(الصفحة 217)
والظاهر من المتن بملاحظة الإحتياط الوجوبى أنه لم يظهر له من الدليل و هى الصحيحة شىء من الإطلاق و عدمه مع أن الظاهر ثبوت الإطلاق لها و لازمه الانتقال إلى البدل و ارتفاع الحكم بلزوم الهدى في الأضحى، و إن كان المستفاد من صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، أن قوله تعالى:
(فما استيسر من الهدى) يدل على الإكتفاء بالميسور منه، لكنه مجرد استيناس لايقاوم الإطلاق الذي يدل عليه صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) فتدبّر.
الأمر الثاني: ماوقع التعرض له في صدر المسألة العاشرة الآتية و هو ما لو انكشف بعد شراء الهدى بعنوان أنّه تام خلافه و أنه ناقص والمحكّى عن الأكثر هو عدم الإجزاء مطلقاً، سواء ظهر النقص بعد نقد الثمن أو قبله أو بعد الذبح أو قبله، والدليل عليه صحيحة على بن جعفر (عليه السلام) بلحاظ كون موردها هذه الصورة حيث إنّه روى عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه سأل عن الرجل يشترى الأضحية عوراً فلا يعلم عورها الاّ بعد شرائها هل تجزى عنه؟ قال: نعم، إلا أن يكون هدياً واجباً فإنه لايجوز (ان يكون ظ) ناقصاً.(1)
فانّ مقتضى إنطباق الجواب على السؤال الحكم بعدم الإجزاء في الهدى في مورده الذى هو المقام، و مقتضى إطلاق السؤال و ترك الإستفصال في الجواب أنه لافرق في الحكم بعدم الإجزاء بين جميع صور المسألة المتقدمة و غيرها.
لكن هنا روايتان آخرتان صالحتان لتقييد إطلاق الصحيحة المتقدمة:
احديهما: صحيحة معاوية بن عمّار عن ابى عبدالله (عليه السلام) في رجل يشترى هدياً
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب الرابع والعشرون، ح 2.
(الصفحة 218)
فكان به عيب، عور أو غيره، فقال: إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه، و إن لم يكن نقد ثمنه ردّه و اشترى غيره، الحديث.(1)
والظاهر ان موردها صورة العلم بعدالشراء فتدل على التفصيل بين صورة نقد الثمن وصورة عدمه بالاجزاء في الأولى والرّد في الثانية، لأجل خيار العيب و عدم إجزاء المعيب في الهدي.
ثانيتهما: صحيحة عمران الحلبى عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال: من اشترى هدياً ولم يعلم انّ به عيباً حتّى نقد ثمنه ثم علم فقد تمّ.(2) والظاهر بلحاظ كون القيود مأخوذة في كلام الإمام (عليه السلام) في بيان موضوع الحكم بالاجزاء خصوصاً مع كونه مخالفاً للضابطة المستفادة من صحيحة علىّ بن جعفر (عليه السلام) هي مدخلية الجميع في الحكم المذكور. فكما أن نقد الثمن دخيل في الإجزاء، كذلك الإنكشاف بعد النقد فبملاحظة هذه الصحيحة يقيد اطلاق صحيحة على بن جعفر بالقيدين المذكورين هنا. و قد أفتى على طبقها الشيخ (قدس سره) في محكّي التهذيب.
ولكن الإشكال في أنّ فتوى المشهور على طبق رواية على بن جعفر (عليه السلام) والحكم بعدم الإجزاء بنحو الإطلاق، هل لأجل إعراضهم عن هاتين الروايتين فلا يبقى مجال للجمع الدلالي وبينهما و بينها؟ أو لأجل الجمع الدلالى بالحمل على بعض الوجوه كحمل الإجزاء على صورة عدم القدرة على استرجاع الثمن أو على الاضحية غير الواجبة. ولكن الظاهر هو الأول كما في الجواهر حتى ذكر أن الشيخ في
- (1) وسائل: ابواب الذبح، الباب الرابع والعشرون، ح 1.
- (2) وسائل: ابواب الذبح، الباب الرابع والعشرون، ح 3.
(الصفحة 219)فيما لو اعتقد السمن ثم انكشف الخلاف
مسألة 10 ـ لو ذبح فانكشف كونه ناقصاً أو مريضاً يجب آخر، نعم لو تخيل السّمن ثم انكشف خلافه يكفي، ولو تخيل هزاله فذبح برجاء السمن بقصد القربة فتبيّن عدمه يكفي، ولو لم يحتمل السّمن أو يحتمله لكن ذبح من غير مبالاة لابرجاء الإطاعة لايكفي. ولو اعتقد الهزال و ذبح جهلاً بالحكم ثم انكشف الخلاف فالأحوط الإعادة ولو اعتقد النقص فذبح جهلاً بالحكم فانكشف الخلاف فالظاهر الكفاية. [1]
غير التهذيب أعرض عنه.
