(الصفحة 80)
كفاية المسمّى في الاتيان بالواجب لا في مقابل التأخير عنه بالمقدار اليسير المذكور. كما أن الحكم باستحباب الجمع في عرفة يكون المراد به هو الإستحباب في عرفة وما يقاربها مثل النمرة في مقابل منى والأمكنة البعيدة عن عرفات. والشاهد عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع على ما عرفت. وقد تحصل مما ذكرنا انه لا مجال لدعوى اعتبار الزوال بمعناه الحقيقي الراجع إلى عدم جواز التأخير عنه. ونسبة صاحب المدارك ذلك إلى الأصحاب ـ إن لم يكن مراده ما ذكرناه ـ يرد عليها وضوح انه لم يكن عنده كلمات أخرى للاصحاب، غير ما نقلنا عنهم ومثله وكيف تصح هذه النسبة مع قول صاحب الرياض انه ينبغي القطع بفساد هذا اقول ولم ينقل إلاَّ عن واحد أو اثنين ـ كما عرفت ـ.
ومع ذلك يكون مقتضى الإحتياط الإستحبابي ـ كما في المتن ـ رعاية اوّل الزوال خصوصاً مع وضوح مشروعية الوقوف من حين الزّوال وعدم مشروعيته قبله ـ كما في صلاتي الظهر والعصر ـ وإن كان الأفضل تأسّياً بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع وامتثالا للأمر المحمول على الاستحباب جزماً في بعض الروايات هو التأخير بالكيفية التي فعلها (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وهل يجوز التأخير من دون الكيفية المزبورة الراجعة إلى النزول في نمرة حتى تزول الشمس ثم الغسل والجمع بين الصلاتين بأذان واحد وإقامتين، كما إذا تأخرت حركته من مكة إلى زمان يعلم بالورود في عرفات بعد ساعة من الزوال، أم كان جواز التأخير مختصّاً بما إذا كان مراعياً للكيفية المزبورة، فلا يجوز التأخير بغير تلك الكيفية الظاهر هو الأوّل ـ كما في المتن ـ حيث نفى البعد عن جواز التأخير بمقدار
(الصفحة 81)
الصلاتين، وظاهره التأخير بهذا المقدار وإن لم يصلّهما وإن كان مقتضى الإحتياط هو الثاني. نعم ينبغي اضافة مقدار الغسل قبل الصلاتين للتصريح به في جملة من الرّوايات.
هذا وأما التأخير إلى وقت العصر فلا يجوز لعدم دلالة شيء من الرّوايات على جوازه، بل ظهور جملة منها في لزوم إتيان الموقف بعد الأعمال المذكورة بلا فصل. نعم بناء على كون الواجب من الوقوف مطابقاً للركن وهو المسمّى يجوز التأخير إليه فاللازم إحالة هذا البحث إلى المسألة الثالثة الآتية الموضوعة لهذا البحث، فانتظر. هذا تمام الكلام بالإضافة إلى المبدأ.
وأمّا المنتهى فلا خلاف في أنه هو الغروب الشرعي. ويدل عليه نصوص مستفيضة مثل:
صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) إن المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس، فخالفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأفاض بعد غروب الشمس.(1)
ورواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: إن كان جاهلا فلا شيء عليه وإن كان متعمّداً فعليه بدنة.(2)
ورواية ضريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس. قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام
- (1) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة، الباب الثاني والعشرون، ح1.
- (2) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة الباب الثالث والعشرون ح1.
(الصفحة 82)في المراد بالوقوف
مسألة 2 ـ المراد بالوقوف مطلق الكون في ذلك المكان الشريف من غير فرق بين الركوب وغيره والمشي وعدمه. نعم لو كان في تمام الوقت نائماً أو مغمى عليه، بطل وقوفه. [1]
ثمانية عشر يوماً بمكة أو في الطرى أو في أهله.(1) هذا وقد تقدّم التحقيق في ماهيه الغروب الشرعي وحقيقته في باب اوقات الصلاة، فراجع.
[1] وقع التعرض في هذه المسألة لأمرين:
أحدهما: إن المراد بالوقوف الواجب في عرفات أعم من الرّكن وغيره، هو مطلق الكون في ذلك المكان الشريف. سواء كان راكباً أم غيره، وسواء كان ماشياً أم لم يكن. والدليل عليه استمرار السيرة القطعية العملية من المسلمين جميعاً على عدم الاستمرار على الحالة التي كانت عليها عند الشروع في الوقوف والذهاب إلى قضاء حوائجهم المختلفة وصرف الوقت في الصلاة المركبة من حالات مختلفة وغيرها من الحالات، فيدل ذلك على أن المراد بالوقوف ماذكرناه في المتن.
