(الصفحة 71)
التقصير، ووجوب الإبقاء. وإن كان بلحاظ حال التقصير قبل تمامية العمرة، إلاَّ انه يستفاد منه الوجوب بعد التمامية أيضاً. لأنه لايتحقق الإبقاء للحج بدونه، كما انّ الظاهر رجوع ضمير التأنيث الذي يراد منه الحج إلى خصوص شعر الرأس بلحاظ الجوانب المذكورة في الرواية، وذلك بقرينة الإبقاء للحج الذي يراد به الإبقاء للحلق في الحج يوم النّحر. فإن الحلق فيه إمّا متعين ولو في بعض الموارد ـ كالصرورة على احتمال ـ وإمّا أن يكون أحد طرفي التخيير. وفي هذا الفرض أيضاً يكون الحلق أفضل. فالإبقاء للحج قرينة على أن المراد الإبقاء للحج لأجل الحلق المذكور. لكن يرد على الإستدلال بالرواية إنه لو سلّم جميع ما ذكر يكون ظاهرها وجوب الإبقاء لا حرمة الحلق التي هي محل البحث. وقد حقق في محلّه ان وجوب شيء لا يكون ملازماً لحرمة تركه. وكذا العكس. وإلاَّ يلزم اجتماع حكمين في جميع موارد الوجوب أو الحرمة. ومن الواضح خلافه.
ثانيتهما: صحيحة جميل بن درّاج، إنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع حلق رأسه بمكة، قال: إن كان جاهلا فليس عليه شيء، وإن تعمّد ذلك في أوّل شهور الحج بثلاثين يوماً فليس عليه شيء، وإن تعمّد بعد الثلاثين يوماً التي يوفّر فيها الشعر للحج، فإن عليه دماً يهريقه.(1) وقوله في السؤال «حلق لرأسه بمكة» ظاهر في أن المراد هو الحلق بعد تمامية العمرة والخروج عن إحرامها بالتقصير، لأنه مع عدم تماميتها لا يكون فرق بين مكّة وغيرها لأن حلق الرأس من محرمات الإحرام يتحقق بمجرد تحققه.
- (1) وسائل: أبواب التقصير، الباب الرابع، ح5.
(الصفحة 72)في أنه ليس في عمرة التمتع طواف النساء
مسألة 5 ـ ليس في عمرة التمتع طواف النّساء، ولو أتى به رجاءً واحتياطاً لا مانع منه. [1]
كما ان ظاهر السؤال المفروغية عن الحرمة ومحط السؤال هو تحقق الحرام، انه ماذا يترتب عليه؟ والجواب ظاهر في التقرير من هذه الجهة، غاية الأمر التفصيل بين الفروض من جهة ثبوت الكفارة وعدمها، وبالجملة الرواية دلالتها ظاهرة ولكنه حيث يكون معرضاً عنها لدى الأصحاب قاطبة مع كونها بمرئى منهم. فاللازم الإعراض عنها وعدم الفتوى على طبقها والحكم بجواز حلق الرأس بتمامه في الفصل بين العمرة والحج وإن كان الزمان قليلا جدّاً.
[1]
قد مرّ البحث في هذه المسألة في البحث عن أعمال عمرة التمتع والفرق بينها وبين العمرة المفردة. وتقدم أنه ليس في عمرة التمتع طواف النساء. نعم يجوز الإتيان به رجاءً واحتياطاً، كما انه قد تقدم الفرق بينهما في محلّ طواف النساء على تقدير إرادة الإتيان به في عمرة التمتع. فإن محلّه في العمرة المفردة بعد اتقصير وفي عمرة التمتع قبله. فراجع ما هناك.
