(الصفحة 427)
سلطان، فأخذه ظالماً له يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث به إلى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلّى سبيله. كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف إلى منى فيرمي ويذبح ويحلق، ولا شيء عليه، قلت: فإن خلي عنه يوم النفر، كيف يصنع؟ قال: هذا مصدود عن الحج، إن كان دخل متمتعاً بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعاً ثم يسعى أسبوعاً ويحلق رأسه ويذبح شاة، فإن كان مفرداً للحج فليس عليه ذبح ولا شيء عليه(1).
لكن الرواية كما ترى. فانقدح انه لا دليل على اعتبار الحلق أو التقصير في المصدود عن العمرة الذي هو محل البحث في المقام فعلا، لكن مقتضى الاحتياط ـ كما في المتن ـ رعاية التقصير. ولا مجال لاجراء الاستصحاب بعد تغير الحال بالمصدودية ـ كما لا يخفى ـ .
الخامس: لا إشكال ولا خلاف في تحقق الصد عن العمرة بالمنع عن دخول المحرم لمكة الطيبة. وهل تتحقق المصدودية بالمنع عن فعل الطواف والسعي بعد الوصول ودخول مكة أم لا؟
فيه وجهان، استظهر صاحب الجواهر (قدس سره) ذلك أيضاً. فليس المصدودية عن العمرة منحصرة بما إذا منع العدوّ أو شبهه من الذهاب إلى مكة، بل يشمله ومن وصل ومنع من فعل الطواف والسعي ـ كما لا يخفى ـ .
- (1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الثالث، ح3.
(الصفحة 428)في المصدود عن العمرة
مسألة 3 ـ لو دخل بإحرام العمرة مكة المعظمة ومنعه العدوّ أو غيره عن أعمال العمرة، فحكمه ما مرّ فيتحلل بما ذكر، بل لا يبعد ذلك لو منعه من الطواف أو السعي، ولو حبسه ظالم أو حبس لأجل الدين الذي لم يتمكن من أدائه كان حكمه ما تقدم . [1]
مسألة 4 ـ لو أحرم وطالبه ظالم لدخول مكة أو لإتيان النسك ما يتمكن من أدائه، يجب إلاّ أن يكون حرجاً. ولو لم يتمكن أو كان حرجاً عليه، فالظاهر أنه بحكم المصدود [2] .
[1] قد تقدم البحث في هذه المسألة في الأمر الخامس من الاُمور الخمسة في المسألة السابقة. نعم لم يقع التعرض لحبس الظالم أو لحبس الدين الذي لا يتمكن من أدائه. والظاهر أنه لا فرق بين حبس السلطان والظالم. كما أنه لا فرق بين أن يكون منشأ المنع الدين أو غيره. وقد مرّ أن المصدود لا ينحصر بما إذا كان المانع هو العدوّ، بل يشمل ما إذا منعه السيل ونحوه.
[2] ظهر مما مر أن جريان حكم المصدود ينحصر بصورة المنع عن دخول مكة رأساً أو عن الأعمال فيها. وأمّا إذا طالب الظالم مالا يتمكن من أدائه ولا يكون حرجاً عليه، لا يكون من مصاديق المصدود، نعم بحكمه فيما إذا لم يتمكن أو كان حرجاً عليه. والسر عدم تحقق عنوان المصدود في الصورة الاُولى دون الثانية.
(الصفحة 429)في ما لو كان له طريق غير ما صدّ عنه
مسألة 5 ـ لو كان له طريق إلى مكة غير ما صدّ عنه، وكانت له مؤونة الذهاب منها بقي على الإحرام ويجب الذهاب إلى الحج. فإن فات منه الحج يأتي بأعمال العمرة المفردة ويتحلل، ولو خاف في المفروض عدم إدراك الحج، لا يتحلل بعمل المصدود، بل لابد من الإدامة، ويتحلل بعد حصول الفوت بعمل العمرة المفردة . [1]
[1] قد وقع في هذه المسألة الخلط بين المصدود عن العمرة والمصدود عن الحج. والكلام الآن في الفرض الأول.