وثانيهما: إنه لو كان في تام الوقت نائماً أو مغمى عليه، يكون وقوفه باطلا. والسرّ فيه إنّ الوقوف الواجب لابد وأن يكون مستنداً إلى الفاعل وصادراً عن إرادة واختيار، وهو لا يتحقق مع كونه نائماً في جميع الوقت ومن الزوال إلى الغروب أو مغمى عليه كذلك وإن كان قبله عازماً على الوقوف وناوياً لإتيانه مع جميع الشرائط المعتبرة في عبادته مثل قصد القربة في ظرفه الزماني، إلاَّ أنه مع استيعاب
- (1) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة الباب الثالث والعشرون ح3.
(الصفحة 83)في أن الركن مسمّى الوقوف
مسألة 3 ـ الوقوف المذكور واجب، لكن الركن منه مسمّى الوقوف ولو دقيقة أو دقيقتين، فلو ترك الوقوف حتى مسمّاه عمداً، بطل حجّه. ولكن لو وقف بقدر المسمّى وترك الباقي عمداً، صحّ حجّه وإن أثم. [1]
النوم أو الإغماء ـ كما لا يخفى ـ.
[1]
قد مرّ في المسألة الأولى انّ مبدأ الوقوف الواجب ليس هو الزوال بمعناه الحقيقي، بل يجوز التأخير بمقدار ساعة تقريباً. وظاهر الروايات المتقدمة هناك لزوم الشروع بالوقوف بعد المقدار المذكور. لكنه ذهب جملة من الفقهاء إلى عدم إختلاف الواجب والركن في باب الوقوف وانه في كليهما هو المسمّى واسم الحضور. وقد استدلّ صاحب الرياض في ذيل كلامه المتقدم بالأصل النافي للزائد بعد الإتفاق على كفاية المسمّى في حصول الركن منه وعدم اشتراط شيء زائد منه فيه مع سلامته عن المعارض سوى الأخبار المزبورة ودلالتها على الوجوب غير واضحة. وأمّا ما تضمن منها الأمر بإتيان الموقف بعد الصلاتين فلا تفيد الفورية. ومع ذلك منساق في سياق الأوامر المستحبة. وأمّا ما تضمن منها فعله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكذلك بناء على عدم وجوب التأسي، وعلى تقدير وجوبه في اعبادة فإنما غاية الوجوب الشرطي لا الشرعي وكلامنا فيه لا في سابقه للإتفاق ـ كما عرلفت على عدمه ـ.
ولكن الظاهر، إن المتفاهم العرفي من النصوص والروايات المزبورة وجوب الإتيان إلى الموقف بعد الفراغ عن الصلاتين مع الجمع بينهما. ودعوى عدم كونه مفيداً للفورية أو عدم ظهوره في الوجوب مندفعة بفهم العرف في خصوص المقام.
(الصفحة 84)
ويؤيّده فهم المشهور منها ذلك. بل قد عرفت أن صاحب المدارك اعتبر الوقوف من أوّل الزوال ناسباً له إلى الأصحاب وأن تقدم توجيه كلامه وتفسير مرامه، مع انه لا خلاف ظاهراً في حرمة الإفاضة قبل الغروب وثبوت الكفارة عليها مع التعمّد. وهذا الحكم لا يجتمع مع كون الواجب هو المسمّى كالركن، لأن الإفاضة مسبوقة بتحقق الواجب حينئذ فلا وجه للحرمة واحتمال كونها حكماً آخر غير وجوب الوقوف، بحيث كان هناك حكمان مستقلان غير مرتبطين لا مجال له أصلا ـ كما هو أوضع من أن يخفى حكمه ـ.
نعم يقع بعد ذلك في أمرين:
الأوّل: إنه لا مجال لاحتمال كون جميع أجزاء الوقوف الواجب ركناً بحيث كان الإخلال بشيء منه عمداً موجباً لبطلان الحج بناء على ما مر مراراً من تفسير الركن في باب الحج ومغايرته مع الركن في باب الصلاة، والدليل على بطلان هذا الإحتمال الروايات التي تقدم بعضها في ذيل المسألة الأولى الدالة على أنّ الإفاضة من عرفات قبل الغروب عمداً يترتب عليه الكفارة. ومعناها عدم كونه موجبة لبطلان الحج مع أنه لو كان الوقوف الركني شاملا لجميع أجزاء الوقت المذكور لكانت الإفاضة العمدية موجبة لبطلان الحج وعدم تماميته. فهذه الروايات شاهدة على عدم كون الركن شاملا لجميع أجزاء الوقت ـ كما هو ظاهر ـ.
الثاني: إنه لا مجال لاحتمال أنه لا يتصف الوقوف بعرفة بالركنية أصلا، بحيث كان واجباً غير ركني ويدل على الإتصاف بالركنية في الجملة مضافاً إلى ما رواه العامّة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويوجد مثله في عض روايات الخاصة، إنه قال: «الحجّ عرفة» فإنّه