(الصفحة 148)
المزدلفة فوتها بجميع أنواعها الثلاثة. وعليه فمقتضى إطلاق الصحيحة ان فوت المزدلفة موجب لفوت الحج وإن أدرك اختياري عرفة. وكذا يدل على البطلان الروايات الدالة على ان ادراك المشعر إمّا قبل طلوع الشمس وإمّا إلى زوال الشمس موجب لإدراك الحج. وقد تقدم نقل جملة منها. فإن المستفاد منها ان عدم ادراكه كذلك يوجب عدم ادراك الحج من دون فرق بين صورة درك اختياري عرفة وصورة عدمه. ولا مجال لما في الجواهر من وجوب تخصيص ذلك كلّه، بغير الجاهل الذي وقف اختياري عرفة الملحق به الناسي والمضطرّ بعدم القول بالفصل.
نعم لا وجه للاستناد على البطلان بما ورد في بعض الروايات من أن الوقوف بالمشعر فريضة والوقوف بعرفة سنّة.(1) بعد كون المراد من السنّة فيه ما ثبت وجوبه بغير الكتاب لا المستحبّ.
كما أنه لا مجال للاستدلال على الصحة بالنبوي العامي: الحج عرفة بعد عدم إعتباره وكذا بما ورد في بعض ما روى من طرقنا من أن الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار بعد دلالة الروايات الكثيرة الصحيحة على أن الحج الأكبر يوم الأضحى. وفي بعضها التصريح بعدم كونه عرفة. والعمدة في الدليل على الصحة بعض الروايات الخاصة، مثل:
مرسل محمد بن يحيى الخثعمي عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) فى من جهل ولم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتى منى. قال: يرجع. قلت: إن ذلك قد فاته:
- (1) وسائل: أبواب احرام الحج. الباب التاسع عشر. ح11.
(الصفحة 149)
فقال: لا بأس به.(1)
وصحيح محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتى منى. قال: ألم ير الناس ألم ينكر (يذكرخ ل) منى حين دخلها؟ قلت: فإنه جهل ذلك. قال: يرجع. قلت: إن ذلك قد فاته. قال: لا باس به.(2)
هذا و الظاهر اتحاد الروايتين مع كون الراوي هو محمد بن يحيى الخثعمي و كون الراوي عنه هو محمد بن أبي عمير، لأنه من البعيد جدّاً رواية ابن يحيى تارة بنحو الارسال و أخرى بدون الواسطة. فالرواية واحدة مرددة بين الإرسال و غيره و لاتكون معتبرة مع هذه الكيفية. نعم لامجال للمناقشة في دلالتها بعد ظهورها في درك وقوف اختياري عرفة و فوت وقوف المشعر مطلقاً. و مجرد العبور منه لايكفي بعد كون الوقوف عبادة تحتاج إلى النية و سائر الأمور المعتبرة.
ورواية محمد بن حكيم التي رواها عنه الشيخ والصدوق بطريق صحيح والكليني في أحد النقلين كذلك وبسند ضعيف فيه سهل بن زياد في النقل الآخر. قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) أصلحك الله، الرجل الأعجمي والمرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مرّ بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعاً، قال: أليس قد صلّوا بها فقد أجزأهم. قلت: فإن لم يصلوا. فقال: فذكروا الله فيها، فان كانوا ذكروا الله فيها فقد اجزاهم.(3) هذا ولكن محمد بن حكيم لم يوثق وغاية ما ورد فيه انه كان مأموراً من قبل أبي الحسن (عليه السلام) بالجلوس في مسجد المدينة
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر. الباب الخامس والعشرون. ح3.
- (2) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر. الباب الخامس والعشرون. ح 5 .
- (3) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس والعشرون، ح 6 .
(الصفحة 150)
والمناظرة مع الناس في المسائل الكلامية ولا مجال لدعوى الإنجبار باستناد المشهور إلى هذه الرواية بعد كون المستفاد منها اعتبار أمرين في الصحة في المورد المفروض. أحدهما: العبور من المشعر بعد الافاضة من عرفات وثانيهما: الصلاة في المشعر أو ذكر الله فيه ولا يوجد شيء من القيدين في كلام المشهور. بل ـ كما قال صاحب الجواهر (قدس سره) ـ لم يجده قولاً لأحد من الأصحاب حتى المتأخرين ومتأخريهم إلاّ صاحب الذخيرة حيث اعتبر في الصحة في الفرض ذلك.
مع أنه يستفاد من الرواية ان المراد من ذكر الله المأمور به في قوله تعالى:
(فاذكروا الله عند المشعر الحرام) هو معناه الظاهر الشامل للصلاة ومطلق الذكر مع ان الظاهر ان المراد به هو الوقوف الذي هو امر عبادي متقوم بالقصد المتوقف على تشخيص المشعر وعليه فلا مجال للأخذ بالرّواية.