فإن المصدود عن العمرة ممنوع بعد التلبس بالإحرام، إما عن دخول مكة أو عن إتيان مناسك العمرة فيها.
وأمّا المصدود عن الحج فهو ممنوع عنه رأساً أو عن جملة من أركانه، ولا يكون ممنوعاً عن دخول مكة.
وقد عرفت وقوع الخلط بينهما في كثير من الكلمات والعبارات. واللازم التأمل وعدم الاختلاط بين الأمرين.
(الصفحة 430)في الصد عن الحج
مسألة 6 ـ يتحقق الصد عن الحج بأن لا يدرك لأجله الوقوفين لا اختياريهما ولا اضطراريهما، بل يتحقق بعدم إدراك ما يفوت الحج بفوته ولو عن غير علم وعمد. بل الظاهر تحققه بعد الوقوفين بمنعه عن أعمال منى ومكة أو أحدهما ولم يتمكن من الاستنابة، نعم لو أتى بجميع الأعمال ومنع عن الرجوع إلى منى للمبيت وأعمال أيام التشريق لا يتحقق به الصد، وصح حجه، ويجب عليه الاستنابة للأعمال من عامه. ولو لم يتمكن ففي العام القابل . [1]
[1]
المقصود من هذه المسألة بيان ما به تتحقق المصدودية عن الحج.
فنقول: لا ينبغي الاشكال في أنه إذا صار الصد موجباً لعدم إدراك الوقوفين لا الاختياري ولا الاضطراري الموجب لبطلان الحج، ولو لم يكن عن عمد والتفات، يتحقق به الصد عن الحج الموضوع لأحكام الصدّ عنه وآثاره.
كما أنه لا ينبغي الاشكال فيما إذا صار موجباً لعدم إدراك الحج من ناحية اُخرى، ويفوت الحج بفواته من الأقسام المتعددة المذكورة فيما سبق في مسائل الوقوف بعرفات. نعم في خصوص مسألة التقية المانعة عن إدراك الوقوفين كلام، تقدم في إحدى مسائله، فراجع.
وأمّا الممنوعية عن خصوص أعمال منى التي استظهر الماتن (قدس سره) تحققه بالمنع عنها فقط، أيضاً مع عدم التمكن من الاستنابة. فقد استشكلنا فيه في التعليقة على المتن،
(الصفحة 431)
فنقول:
لا ينبغي الارتياب في عدم تحقق الصد مع التمكن من الاستنابة في أعمال منى، لأنها كلها يكون قابلا لذلك.
أمّا الرمي، فلا إشكال فيه في الاستنابة، مع عدم إمكان حضور الرامي عند الجمار، وعدم تمكنه منه بالمباشرة.
وأمّا الذبح أو النحر، فتجوز الاستنابة فيه حتى في حال الاختيار، وعدم عروض عارض أصلا، كما أن الحلق أو التقصير لا ينحصران بمنى. وقد مرّ بعض الكلام في ذلك.
وأمّا مع عدم إمكان الاستنابة، فقد نقل صاحب الجواهر (قدس سره) عن صاحبي المسالك والمدارك وكذا عن غيرهما: البقاء على الإحرام وأن أدلة الصدود تشمله، لاختصاصها بالصد عن أركان الحج. لكن المحكي عن المحقق النائيني أنه حكي عنهم البقاء على الإحرام مع قيد «إلى أن يتحلل بمحلله» ويمكن أن يكون القيد من الحاكي إضافة توضيحاً بنظره.
واستظهر بعض الأعلام (قدس سره) أن كلا القولين ضعيف. ومحصل ما أفاده في وجه الضعف:
أن الرمي والذبح والحلق إن كانت شرطيتها للطواف والسعي بعدها شرطية مطلقة، فحينئذ يكون الصد عن أعمال منى صداً عن الأعمال البعدية أيضاً، لعدم تمكنه من الطواف المأمور به ـ مثلا ـ الصحيح، لأن الصد عن المقدمة صد عن ذيها بعد فرض الشرطية المطلقة.