(الصفحة 43)
أظافيره وأحلّ، ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط. فقال لي: يحفظ انه قد سعى ستة أشواط؟ فإن كان يحفظ انه قد سعى ستة أشواط، فليعد وليتم شوطاً وليرق دماً. فقلت: دم ماذا؟ قال: بقرة، قال: وإن لم يكن حفظ انّه قد سعى ستّة، فليعد فليبتدئ السّعي حتى يكمل سبعة أشواط، ثم ليرق دم بقرة.(1)
ثانيتهما: رواية ابن مسكان، وفي سندها محمد بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف بين الصّفا والمروة ستة أشواط وهو يظن انّها سبعة، فذكر بعدما حلّ وواقع النساء أنه إنما طاف ستّة أشواط، قال: عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطاً آخر.(2) واللازم التكلم في مفاد الروايتين، فنقول:
أمّا الصحيحة، فبعد كون موردها عمرة التمتّع وانه بعد ما طاف ستّة أشواط اعتقد تمامية السّعي وانه أتى بالأشواط السبعة، وإن كان يبعّد هذا الفرض انه في هذه الصورة لا محالة يكون على الصفا، مع أنّ الختم لابد وأن يكون بالمروة، يكون مورد السؤال انّه قلّم أظافيره وأحلّ من إحرام عمرة التمتع. والظاهر انه لم يكن في ذهن السائل خصوصية للتقليم بل كان مراده تحقق الإحلال بالتقصير الذي هو آخر اعمال عمرة التمتع. لعدم وجوب طواف النساء فيها، بخلاف غيرها من أنواع الحج والعمرة المفردة. والتقصير الذي يتحقق به الإحلال في العمرة المذكورة كما يتحقق بالتعليم، كذلك يتحقق بقصّ الشعر ولا اختصاص له بالأوّل. وعليه فمراد السائل هو تحقق الإحلال بالتقصير. لكن لا دلالة له على حصول المواقعة بعد صيرورته
- (1) وسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر. ح1.
- (2) وسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح2.
(الصفحة 44)
محلاًّ. فالرواية تدل لى أنه في هذه الصورة يجب عليه إتمام السعي بإتيان الشوط المنسي، ولزوم كفارة البقرة. ولا مجال لدعوى أنه لا وجه لثبوت الكفارة مع كون المفروض ان موردها الخطأ، خصوصاً بملاحظة مادلّ على أن الكفارة إنما تثبت في حال الخطأ في خصوص الصيد ولا كفارة في غيره في هذا الفرض.
وذلك لأنّ ما دلّ على ذلك لا يكون حكماً غير قابل للتخصيص. لأنه حكم تعبدي شرعي قابل لعروض التخصيص له في هذا المورد أو غيره.
وبالجملة، مفاد الرواية صحة السعي وما يترتب عليه من التقصير الموجب للإحلال. غاية الأمر لزوم الإتيان بالمقدار الناقص وثبوت كفارة البقرة بمجرد الإحلال بسبب التقصير.
وامّا الرّواية الثانية، فاللازم ملاحظة ان مرودها هل هو عمرة التمتع كالصحيحة الصريحة في ذلك؟ أو ان موردها مطلق السعي سواء كان في عمرة التمتع أو في غيرها من العمرة المفردة والحج بأنواعه الثلاثة ؟ ربما يقال بالثاني. نظراً إلى أنه لا إشعار في السؤال بالإختصاص بعمرة التمتع. فمقتضى إطلاقه وترك الإستفصال في الجواب الشمول لجميع الموارد.
هذا ولكن الظاهر الإختصاص. لأن ذكر مواقعة النساء بعد الإحلال لا يلائم إلاَّ مع السعي في عمرة التمتع، لأنّ حلّية النساء في غيرها إنما ترتبط بطواف النساء الثابت فيه دون عمرة التمتع. حيث إنه لا يجب فيها طواف النساء. وعلى ما تقدم من البحث فيها مع أن الإحلال في الحج إنّما يتحقق قبل السعي بتمامية مناسك يوم النحر في منى. حيث إنه يحلّ الحاجّ من جميع محرمات الإحرام، عدى الطيب والصيد
(الصفحة 45)
والنساء وحلّية الأوّل متوقفة على الطواف والسعي، والثاني من محرمات الحرم، والثالث يرتفع بطواف النساء. وبالجملة فحصول الإحلال بعد السّعي ومواقعة النساء بعد الإحلال إنّما يكون مرتبطاً بالسعي في عمرة التمتع، ولذا فهم المحقق في الشرايع في عبارته المتقدمة من هذه الرّواية عنوان التمتع. فقال: ولو كان متمتعاً بالعمرة....».
مع انّ الإطلاق موجب للإشكال في الرّواية من جهة أنّ وقوع المواقعة وإن كان في حال عدم الإلتفات إلى نقصان السّعي، إلاَّ أن وقوعها قبل طواف النساء إنّما يكون مع الإلتفات واللازم ـ حينئذ ـ ثبوت كفارة البدنة، لما مرّ في بحث الجماع من محرمات الإحرام. إن كفارته إذا وقع قبل الطواف المذكور هي البدنة. مع أنّ ظاهر الرواية عن ثبوت غير كفارة البقرة. ولذا حكي عن المحقق في النكت احتمال أن يكون المراد إنه طاف طواف النّساء ثم واقع لظنّه إتمام السّعي. كما أنه حكي عن المختلف احتمال أن يكون قد قدّم طواف النساء على السّعي لعذر.