(الصفحة 73)القول في الوقوف بعرفات
مسألة 1 ـ يجب بعد العمرة الإحرام بالحجّ والوقوف بعرفات بقصد القربة كسائر العبادات، والأحوط كونه من زوال يوم عرفة إلى الغروب الشرعي، ولا يبعد جواز التأخير بعد الزوال بمقدار صلاة الظهرين إذا جمع بينهما، والأحوط عدم التأخير، ولا يجوز التأخير إلى العصر. [1]
[1]
لما فرغ من بيان مناسك عمرة التمتع وأحكامه، شرع في بيان مناسك حج التمتع المترتب على عمرته، وأوّل أعماله الإحرام به ـ وقد مرّ البحث في مكانه وزمانه في البحث عن كيفيّة حج التمتع إجمالا فراجع ـ وثاني أعماله الوقوف بعرفات مقروناً بالنية المشتملة على تعلق القصد بالوقوف بعنوان حجّ التمتع مع رعاية قصد القربة المعتبرة في العبادات. ولا شبهة في وجوب الوقوف والجزئية للحج، بل هو من الواضحات بل الضروريات. ولذا لم يقع السؤال عن وجوبه في شيء من الروايات ومخالفة العامّة إنما هي في وجوب النية في الوقوف لا في أصل وجوبه. وبعد ذلك يقع الكلام في مبدأ الوقوف من حيث الزمان وفي منتهاه:
امّا المبدأ فالمشهور انّه الزوال. أي زوال الشمس يوم عرفة ونسب إلى جماعة من القدماء وجملة من المتأخرين جواز التأخير عن الزوال بمقدار الإشتغال بالغسل
(الصفحة 74)
وصلاة الظهرين إذا جمع بينهما.
والعجب إنه ليس في شيء من الأخبار الواردة في هذا المجال ما يظهر منه اعتبار الشروع من الزوال، بحيث كان دخول وقت الظهرين مقارناً لاعتبار الوقوف ودخول وقته. بل ظاهر جملة منها يعطي ما يغاير المشهور، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) المفصلة الطويلة المشتملة على بيان كيفية حج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع، المتضمنة لقوله (عليه السلام) : حتى انتهوا ـ إلى النبي ومن كان معه ـ إلى نمرة وهي بطن عرفة بحيال الاراك فضربت قبته وضرب الناس اخبيتهم عندها، فلمّا زالت الشمس خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم، ثم صلّى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ثم مضى إلى الموقف فوقف به، الحديث.(1)
ودلالتها على عدم وجوب الكون في الموقف من الزوال واضحة ظاهرة، واحتمال كون نمرة موضعاً آخر في عرفة ـ كما في الجواهر ـ خلاف الظاهر جدّاً وخصوصاً مع قوله (عليه السلام) : «ثم مضى إلى الموقف فوقف به» كما هو ظاهر.
وصحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنما تعجل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدّعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة، ثم تأتي الموقف، الحديث.(2)
ورواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لا ينبغي الوقوف تحت الاراك، فأمّا
- (1) وسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثاني. ح4.
- (2) وسائل: أبوب إحرام الحج والوقوف بعرفة، الباب الرابع عشر، ح1.
(الصفحة 75)
النزول تحته حتى تزول الشمس وينهض إلى الموقف، فلا بأس.(1)
وصحيحة ثالثة لمعاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) (في حديث) قال: فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة، ونمرة هي بطن عرفة دون الموقف ودونن عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصلّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين فإنما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة. وحدّ عرفة من بطن عرفة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز وخلف الجبل موقف.(2)
اقول: المهمّ في المقام ان ملاحظة الكلمات والعبارات وخصوصاً الكتب المؤلّفة بيان المسائل الخلافية التي وقع فيها الإختلاف بين فقهاء الشيعة ـ ككتاب مختلف الشيعة للعلامة الحلّي الموضوع لهذه الجهة ـ ترشد إلى أنّ هذه المسألة بهذه الكيفية الراجعة إلى الإختلاف في المبدأ من حيث كونه هو الزوال أو بعده بمقدار ساعة ـ مثلا ـ تكون ظرفاً للغسل والجمع بين الصلاتين بأذان واحد وإقامتين والذهاب إلى الموقف للوقوف، لم تكن محلّ خلاف بين الفقهاء أصلا بحيث كانت الشهرة على الأوّل وجماعة على الثاني، خصوصاً مع الإتفاق على عدم مشروعية الوقوف قبل الزوال ومشروعيّته بعده. فيقوى في النظر إنّ التعرض لعنوان الزوال في المبدأ مع انك عرفت انه لم ينص عليه في شيء من الروايات الواردة في هذا المجال لا يكون مشابهاً لاعتباره في دخول وقت صلاتي الظهر والعصر. فإنّ اعتباره بالإضافة إليه إنّما
- (1) وسائل: أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة، الباب الرابع عشر، ح7.
- (2) وسائل: أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة، أورد صدرها في الباب التاسع، ح1، وذيلها في الباب العاشر، ح1.