(الصفحة 61)
الأسنان في قرض الشعر أو الظفر فلا مانع ـ كما عرفت التصريح به في جملة من الروايات المتقدمة وقد وقع في بعضها التعبير بأنّه ليس يجد كلّ أحد جلماً أي مقراضاً ـ.
وأمّا من جهة العدد، فالظاهر في باب الأظفار جواز الاكتفاء بظفر واحد، بل بعض ظفر واحد، ولعلّ الوجه فيه كونه محسوساً ملموساً. وأمّا الشعر فالمحكي عن جملة من كتب العلاّمة إنّ أدنى التقصير أن يقصّ شيئاً من شعر رأسه وأقلّه ثلاث شعرات، بل عن المنتهى النسبة إلى إختيار علمائنا. لكن المحكيّ عن المبسوط اشتراط كون المقطوع جماعة من الشعر. والظاهر ان مراده من الجماعة هي معناها العرفي الذي يكون زائداً على الثلاث بكثير.
هذا وينبغي إحالة ذلك إلى العرف بعد كون التقصير الذي هو جزء للعمرة ويجب الإتيان به فيها عنواناً عرفيّاً موكولا إلى العرف. ولذا لم يفسّر في الروايات من هذه الجهة أصل بخلاف عنواني الطواف والسعي اللذين لهما حدود شرعية وخصوصيات تعبدية، فالمعيار فيه هو العرف، واللازم هو الصدق بنظرهم. نعم لا خصوصية من ناحية المقدار الذي يقرض ويقصر من كل شعر. وقد وقع التصريح في مسألة إبن أبي عمير المتقدمة بجواز القصّ بمقدار الأنملة.
وامّا النتف، ففي كلام صاحب الجواهر ومحكّي كلام صاحب الحدائق جوازه. لأن المقصود هي الإزالة بأية كيفية تحققت ومن جملتها النتف.
هذا والظاهر إنّ النتف ليس من أفراد ماهيّة التقصير ومصاديقها، واللازم إيجاد تلك الماهية، وعليه فيرد على القائل بجوازه انه إن أراد انّ النتف من مصاديق عنوان
(الصفحة 62)
التقصير فيرد عليه وضوح منعه، ضرورة عدم كونه منها، وان أراد الإجتزاء به مع عدم كونه منها، فاللازم إقامة الدليل عليه. وهو غير موجود ـ كما لا يخفى ـ.
الجهة الثالثة: في كفاية الحلق مكان التقصير وعدمها. فالمشهور عدم جوازه وعدم الإجتزاء به. وقد وقع التصريح به من غير واحد من الأصحاب. وقد نسب إلى الشيخ (قدس سره) التخيير بين الأمرين، وإلى العلاّمة ان الواجب هو التقصير، ولكن لو حلق يجزى عن التقصير، وعن صاحب الحدائق جواز الحلق إذا كان متعلقاً ببعض الرأس دون تمامه.
ويرد على الشيخ الروايات المتقدمة الظاهرة في تعين التقصير، والظاهر مغايرة عنوان الحلق مع التقصير. ولذا يكون التخيير بينهما في باب الحج إنّما يرجع إلى التخيير بين العنوانين المتبائنين لا المترادفين ولا الأقل والأكثر. فإن قام دليل على التخيير بين الأمرين في عمرة التمتع ـ كما قام في الحج ـ نقول به. ولكن الظاهر انه ليس في شيء من الرّوايات ذلك. فاللازم الاقتصار على خصوص عنوان التقصير.
ويرد على العلاّمة ما أو مأنا إليه من أنه إن أراد أن الحلق من مصاديق التقصير ولأجله يكفي به، فيرد عليه وضوح منعه ـ كما مرّ ـ وإن أراد الإجتزاء به وإن لم يكن من مصاديقه، فاللازم إقامة الدليل عليه ولم يقع. نعم ربما يوجّه ما أفاده بأن التقصير يتحقق بأوّل جزء من الحلق. لكنه مضافاً إلى منعه لعدم تحقق التقصير ولو بأوّل جزء من الحلق. والشاهد هو العرف الذي يرى العنوانين متبائنين من أوّل الأمر انّ اللازم في التقصير ومثله تعلق النية بعنوانه وإنّ النية كذلك ـ كما سيجيء في المسألة الثانية إن شاء الله ـ اوّل الخصوصية المعتبرة في النيّة. ومن المعلوم انّ من نوى الحلق وشرع
(الصفحة 63)
فيه لم يتحقق منه قصد عنوان التقصير وإن فرض تحققه بأوّل جزء من الحلق، فتدبر.
