(الصفحة 421)
ولايجب عليه الذبح أو النحر، بل ربما يكون هذا كاشفاً عن بطلان إحرامه; لأنه لا يتمكن من الإتمام بالطواف والسعي والتقصير. وربما يجعل هذا مطابقاً للقاعدة، مع قطع النظر عن الكتاب والرواية. لأن وجوب الذبح أو النحر يدفعه إصالة عدم الوجوب إذا شك فيه.
لكن الكتاب والرواية يخالفان للقاعدة ويحكمان بالوجوب.
أمّا الكتاب، فقوله تعالى:
(... فَإنْ اُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي...) (1) نظراً إلى أن الحصر لغةً بمعنى المنع، ولا يكون موضوعاً للحصر بالمرض خاصة. بل معناه اللغوي مطلق الحصر والمنع وإن كان بسبب العدو. ومنه قوله تعالى:
(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ اُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ...) (2)، أو إلى أن الآية وردت كما في الرواية التي مرت آنفة في صد المشركين لرسول الله في الحديبية، فإنه (صلى الله عليه وآله) نحر في مكانه ورجع. مضافاً إلى أن قوله تعالى في وسط الآية
(... فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أوْ بِهِ أذىً مِنْ رَأسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيام أوْ صَدَقَة أوْ نُسُك...) (3) يدل على أن الحصر المفروض في الفوق وأول الآية لا يكون مختصاً بالمرض، وإلاّ فلا يلتئم مع هذا القول بوجه.
نعم هنا رواية رواها حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: مر رسول الله على كعب بن عجرة الأنصاري، والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم، فقال: أتؤذيك هوامك؟ فقال: نعم. قال: فأنزلت هذه الآية:
(... فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أوْ بِهِ أَذَىً مِنْ رَأسِهِ فَفِدْيَةٌ
- (1) سورة البقرة (2): 196 .
- (2) سورة البقرة (2): 273 .
- (3) سورة البقرة (2): 196 .
(الصفحة 422)
مِنْ صِيام أوْ صَدَقَة أوْ نُسُك...) (1) فأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحلق رأسه، وجعل عليه الصيام ثلاثة أيام، والصدقة على ستة مساكين، لكل مسكين مدان، والنسك شاة. قال: وقال أبو عبدالله (عليه السلام) وكل شيء في القرآن (أو) فصاحبه بالخيار، يختار ما شاء. وكل شيء في القرآن (فمن لم يجد) فعليه كذا، فالأول بالخيار(2).
ويظهر من هذه الرواية عدم كون
(... فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أوْ بِهِ أذىً مِنْ رَأسِهِ...) (3) جزءاً وبعضاً من الآية التي واقعة هي في وسطها، بل آية مستقلة. فلا يصير قرينة على أن المراد بالحصر المفروض في الصدر أعم من المرض. ولكن الرواية ـ مضافاً إلى أنها لا تعلم كونها مسندة أو مرسلة، فلا يجوز الاعتماد عليها من هذه الجهة ـ تكون مخالفة للقرآن الذي يكون الآية شاملة له أيضاً.
وأمّا السنة فروايات:
منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء. والمحصور يبعث بهديه فيعدهم يوماً فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه، قلت: أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحلّ فأتى النساء؟ قال: فليعد وليس عليه شيء، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث(4).
ومن المعلوم أن الجملة الفعلية تدل على الوجوب بل بنحو أظهر وآكد، ـ كما قد قرر في الاُصول ـ والتعبير بالذبح لا يكون مقابلا للنحر. كما يؤيده التعبير بالهدي
- (1)
نفس المصدر.
- (2) الوسائل: أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح1.
- (3) سورة البقرة (2): 196 .
- (4) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الأول، ح5.
(الصفحة 423)
الذي هو أعم ـ كما مر ـ .
ومنها: بعض الروايات الحاكية لفعل النبي (صلى الله عليه وآله) حين صدّه المشركون عن الحج في الحديبية، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يرسل بالهدي تطوعاً، قال: يواعد أصحابه يوماً يقلدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنب المحرم إلى يوم النحر، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه. فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة(1).
ومن المعلوم أن الحاكي لفعل الرسول (صلى الله عليه وآله) إذا كان هو الإمام المعصوم (عليه السلام) ، وكان الغرض من حكايته بيان الحكم بهذا النحو، لا مجال لحمل الفعل على الاستحباب أو احتمال كونه محمولا عليه، ما لم يقم قرينة على ذلك; وإن كان فعل الرسول في نفسه محتملا لذلك ـ كما لا يخفى ـ إلاّ أن يقال بأن الكلام في الصدّ عن العمرة لا الحج.
