(الصفحة 85)
لامصحح لهذا التعبير بدون الإتصاف بالركنية. كذلك ماورد بطريق صحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه قال: «أصحاب الاراك لا حج لهم» مثل ما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الموقف ارتفعوا عن بطن عرنة، وقال: «أصحاب الأراك لا حجّ لهم».(1)
وفي رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا وقفت بعرفات فادن من الهضاب «الهضبات» والهضاب هي الجبال. فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إن أصحاب الأراك لا حج لهم» يعني الذين يقفون عند الأراك.(2)
فإن الأراك من حدود عرفة، وحدود عرفة كلها خارجة عنها. فالحكم بنفي الحج لأصحاب الأراك الظاهر في بطلان حجهم لا يجتمع إلاَّ مع كون الوقوف ركناً في الجملة مؤثراً في البطلان مع الإخلال به ـ كما لا يخفى ـ.
- (1) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف، الباب التاسع عشر، ح10.
- (2) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف، الباب التاسع عشر، ح11.
(الصفحة 86)في الإفاضة من عرفات قبل الغروب
مسألة 4 ـ لو نفر عمداً من عرفات قبل الغروب الشرعي وخرج من حدودها ولم يرجع، فعليه الكفارة ببدنة يذبحها الله في أيّ مكان شاء. والأحوط الأولى أن يكون في مكّة، ولو لم يتمكن من البدنة صام ثمانية عشر يوماً. والأحوط الأولى أن يكون على ولاء. ولو نفر سهواً وتذكّر بعده يجب الرجوع، ولو لم يرجع أثم ولا كفارة عليه وإن كان أحوط، والجاهل بالحكم الناسي، ولو لم يتذكّر حتى خرج الوقت، فلا شيء عليه. [1]
[1]
لا شبهة في أن الإفاضة من عرفات قبل الغروب الشرعي لا توجب بطلان الحج وفساده وإن كان متعمّداً في ذلك ولم يرجع إليها وأمّا بالإضافة إلى الكفارة فتارة تكون الإفاضة عمداً وأخرى جهلا وثالثة سهواً.
ففي الصوره الأولى قد نفى صاحب الجواهر (قدس سره) وجدان الخلاف في ثبوت الكفارة فيها، بل عن المنتهى إنه قول عامة أهل العلم إلاَّ من مالك، فقال: لا حجّ له، وقال: ولا نعرف أحداً من أهل الأمصار قال بقوله.
ويدل على ثبوت الكفارة روايات متعدّدة، مثل:
صحيحة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: إن كان جاهلا فلا شيء عليه وإن كان متعمّداً فعليه بدنة.(1)
وصحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن رجل أفاض من
- (1) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف، الباب الثالث والعشرين. ح1.
(الصفحة 87)
عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في الطريق أو في أهله.(1) وبعض الروايات الآخر والصحيحة الأولى الظاهرة في اختصاص الكفارة بالمتعمد مقيدة للصحيحة الثانية الظاهرة في إطلاق ثبوت الكفارة ـ كما هو ظاهر ـ.
والمحكي عن الصدوقين إن الكفارة شاة، ولم يعرف لهما مستند. نعم في محكي الجامع نسبه إلى الرواية، وعن خلاف الشيخ (قدس سره) إنّ عليه دماً، للإجماع والإحتياط وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خبر ابن عبّاس: من ترك نسكاً فعليه دم، وتمسكه بالإحتياط يشعر بأنّه في مقابل من لم يوجب عليه شيئاً من العامة، فلا يكون مراده من الدم خصوص الشاة، كما هو المنصرف إليه من اطلاق الدم في باب كفارات الحجّ. وكيف كان فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى الروايات الصحيحة الظاهرة في ثبوت خصوص البدنة، وفي الصورة الثانية ـ وهي صورة الجهل ـ يكون مقتضى النص والفتوى عدم ثبوت الكفارة.
وفي الصورة الثالثة ـ وهي صورة النسيان ـ فالمشهور إن حكمها حكم الصورة الثانية وانّه لا شيء على الناسي كالجاهل. وعن الحدائق الإستشكال في الإلحاق نظراً إلى أن حكم الناسي غير مذكور في الرواية. والالحاق لا دليل عليه ولا مانع من اختصاص الحكم بالجاهل. لأنه أعذر. والناسي بسبب علمه سابقاً غفلته لاحقاً لا يساوي الجاهل الذي لم يتلبس بالعلم أصلا. ولذا ورد النص على وجوب قضاء الصلاة على ناسي النجاسة دون الجاهل بها.
- (1) وسائل: أبواب احرام الحج والوقوف، الباب الثالث والعشرين، ح3.