ومن الظاهر ان الحمل على عمرة التمتع ـ كما هو الظاهر بقرنية ما ذكرنا ـ يوجب عدم توجه الإشكال وعدم وروده حتى يحتاج إلى دفعه بمثل ما ذكر ممّا يكون خلاف الظاهر جدّاً. هذا من ناحية.
وأمّا من الناحسة الأخرى فربما يقال بعدم كون هذه الرواية مرتبطة بالمقام، نظراً إلى أن الموجب للكفارة فيها إنّما هو الخروج من السعي غير قاطع ولا متيقن لإتمامه، بل خرج منه عن ظنّ منه. ومن المعلوم إنّه لا يجوز أن يخرج منه مع الظن. بل اللاّزم الخروج مع القطع واليقين. فالرواية غير واردة ي الناسي الذي هو
(الصفحة 46)
المبحوث عنه في المسألة.
هذا ولكن الظاهر بطلان هذا القول. لأنّ منشأه استعمال كلمة «الظن» في السؤال مع ان الظاهر ان المراد منه هو الاعتقاد القطعي واستعمال الظنّ في هذا المعنى شايع حتى في الكتاب العزيز، مثل قوله تعالى:
(الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون) ويدل عليه في خصوص مورد الرواية تفريع التذكر عليه وهو لا يلائم الظنّ المصطلح في قبال اليقين. فإن اتذكر فرع النسيان. فالإشكال في الرواية من هذه الجهة لا وجه له أصلا.
وبعد ذلك يقع الكلام في الجمع بين مفاد الروايتين. حيث إن ظاهر الصحيحة ثبوت الكفارة بعد الإحلال وإن لم يتحقق منه مواقعة النساء. وظاهر الرواية الثانية ثبوت الكفارة بعد الإحلال ومواقعة النساء، فكيف يجمع بينهما؟
فنقول، ذكر بعض الأعلام (قدس سرهم) ما يرجع إلى أنّ المواقعة والإحلال حيث لا يكونان في رتبة واحدة وفي عرض واحد. لأن الإحلال متقدم على المواقعة وهي متأخرة عنه. وقد دلّت الصحيحة على أنّ الإحلال بسبب التقصير يوجب الكفارة فهي ثابتة بمجرد الإحلال قبل تحقق المواقعة، فلا يبقى أثر للعمل المتأخر عنه أي شيء كان ـ مواقعة كانت ام غيرها ـ وعليه فتمام الملاك هو الإحلال.
أقول: إن قلنا بأن رواية مسكان لأجل الضعف في سندها بمحمد بن سنان لا تكون معتبرة. فاللازم الإتكال على الصحيحة فقط. وليس فيها إشعار بالمواقعة أصلا، بل مقتضاها ترتب الكفارة على التقصير والإحلال.
وإن قلنا باعتبارها، إمّا لأجل المنع عن ضعف محمد بن سنان، وإمّا لأجل انجباره
(الصفحة 47)
بفتوى جماعة من أعاظم الأصحاب على طبقها كما مر. فالظاهر ان مقتضى الجمع بينها وبين الصحيحة هو الحكم باعتبار كلا الأمرين معاً في ترتب الكفارة وثبوت الطولية والترتب لا يمنع عن مدخليّة كليهما. فتكون الرواية بمنزلة المقيد لإطلاق الصحيحة. حيث إن ظاهرها ترتب الكفارة على الأمر الأول. سواء وقع الأمر الثاني عقيبه أم لا. فالجمع بينهما يقضي بلزوم تحقق كلا الأمرين حتى تثبت الكفارة التي في البين. ولعلّه لأجل ذلك عنون المسألة في المتن بهذه الصّورة. نعم الأختياط الوجوبي المجامع لاحتمال عدم الوجوب لا مجال له في هذه الصورة، لأن اللازم الإلتزام بثبوت الكفارة. سواء قلنا باعتبار رواية ابن مسكان أيضاً أم لم نقل به. بل اقتصرنا على خصوص الصحيحة لأنه لا إلكال في ثبوتها في مورد اجتماع الأمرين: الإحلال والمواقعة.
نعم للاحتياط الوجوبي في الصورة الثانية التي أفاد حكمها مع كلمة «بل» الظاهرة في الترقي مجال، لأنّ الحكم بثبوت الكفارة مع فرض عدم تحقق المواقعة مخالف للرواية الثانية التي يحتمل اعتبارها. ولكنه حيث لم تكن المواقعة مذكورة في الصحيحة على ماذكرنا فمقتضى الإحتياط الوجوبي ترتب الكفارة عليه أيضاً.
نعم في بعض نسخ المتن إضافة قوله: وفعل ذلك عقيب قوله سهواً في هذه الصورة. والظاهر ان المراد من الجملة الإضافية هو وقوع المواقعة المفروضة في الصورة الأولى. ومن الظّاهر انه على هذا التقدير لا يبقى فرق بين الصّورتين. لأن المفروض في كلتيهما الإحلال والمواقعة. بل الظاهر هو مافي هذه النسخة. والمراد من الصورة الثانية خصوص ما إذا تحقق التقصير والإحلال من دون مواقعة، بخلاف