ودعوى ان استناد المشهور إلى رواية ابن يحيى جابر لضعفها الناشيء عن التردّد بين الارسال وغيره مدفوعة بأن استناد المشهور إليها إن كان مرجعه إلى ترجيحها على الروايات الدالة على ان فوت المزدلفة موجب لفوت الحج، بمعنى الإعراض عنها فملاحظة كلماتهم تقتضي بخلافه، وانهم لم يعرضوا عنها بوجه وإن كان مرجعه إلى الجمع الدلالي; فقد عرفت عدم إمكانه. فاللازم أن يقال: بعدم تمامية دليل القول بالصحة، وانّ الأحوط لو لم يكن أقوى هو البطلان ـ كما في المتن ـ .
(الصفحة 151)9- في درك اضطراري عرفة خاصة
التاسع: درك اضطراري عرفة فقط. فالحج باطل. [1]
10- في درك اختياري المشعر خاصة
العاشر: درك اختياري المشعر فقط. فصّح حجّه إن لم يترك اختياري عرفة متعمّداً، وإلاّ بطل. [2]
[1] في الدروس أنه غير مجز قولاً واحداً وعن الذخيرة لا أعرف فيه خلافاً، وعن جماعة الإجماع عليه وما يشعر به عبارة المفاتيح من النسبة إلى الشهرة مشعرة بوجود خلاف فيه في غير محله. والوجه في البطلان على تقدير القول بالبطلان في درك اختياري عرفة خاصة ـ كما رجّحناه ـ واضح. وعلى تقدير القول بالصحة هناك ـ كما اختاره المشهور ـ فالوجه في البطلان هنا عدم شمول شيء من ادّلة الصحة للمقام من دون فرق بين النبوّي الحج عرفة أو الحج الأكبر الموقف بعرفة لظهورهما في الوقوف الإختياري، وبين الروايات الخاصة المتقدمة الظاهرة في الإختياري.
[2] نفى الإشكال في الصحة هنا صاحب الجواهر وفي محكي الدروس إنه خرج الفاضل وجهاً بإجزاء إختياري المشعر وحده دون اختياري عرفة، والدليل على الصحة في هذا القسم مضافاً إلى أنه لا خلاف فيه، دلالة جملة من الروايات المتقدمة على أن إدرك المشعر قبل طلوع الشمس إدراك للحجّ أو أن إدراكه قبل زوال الشمس موجب لإدراكه ولا يعارضها في هذه الجهة شيء. وفي رواية محمد بن فضيل المتقدمة في الجواب عن سؤال الحدّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج. قال (عليه السلام) : إذا أتى جمعاً والناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد ادرك الحج ولا
(الصفحة 152)11 و 12- في درك اضطراري المشعر فقط
الحادي عشر: درك اضطراري المشعر النهاري فقط. فبطل حجّه. [1]
الثاني عشر: درك اضطراريه الليلي فقط، فإن كان من أولى الأعذار ولم يترك وقوف عرفة متعمّداً صحّ على الأقوى، وإلاَّ بطل. [2]
عمرة له. الحديث.(1) ومن الظاهر خصوصاً بملاحظة السؤال عدم تقييده بما إذا ادرك الوقوف بعرفة، فمقتضاه إن إدراك الإختياري من المشعر يكفي لإدراك الحج. فلا شبهة في هذا القسم.
[1] قد مرّ البحث عن هذا القسم في شرح البحث عن القسم السابع وتقدم انّ الظاهر فيه الصحة، خلافاً لما في المتن الموافق للمشهور. فراجع.
[2] الصحّة فيما إذا كان من أولى الأعذار ولم يترك وقوف عرفة متعمداً، فلأجل أنّه لا يكون ترك الوقوف بعرفة مستنداً إلى التعمد حتى يستلزم البطلان. والمفروض من أولى الأعذار الذين رخص لهم النفر قبل طلوع الفجر من المشعر، وعليه فمنشأ البطلان لا بد وأن يكون إمّا عدم الترخيص والفرض خلافه لأنه من أولى الأعذار ولا مجال لاحتمال كون الترخيص مختصّاً بمن ادرك الوقوف بعرفة فانه خلاف اطلاق ادلة الترخيص مع ورودها في مقام البيان وعدم اشعار في شيء منها بصورة ادراك عرفة. وإمّا عدم كون الترخيص مستلزماً للصحة. ومن الظاهر ثبوت الإستلزام، فإنه لا يكون الترخيص الخالي عن الحكم بالصحة ممّا له وجه. فلا بد من الإلتزام باستلزام الترخيص للحكم بالصّحة، فلا شبهة فيه مع وجود هذين القيدين.
- (1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث والعشرون، ح 3 .