(الصفحة 66)
ـ كما عن الدروس ـ بل لم ينقل الخلاف من المتقدمين إلاّ من ابن إدريس بناء على أصله وهو عدم حجّية خبر الواحد مطلقاً. ومنشأ فتوى المشهور روايتان واردتان في هذا الفرض:
إحديهما: موثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبّى بالحج قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر وليس عليه متعة.(1) وفي محكي التهذيب وكذا في الجواهر: وليس له متعة، وهو الظاهر.
ثانيتهما: مضمرة العلاء بن الفضيل التي رواها عنه محمد بن سنان، قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهلّ بالحج قبل أن يقصر، قال: بطلت متعته، هي حجة مبتولة.(2)
وقد ناقش سيّد المدارك في سند الأولى بأن الراوي عن أبي بصير هو إسحاق بن عمار وهو مردّد بين الثقة وغيرها. فلا يجوز الأخذ بها ولو بناء على القول بحجية خبر الثقة وفي سند الثانية باشتماله على محمّد بن سنان.
ولكن الظاهر اندفاع المناقشة في الأولى بعدم تردده بين الثقة وغيره. فإن الظاهر أن المراد به هو اسحاق بن عمار الساباطي الصيرفي الفطحي الذي يكون ثقة. ولعل منشأ مناقشته كونه راوياً عن راو آخر وهو أبو بصير، فتدبّر. نعم الإشكال في سند الثانية بحاله.
وامّا من جهة الدلالة، فالرّواية الثانية ظاهرة، بل صريحة في بطلان التمتع وصحة
- (1) وسائل: أبواب الإحرام، الباب الرابع والخمسون، ح5.
- (2) وسائل: أبواب الإحرام، الباب الرابع والخمسون، ح4.
(الصفحة 67)
إحرام الحج وصيرورته حجة مبتولة، أي حج إفراد. والوجه فيه إنه بعد بطلان عمرة التمتع لا يمكن أن يقع حجّه حجّ التمتع، لاشراطه بالعمرة السابقة عليه، الواقعة بعنوان التمتع، كما إنه لا يمكن أن يقع حجّ قران بعد عدم وجود الإشعار والتقليد في إحرامه، فلا محالة يكون حجّ إفراد.
امّا الرّواية الأولى، فليس لها الصراحة بل ولا الظهور، لكن الدقة في مفادها تقتضي كونها متحدة مع الثانية في المراد. لأنّ سلب جواز التقصير ونفي ثبوت المتعة له بناء على كون النتيجة هي «له» لا «عليه» يمكن أن يكون منشأه بطلان العمرة والحج معاً. بمعنى أنه لا طريق له إلى إكمال العمرة بالإتيان بالتقصير ولا إلى الإهلال بالحج والشروع فيه. وهذا خلاف الظاهر جدّاً، خصوصاً مع عدم فهم المشهور منها ذلك. ويمكن أن يكون منشأه صحة الإحرام بالحج وبطلان عمرة التمتع، فلا محالة يصير حجّه إفراداً. وهو الذي تدل عليه الرواية الثانية. ويظهر من ذلك دلالة النص على خلاف القاعدة من جهة أخرى أيضاً وهي ان الحجّ الذي أحرم به قد قصده بعنوان حج التمتع. والنص ظاهر في وقوع غير ما قصد ووقوع الحج بعنوان الإفراد. كما أن ظاهر النص تحقق الإنقلاب قهراً وصيرورته حج إفراد كذلك. فيستمرّ في أعماله ويأتي بأجزائه ومناسكه بهذا العنوان. ويقع الكلام في الإحتياط الوجوبي الذي ذكره في المتن بالاضافة إلى إتيان الحج من قابل وظاهره الإتيان بحج التمتع الذي بطلت عمرته في هذا العام ومقتضى إطلاقه إنه لا فرق بين كون حج التمتع في هذا العام الذي صار باطلا حجّاً واجباً عليه أو كان مستحباً عليه، لأن المستحب أيضاً يجب إتمامه بالشروع فيه بنفس العنوان الذي شرع فيه.
(الصفحة 68)
والوجه في الإحتياط إنه لا دلالة للنص إلاَّ على بطلان حج التمتع وصيرورة حجّه إفراداً. وأمّا الإكتفاء به عن التمتع فلا دلالة له عليه، وقيام الدليل على الإكتفاء في بعض الموارد ـ مثل ما إذا منعها الحيض عن إتمام عمرة التمتع حيث إنه تنقلب وظيفتها إلى الإفراد ويكفي عن التمتع ـ لا يستلزم الإكتفاء به في مثل المقام، خصوصاً
بعد ثبوت الفرق بأن الإنقلاب هناك قهري ناش عن الحيض الذي لا يكون اختيارياً بخلاف المقام الذي يكون منشأه ترك التقصير عمداً على ماهو المفروض.
