هو وجوب قضاء رمي تمام الأيام. ولا يكون هذا مثل ما لو علم بنسيان واحدة من الظهرين، حيث يجوز الاكتفاء بصلاة واحدة مرددة بين إحدى الظهرين. وكذا لو علم بوجوب الإتيان بصلاة واحدة أربع ركعات، مرددة بين الأداء والقضاء.
لكنه احتمل في المتن جواز الاكتفاء بقضاء وظيفة آخر الأيام. والوجه فيه هو العلم التفصيلي ببطلانه، إما لأجل عدم تحققه; وإما لأجل فقدانه للترتيب المعتبر. وقد عرفت أن اعتبار الترتيب بهذا النحو لا يكون عليه دليل واضح، بل يكون مبنياً على الاحتياط. فالواجب هي رعاية العلم الإجمالي وقضاء رمي تمام الأيام، مع مراعاة الترتيب; فتدبر.
هذا تمام الكلام في رمي الجمار الثلاث.
(الصفحة 417)
القول في الصدّ والحصر
في معنى الصدّ والحصر
مسألة 1 ـ المصدود من منعه العدو أو نحوه عن العمرة أو الحج، والمحصور من منعه المرض عن ذلك . [1]
[1]
قال المحقق في الشرايع: الصدّ بالعدوّ، والإحصار بالمرض لا غير. وقال صاحب الجواهر في شرحه: كما هو المعروف بين الفقهاء، بل في المسالك اختصاص الحصر بالمرض هو الذي استقر عليه رأي أصحابنا ووردت به نصوصهم، بل ظاهر المنتهى الاتفاق على إرادة ذلك من اللفظين المزبورين، بل عن صريح التنقيح وكنز العرفان ذلك ـ إلى أن قال:ـ بل في المسالك هو ـ أي: الحصر ـ بمعنى المرض مطابق لللغة ـ إلى أن قال:ـ هذا كلام العرب، وإن كان المحكي عن غيرهم من أهل اللغة خلاف ذلك.
أقول: هنا اُمور لابد من التوجه والنظر إليها:
الأول: أنه ربما يكون المانع عن إتمام الحج أو العمرة مع التلبس بإحرامهما غير ذلك، كالسيل وشدة العطوفة من ناحية الأب أو غيره.
(الصفحة 418)
الثاني: بعض الروايات، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه قال: المحصور غير المصدود، وقال: المحصور هو المريض، والمصدود هو الذي يرده المشركون، كما ردوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس من مرض. والمصدود تحل له النساء، والمحصور لا تحل له النساء(1).
الثالث: وقوع التعبير بالإحصار في قوله تعالى:
(... فَإنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي...) (2) وقد احتج به الأصحاب على مسائل من أحكام الصدّ. بل في المسالك عند العامة الحصر والصدّ واحد من جهة العدوّ،ونحوه ما عن المنتهى.
أقول: يغلب على الظن أن المحصور من منعه المرض، أو شبهه من الجهات الداخلية غير المرتبطة إلى شخص أو أمر آخر. والمصدود من منعه العدوّ، أو مثله من الجهات الخارجية ـ من دون فرق بين أن يكون مشركاً أو غيره أو إنساناً أو غيره، مثل: السيل ـ والذي يسهل الخطب اشتراك العنوانين في كثير من الأحكام واختلافهما في بعضها ـ كما سيظهر إن شاء الله تعالى ـ .
وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) : إنه قيل هنا ان جملتها ـ أي الاُمور التي يفترقان فيهما ـ ستة:
1 ـ عموم تحلل المصدود بمحلله لكل ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء، بخلاف المحصر الذي يحل له ما عدا النساء المتوقف حلهن له على طوافها.
2 ـ الإجماع على اشتراط الهدي في المحصور بخلاف المصدود، فإن فيه خلافاً.
- (1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الأول، ح1.
- (2)
سورة البقرة (2): 196 .
(الصفحة 419)
3 ـ تعين مكان ذبح هدي المحصور بمكة في إحرام العمرة وبمنى في إحرام الحج، بخلاف المصدود الذي يذبح حيث وجد المانع.
4 ـ افتقار المحصور إلى الحلق أو التقصير مع الهدي، بخلاف المصدود فإن فيه قولين.
5 ـ تعين تحلل المصدود بمحلله في مكانه، بخلاف المحصور الذي هو بالمواعدة التي قد تتخلف.
6 ـ كون فائدة الشرط في عقد الإحرام للمحصور تعين تعجيل التحلل، بخلاف المصدود الذي فيه الخلاف في أنه هل يفيد سقوط الهدي أو كون التحلل عزيمة لا رخصة أو مجرد التعبد؟ انتهى.
أقول: سيظهر الاختلاف في هذه الأحكام في المسائل الآتية، إن شاء الله تعالى.
(الصفحة 420)في حكم المصدود
مسألة 2 ـ من أحرم للعمرة أو الحج يجب عليه الإتمام، ولو لم يتم بقي على إحرامه، فلو أحرم للعمرة فمنعه عدوّ أو نحوه ـ كعمّال الدولة أو غيرهم ـ من الذهاب إلى مكة، ولم يكن طريق غير ما صدّ عنه، أو كان ولم يكن له مؤونة الذهاب منه، يجوز له التحلل من كل ما حرم عليه بأن يذبح في مكانه بقرة أو شاة أو ينحر إبلا، والأحوط قصد التحلل بذلك، وكذا الأحوط التقصير، فيحل له كل شيء حتى النساء . [1]
[1] أما وجوب إتمام العمرة أو الحج إذا شرع فيهما وتلبس بإحرامهما وأنه لو لم يتم بقي على إحرامه، فلتسالم الأصحاب عليه ظاهراً، وإن كانا استحبابيين، ولقوله تعالى:
(وَأتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله...) (1) وهو بإطلاقه لا يختص بالواجب، مضافاً إلى عدم وجوب العمرة أصلا، إلاّ بالإضافة إلى حجة الإسلام، لمن كان واجبه التمتع أو العمرة المفردة، بالإضافة إلى غيره ـ وقد مر ـ .
وأما المصدود عن إتمام العمرة التي تلبس بها مع عدم إمكان الوصول إلى مكة، إما لأنه لا يكون طريق غير ما صدّ عنه، أو لأنه لا يكون له مؤونة الذهاب إليه. فالمعروف بين أصحابنا، بل المدعى عليه الإجماع أنه يجب عليه الذبح أو النحر في مكانه.
والمحكي عن ابني بابويه وإدريس عدم الوجوب، وأنه يتحلل بمجرد العجز،
- (1) سورة البقرة (2): 196 .