(الصفحة 88)
ويرد عليه أوّلا ان المراد من المتعمد الذي معناه هو صدور الفعل عنه عن عمد وقصد وإرادة وإختيار، هل هو الذي أفاض قبل الغروب مع قصد الإفاضة وإرادتها في مقابل من أفاض جبراً بلا إرادة وإختيار؟ أو أن المراد منه هو الذي يكون قاصداً للمخالفة ومريداً لها. فعلى الأوّل لا يصح التقابل بينه وبين الجاهل لأنه أيضاً يفيض عن قصد وعمد. غاية الأمر إنه لايكون عالماً بالحرمة، فالمقابلة شاهدة على بطلان هذا الإحتمال، وعلى الثاني يكون الناسي داخلا في الجاهل، لعدم كونه قاصداً للمخالفة بعد فرض النسيان والغفلة عن حرمة الإفاضة كلاًّ. بل الناسي لأجل الغفله يكون أولى من الجاهل في هذه الجهة ـ كما هو ظاهر ـ.
وثانياً انه لو سلم عدم التعرض في الصحيحة لحكم الناسي، يكون مقتضى حديث رفع الخطأ والنسيان عدم وجوب الكفارة على الناسي. ومما ذكرنا ظهر أن الأصل في عدم ثبوت الكفارة بمقتضى الرواية هو الجاهل والناسي ملحق به، بخلاف ماهو المذكور في المتن. ثم إن ظاهر الصحيحة لزوم كون نحرها يوم النحر الذي هو يوم العيد الأضحى الذي يكون الحاجّ فيه بمنى لأجل أعماله ومناسكه. ومقتضى مناسبة الحكم والموضوع التي يفهمها العرف، ان مكانه أيضاً هو منى، خصوصاً مع التعبير عن العيد بيوم النحر. وعليه فلو لم يكن الذبح يوم العيد وفي منى أقوى من حيث الفتوى، فلا شبهة في أنه مطابق للإحتياط الوجوبي، فتدبّر.
ثم الظاهر بملاحظة صحيحة ضريس ـ مع قطع النظر عن بعض الروايات الواردة في مطلق الصوم المتعدد من جهة اعتبار التتابع والتوالي وعدمه المبحوث عنها في كتاب الصوم ـ عدم إعتبار التوالي في صيام ثمانية عشر يوماً وأن اللازم
(الصفحة 89)
رعاية نفس العدد المزبور من دون فرق بين الإتّصال والإنفصال. ودعوى الإنصراف إلى التتابع ممنوعة جداً. كما في مثله من الأمور العادية، فإنه لو أمر الطبيب مريضه بالمشي كل يوم ساعتين لا يستفاد منه إلاَّ لزوم المشي فيهما من دون أن يكون منصرفاً إلى اعتبار التوالي بينهما. نعم رعاية الإحتياط الإستحبابي لا.
بقى الكلام في النّاسي من جهة أنه لو لم يتذكر بعد الإفاضة حتى خرج الوقت ودخل الغروب فلا شيء عليه أصلا. وأمّا لو تذكر قبل الخروج بنحو لو رجع إلى عرفات يدرك مقداراً من الوقت قبل الغروب فلا إشكال بمقتضى ما ذكرنا من وجوب الإستيعاب وأن دائرة الواجب في الوقوف أوسع من دائرة الركن الذي هو المسمّى في وجوب الرجوع إلى عرفات لدرك ذلك المقدار من الوقت. فإن امتثل وأتى بالواجب فلا إشكال. وإن خالف ولم يرجع فلا شبهة في تحقق الإثم واستحقاق العقوبة على مخالفة التكليف الوجوبي. وهل يجب عليه الكفارة لأجلها أم لا؟ حكي عن المسالك إنه يكون كالعامد في لزوم الدمّ.
ولكنّه ممنوع، لأن الكفارة لا تكون مترتبة على مخالفة التكليف الوجوبي المتعلق بالوقوف، ولا يكون اللازم ثبوت الكفارة على من ترك الوقوف بعرفات عمداً، عدا لحظة منه قبل غروب الشمس. مع أنه من الواضح خلافه، بل تكون مترتبة على عنوان الإفاضة المحرّمة قبل الغروب، والمفروض أن الإفاضة لا تكون محرمة بالإضافة إلى الناسي. غاية الأمر إنه كان الرجوع إلى عرفات واجباً عليه في هذه الصورة. وقد تحققت المخالفة بالنسبة إلى هذا التكليف. ولم يدل دليل على ايجابه للكفارة. لكن مقتضى الإحتياط الإستحبابي رعايتها.