وممّا ذكرنا ظهر ما يرد على صاحب الحدائق من الإشكال. وإنه لا يتحقق عنوان التقصير ولو بحلق بعض الرأس دون تمامه. ويدلّ على تعين التقصير مضافاً إلى ما عرفت صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: وليس في المتعة إلاّ التقصير.(1)
ثم الظاهر إنه لو حلق مكان التقصير يترتب عليه مضافاً إلى استحقاق العقوبة لانه من محرّمات الإحرام، وقد ارتكبه في حال الإحرام قبل أن يحلّ الكفارة التي تقدّم البحث عنها، وهي دم شاة. للأدلة المذكورة هناك ولا حاجة هنا إلى إقامة دليل خاص على ثبوت الكفارة في المقام، ولكنه مع ذلك يدل عليه رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المتمتع أراد أن يقصّر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهريقه فإذا كان يوم النّحر أمّر الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق.(2)
ولكنها مضافاً إلى ضعف السند لأن في طريق الشيخ (قدس سره) محمد بن سنان وفي طريق الصدوق علي بن أبي حمزة فيها مناقشة من حيث المفاد والدلالة. لأنّ ظاهرها ثبوت الكفارة في صورة الخطأ وقد ادعى ممّن عدى المحقق على عدم وجوب ذلك عليه. ولكنك عرفت انه لا حاجة إلى نص خاص بعد ثبوت كفارة الدم في الحلق في باب محرمات الإحرام، فراجع.
- (1) وسائل: ابواب التقصير، الباب الرّابع، ح2.
- (2) وسائل: ابواب التقصير، الباب الرابع، ح3.
(الصفحة 64)في اعتبار النية في التقصير
مسألة 2 ـ التقصير عبادة تجب فيه النيّة بشرائطها، فلو اخلّ بها بطل إحرامه الاّ مع الجبران. [1]
[1] لا شبهة في أن التقصير حيث إنه من أجزاء اعمرة يكون عبادة، تجب فيه النية المشتملة على قصد عنوان التقصير وانّه من أجزاء عمرة التمتع مع القربة وتقدم تفصيل البحث في النيّة في باب الطواف وهذا لا إشكال فيه.
إنّما الإشكال في التفريع المذكور في المتن. فإن ظاهره انه مع الإخلال بالنيّة يبطل إحرامه، مع ان لازم الإخلال بالنيّة عدم وقوع التقصير الذي هو جزء من العبادة، فلا يترتب عليه الإحلال. فيتوقف تحققه على الإتيان بتقصير جديد مشتمل على النية ليتحقق به الإحلال والخروج عن الإحرام.
وعليه فيرد على المتن إنّه ما المراد بالإحرام الذي يبطل بالإخلال بالنيّة في التقصير؟ فإن كان المراد هو إحرام عمرة التمتع، فمن المعلوم ان بطلان التقصير المأتي به لا يستلزم بطلان الإحرام المذكور. وإن كان المراد هو إحرام حجّ التمتع الذي يكون مترتباً على عمرته، فيرد عليه مضافاً إلى أنه لم يفرض في المتن وقوع إحرام الحج بعد التقصير الذي أخلّ بينّته. بل المفروض فيه مجرد الإخلال بالنيّة فقط، إنه قد تعرض في المسألة الثالثة بصورة ترك التقصير والإحرام بالحج. وذكر انه في صورة العمد تبطل عمرته. ومعناه عدم بطلان إحرامه للحجّ غاية الأمر صيرورته إفراداً وفي صورة السّهو تصحّ عمرته. ومعناه أيضاً صحة إحرامه للحج وتمامية عمرته بعنوان التمتع وعليه فلا يبقى مجال في هذه المسألة للحكم ببطلان إحرامه للحج بمجرد
(الصفحة 65)فيما لو ترك التقصير وأحرم بالحجّ
مسألة 3 ـ لو ترك التقصير عمداً وأحرم بالحجّ بطلت عمرته والظاهر صيرورة حجّه إفراداً، والأحوط بعد إتمام حجّه أن يأتي بعمرة مفردة وحجّ من قابل، ولو نسي التقصير إلى أن أحرم بالحج صحّت عمرته وتستحبّ الفدية بشاة، بل هي أحوط. [1]
الإخلال بالنية في التقصير الذي لا يؤثر إلا في بطلانه. ثم إنّ استثناء صورة الجبران من الحكم بالبطلان محلّ إشكال أيضاً. فإنه إن كان المراد بالجبران الإعادة، فيرد عليه مضافاً إلى أن التعبير عن الإعادة بالجبران غير مأنوس أن الإعادة لا يوجب خروج الباطل عن كونه باطلا بل هو أمر مستقلّ. وإن كان المراد بالجبران هي الكفارة والفدية. فلم يعلم مورد تكون الكفارة موجبة لخروج الباطل عن وصف البطلان والإتصاف بكونه صحيحاً. وعليه فلم يعلم المراد من هذا التفريع المذكور في المتن ولذا استشكلنا عليه في التعليقة مما يرجع إلى ما ذكرنا، فتدبر جيّداً.
[1]
في هذه المسألة فرضان:
الفرض الأوّل: مالو ترك التقصير في عمرة التمتع عمداً وأحرم بحج التمتع الذي يكون مترتّباً على عمرته وقد حكم في المتن ببطلان عمرته، واستظهر صيرورة حجّه إفراداً. ومن الواضح إن هذا على خلاف القاعدة، فإنّ مقتضاها كون الإحرام بالحج باطلا، لأن المفروض صورة العمد وتكون العمرة صحيحة غاية الأمر نقصانها بسبب ترك التقصير، فاللازم إكمالها بالإتيان بالتقصير ثم الإحرام بالحجّ بعده. وعليه فالحكم المذكور في المتن على خلاف القاعدة، لكنّه منسوب إلى المشهور