نعم لو كانت عبارة الرواية: ليس عليه متعة يكون ظاهرها نفي وجوب التمتع عليه. لكن هذه النسخة غير ثابتة فلا دلالة حينئذ على الإكتفاء به عن التمتع ـ كما في مثل الحيض ـ وعليه فمقتضى قاعدة الإشتغال الإتيان بحج التمتع من قابل.
الفرض الثاني: مالو ترك التقصير سهواً إلى أن أحرم بالحج والظاهر إنه لا خلاف في صحة عمرته وحج التمتع. وقد ورد فيه روايتان مشتركتان في هذه الجهة:
إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أهلّ بالعمرة ونسى أن يقصّر حتى دخل في الحج. قال: يستغفر الله ولا شيء عليه وتمّت عمرته.(1)
ويجري في قوله (عليه السلام) : «ولا شيء عليه» ثلاث احتمالات:
الأول: أن يكون المراد بالشيء المنفي خصوص العقاب والمؤاخذة الاخرويّة. ويؤيّده العطف على قوله: «يستغفر الله» وهذا لا ينافي ثبوت الكفارة.
الثاني: أن يكون المراد به مطلق المؤاخذة الأخروية والدنيوية بمعنى الكفارة،
- (1) وسائل: أبواب التقصير، الباب السادس، ح1.
(الصفحة 69)
فيدل على نفي الكفارة عليه.
الثالث: أن يكون المراد به خصوص دم الشاة الذي هو المتداول والشايع في الكفارة في باب الحج في كثير من الموارد.
ثانيتهما: موثقة اسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) الرجل يتمتّع فينسى أن يقصّر حتى يهلّ بالحج، فقال: عليه دم يهريقه.(1) والرواية ظاهرة في لزوم كفارة الدّم الذي يراد به دم الشاة، لما ذكرنا عليه، كما انّها ظاهرة في عدم بطلان متعته بسبب نسيان التقصير إلى أن أهلّ بالحج وحينئذ إن قلنا بأن المراد من الرواية الأولى هو الإحتمال الثالث، فمقتضى الجمع بينهما حمل هذه على الإستحباب. لظهور الأولى بل صراحتها في عدم الوجوب.
وإن قلنا بأن المراد منها هو الإحتمال الأوّل، فلا منافاة بينهما بوجه لدلالة الأولى على نفي العقاب والثانيه على ثبوت الكفارة. وإن قلنا بأن المراد منها هو الإحتمال الثاني، يكون مقتضى قاعدة الإطلاق والتقييد رفع اليد عن إطلاق الأولى بسبب الثانية. ومما ذكرنا إن الاحوط لو لم يكن أقوى هو لزوم الفدية بشاة لأنه لم يثبت في مقابل النص الدال عليه ما يوجب الصرف عن الظاهر والحمل على خلافه. كما ان الظاهر بمقتضى كلمة «بل» في المتن، الظاهرة في الترقي، انّ الإحتياط المذكور في المتن وجوبي لا استحبابي، فتدبر.
- (1) وسائل: أبواب التقصير، الباب السادس، ح2.
(الصفحة 70)فيما لو ترك التقصير سهواً
مسألة 4 ـ يحلّ بعد التقصير كل ما حرّم عليه بالإحرام حتى النّساء. [1]
[1] المشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف إلاَّ من بعض علماء الحديث انه يحلّ بعد التقصير كل ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء مع توقف حليتهن في غير عمرة التمتع من العمرة المفردة وجميع أنواع الحج على طواف النّساء وحتى حلق جميع الرأس فإنه يجوز عندهم الحلق في الفصل بين عمرة التمتع وحجّه. والمحكيّ عن بعض المحدثين، انه قال: يحلّ له بالتقصير كل ما حرم عليه بالإحرام إلاَّ الحلق. وهو ظاهر الأصحاب. وقد استشكل في حلّيته المحقق النائيني (قدس سره) في متنه في الحج، حيث قال: يحلّ له بفعله كلّ ما حرّم عليه بعقد إحرامه على إشكال في حلق جميع الرأس، وما استظهره المحدث المزبور من الأصحاب محلّ نظر. فإن الظاهر أنهم قائلون بالحلية ـ كما عرفت ـ ولعلّ المستظهر قد خلط بين الحلق الواقع بعد التقصير وتمامية العمرة وبين الحلق مكان التقصير فيها الذي عرفت البحث فيه. وأنّه لا يجزي عن التقصير عند الأصحاب. وكيف كان منشأ توهّم الحرمة وعدم حلية حلق الرأس بتمامه بعد تمامية العمرة بالتقصير، روايتان:
إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث السعي، قال: ثم قصّر (قصّ خ ل) من رأسك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلّم أظفارك وأبق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء يحلّ منه المحرم وأحرمت منه.(1) نظراً إلى ظهورها في وجوب الإبقاء منها للحج كظهورها في أصل وجوب
- (1) وسائل: أبواب التقصير، الباب الأوّل، ح1.