[1] في هذه المسألة فروع متعددة:
الفرع الأول: ما لو ذبح فانكشف كونه ناقصاً أو مريضاً وقد تعرضنا له في الأمر الثاني من الأمرين المتقدمين في ذيل المسألة التاسعة.
الفرع الثاني: ما لو اعتقد السمن واشتراه مع هذه النية ثم انكشف الخلاف وانه كان مهزولا، وفيه صورتان:
الصورة الأُولى: ما لو كان انكشاف الخلاف بعد تحقق الذبح ظاهر النصوص والفتاوى بل صريحها هو الإجزاء وعدم لزوم هدي آخر، وهو القدر المتيقن من النصوص الواردة في هذا المجال، مثل:
صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (في حديث) قال: وإن اشترى أضحية وهو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، وإن نواها مهزولة فخرجت
(الصفحة 220)
سمينة أجزأت عنه، وإن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم يجز عنه(1).
ورواية منصور عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: وأن اشترى الرجل هدياً وهو يرى أنه سمين أجزأ عنه وإن لم يجده سميناً ومن اشترى هدياً وهو يرى أنه مهزول فوجده سميناً أجزأ عنه، وإن اشتراه وهو يعلم انّه مهزول لم يجز عنه(2).
ومرسلة الصدوق المعتبرة، قال: قال علي (عليه السلام) إذا اشترى الرجل البدنة عجفاء فلا تجزي عنه، وإن اشتراها سمينة فوجدها عجفاء أجزأت عنه، وفي هدي المتمتع مثل ذلك(3). فلا إشكال في الحكم بالاجزاء في هذه الصورة.
الصورة الثانية: ما لو كان الإنكشاف بعد الشراء وقبل الذبح. ظاهر إطلاق كلام الأصحاب الإجزاء في هذه الصورة، مثل عبارة المحقق في الشرايع، حيث قال: وكذا ـ يعني تجزي ـ لو اشتراها على أنها سمينة فخرجت مهزولة. ولكنه قيده في شرح الشرايع ببعد الذبح وقال في ذيل كلامه: «نعم لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجز لإطلاق عدم الإجزاء في الخبر السابق السالم عن المعارض بعد السياق ما بعد الذبح من الوجدان نصّاً وفتوىً...».
ومراده بالخبر السابق صحيحة محمد بن مسلم التي نقلها في صفحتين قبل ذلك هكذا عن أحدهما (عليهما السلام) سأل عن الاُضحية، فقال: أقرن فحل سمين عظيم الأنف والاُذن ـ الى أن قال: ـ أن اشترى اُضحية وهو ينوي إنها سمينة فخرجت مهزولة لم تجز عنه. وقال: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يضحي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في
- (1) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 1 .
- (2) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح2.
- (3) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح1.
(الصفحة 221)
سواد وينظر في سواد، فإذا لم يجدوا من ذلك شيئاً، فالله أولى بالعذر.
وأورد عليه بعض الأعلام (قدس سرهم) بأن ما نقله من صحيح محمد بن مسلم قد سهى في نقل متنه وخلط بين روايتين لمحمد بن مسلم وليس فيهما هذه الجملة ـ أي المشتملة على عدم الإجزاء ـ بل الموجود في الصحيحة أجزأت عنه. فالإستدلال بالصحيحة ساقط بالمرة.
والاعتراض عليه بأنه قد سهى في نقل متنه، وإن كان صحيحاً وارداً إلاّ أنه ليس لمحمد بن مسلم روايتان، بل رواية واحدة مفصلة قد قطعها صاحب الوسائل وأورد كل قطعة في الباب المناسب. وهي ما رواه في التهذيب بعد قوله في الاذن: والجذع من الضأن يجزي والثنى من المعز، والفحل من الضأن خير من الموجوء، والموجوء خير من النعجة، والنعجة خير من المعز. فقال: وإن اشترى اُضحية وهو ينوي انها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، وإن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه، وأن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم تجز عنه، وقال: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يضحي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في سواد وينظر في سواد، فإذا لم تجدوا من ذلك شيئاً فالله أولى بالعذر. وقال: الأناث والذكور خير من الإبل، والبقر يجزي، وسألته أيضحى بالخصي؟ فقال: لا(1).
وأما انسياق ما بعد الذبح من الوجدان فممنوع جدّاً، وإن كان ربما يؤيده أن المعيار في السمن على ما تقدم هو وجود الشحم على الكلية، وهو لا يعلم نوعاً إلاّ بعد الذبح، إلاّ أنه ليس بمثابة توجب الإنصراف فالإطلاق ثابت في النصوص