ومنها: غير ذلك من الروايات. فلا مجال بملاحظة الكتاب والسنة في الإشكال على الوجوب ولزوم الهدي.
بقي في هذه المسألة اُمور ينبغي التعرض لها:
الأول: محل الذبح ومكانه.
صريح بعض الفتاوى والنصوص وظاهر غيره، إنه محل صدّه، وإن كان خارج الحرم ولا يجب عليه البعث. خلافاً للمحكي عن أبي الصلاح وغيره من بعض آخر من إنفاذه كالمحصور، ويبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ويذبح يوم النحر.
- (1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب التاسع، ح5.
(الصفحة 424)
وعن الإسكافي التفصيل في البدنة بين إمكان إرسالها فيجب، وعدمه فينحرها في مكانه. ونفى البعد صاحب الجواهر (قدس سره) عن التخيير بين البعث والذبح عنده، كما عن الخلاف والمنتهى والتحرير والتذكرة.
أقول: حيث إن الكلام في المصدود عن العمرة وهي لا ارتباط لها بيوم النحر إلاّ العمرة التي تعدّ جزءاً للحج وبعضاً منه وهي عمرة التمتع. ومن الواضح ـ كما دلت عليه الروايات المتقدمة ـ أن لكل شهر عمرة، ولا يختص بأشهر معلومات التي هي ثلاثة أشهر. فمن الممكن أن تكون العمرة المصدود عنها واقعة بعد آخر أشهر الحج، أو بعد تمامية زمان الحج بلا فصل. فلا مجال لاحتمال وجوب البعث إلى منى، والذبح أو النحر يوم النحر، لافتقار ذلك إلى مضي قريب سنة ـ مثلا ـ ومن الواضح أنه لا مجال للحكم عليه بالصبر إلى زمان يوم النحر وحصول التحلل. سيما بالإضافة إلى النساء بالذبح أو النحر يومه.
مع أن الصد ربما يكون عاماً لا شخصياً، فكيف يمكن له البعث ولو باستعانة النائب؟ وقوله تعالى:
(... وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيَ مَحِلَّهُ...) (1)ينحصر بالمحصور ولا يشمل المصدود. وإن كان قوله تعالى:
(... فَإنْ اُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ...) (2) لا يختص به ـ كما عرفت ـ وقد وقع في أكثر الكلمات الخلط بين المصدود عن الحج والمصدود عن العمرة، فتأمل حتى لا يختلط عليك الأمر.
- (1)
سورة البقرة (2): 196 .
- (2)
نفس المصدر.
(الصفحة 425)
وبالجملة فالظاهر تعين الذبح حين ما صدّ في العمرة التي هي محل البحث فعلا، ولا مجال للبعث بوجه بعد عدم دلالة دليل عليه، بل كما أفاد بعض الأعلام (قدس سره) نقول: بأنه لا دليل على لزوم البعث، بل يذبح حيث شاء ولو في بلاده. لأن عدم وجوب الذبح في مكان الصد لا يقتضي الوجوب في مكان آخر، بل له أن يذبح في أي مكان شاء.
الثاني: زمان الذبح أو النحر.
ظاهر الصحيحة المتقدمة ان زمانه يتحقق بمجرد تحقق عنوان الصد والمصدود، ولا يتحقق ضيق الوقت هنا بالإضافة إلى العمرة المفردة التي عرفت أن لكل شهر عمرة أصلا. نعم يمكن تصويره بالإضافة إلى عمرة التمتع التي يبقى وقتها إلى حصول ضيق وقت الحج ـ كما عرفت أيضاً ـ فبملاحظة ما ذكرنا في كلتا العمرتين يظهر حكم المسألة، فتدبر.
الثالث: ظاهر عبارة الماتن (قدس سره) أن مقتضى الاحتياط الوجوبي قصد تحلل المصدود عن العمرة بذبح ما يذبحه أو نحر ما ينحره. مع أن التحلل ـ على ما عرفت ـ من مواطنه المتعددة كان يحصل قهراً من دون حاجة إلى نية. فبالتقصير في العمرة وبه أو بالحلق في الحج كان يحصل التحلل وإن لم يقصده.
ويظهر من المحقق في الشرائع اعتبار نيته جزماً. حيث قال: ولا يتحلل إلاّ بعد الهدي ونية التحلل. وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) كما صرّح به الشيخ وابن حمزة والحلي ويحيى بن سعيد والفاضل وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، وليس لاعتبارها دليل قوي، واشتراك الذبح أو النحر بين المأمور به وبين غيره. وإن كان يقتضي