(الصفحة 222)
كالفتاوى.
الفرع الثالث: ما لو تخيل الهزال فتبين عدمه، وفيه صورتان أيضاً:
الاُولى: ما لو تخيل الهزال فذبح برجاء السمن بقصد القربة فتبين عدمه، وقد حكم في المتن في هذه الصورة بالكفاية والإجزاء الثانية ما لو لم يحتمل السمن أو احتمله لكن ذبح من غير مبالاة لا برجاء الإطاعة، وقد حكم فيه في هذه الصورة بعدم الكفاية. والأصل في هذا الفرع روايات متعددة أكثرها صحاح، مثل:
صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام) : وإن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه، ورواية منصور المتقدمة أيضاً المشتملة على قوله (عليه السلام) ومن اشترى هدياً وهو يرى أنه مهزول فوجده سميناً أجزأ عنه.
وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه، وأن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فانها لا تجزي عنه(1).
وصحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) وإن اشتريته مهزولا فوجدته سميناً أجزأك(2).
وبملاحظة هذه الروايات لا موقع للاشكال في أصل الحكم، إنما الإشكال في أنه إذا كان وجدان الخلاف وتبين كونه سميناً قبل الذبح يتمشى منه قصد القربة حال الذبح الذي يكون من مناسك الحج ويكون عبادة يعتبر فيها قصد القربة كما سيأتي
- (1) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 5.
- (2) وسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 6.
(الصفحة 223)
في بعض المسائل الآتية. وأما إذا لم يتبين الخلاف قبل الذبح بل بعده فكيف يتمشى منه قصد القربة مع اعتقاد الهزال، والعلم باعتبار عدمه في الهدي ولأجله حكى خلاف المشهور عن العماني، حيث إنه لم يقل بالإجزاء في أصل هذا الفرع.
وكيف كان فالروايات المتقدمة الظاهرة في الإجزاء هل تكون مخصصة لدليل عبادية الذبح في بعض الموارد وتكون حاكمة بعدم اعتبار قصد القربة في تلك الموارد؟ أو أنه لا مجال لدعوى عدم اعتبار العبادية ولو في بعض الموارد؟ والظاهر هو الثاني وعليه فكيف يجمع بين العبادية وبين الروايات الظاهرة في الإجزاء؟ يظهر من المتن إنه لابد من التصرف في مورد هذه الروايات، والحكم بأن موردها ما إذا اجتمع هناك خصوصيتان: إحديهما: عدم الاعتقاد الكامل بالهزال بحيث كان عالماً به من غير احتمال خلاف ولو كان ضعيفاً. ثانيتهما: الذبح برجاء المطلوبية الراجع الى الاكتفاء به على تقدير السمن وذبح هدي آخر على تقدير عدمه. ومع إنتفاء إحدى الخصوصيتين أو كلتيهما لا يحكم بالإجزاء، بل يجب هدي آخر.
ويمكن التصرف في الروايات بالحمل على صورة الإنكشاف قبل الذبح. لكن هذا التفصيل مخالف لجميع الفتاوى في هذا الفرع.
الفرع الرابع: ما لو اعتقد الهزال اعتقاداً يقينياً وذبح جهلا بالحكم، وانه يعتبر عدم المهزولية في الهدي ثم انكشف الخلاف وانه كان سميناً، وقد احتاط في المتن وجوباً بالاعادة وتكرار الهدي. والظاهر أنه لا سبيل إلى الإحتياط الوجوبي، بل لا يزيد عن الإحتياط الإستحبابي. وذلك لأن الخارج من مورد الروايات المتقدمة بعد انكشاف الخلاف وعدم الهزال ما لو كان الذبح الصادر فاقداً لوصف العبادية
(الصفحة 224)
وخالياً عن قصد القربة. وأما في المقام فحيث أنه كان الذبح مقروناً بالجهل بالحكم وإن كان معتقداً للهزال، فلا مانع من تمشى قصد القربة وحصوله. وعليه فالذبح قد وقع عبادة. والمفروض كونه سميناً واقعاً، فلا مجال للإرتياب في شمول الروايات المتقدمة الدالة على الإجزاء له. واقترانه باعتقاد الهزال والجهل بالحكم لا دليل على قدحه ومانعيته عن صحة الذبح بعنوان العبادية. وعليه فالظاهر هو الإجزاء وأن كان مقتضى الإحتياط الإستحبابي الإعادة، فتدبر.
الفرع الأخير: ما لو اعتقد النقص فذبح جهلا بالحكم، فانكشف الخلاف وانه يكون تامّاً خالياً عن النقص، وقد استظهر في المتن فيه الكفاية والإجزاء والوجه فيه أن شرطية التمامية وعدم النقص وإن كانت شرطية واقعية لا اعتقادية، ولذا ذكر في الفرع الأول أنه لو ذبح فانكشف كونه ناقصاً يجب آخر، إلاّ أن المفروض في المقام تحقق هذا الشرط وكون الحيوان تاماً بحسب الواقع. وحيث إنه كان جاهلا بالحكم حال الذبح ولم يكن عالماً باعتبار التمامية، فالذبح الصادر قد تحقق متصفاً بالعبادية ومقروناً بقصد القربة فالحيوان المذبوح واجد للشرط الواقعي و ذبحه مقرون بقصد القربة، فلا وجه لعدم الإكتفاء به إلاّ مجرد اعتقاد النقص والجهل بالحكم، وهما بعد عدم دلالة دليل على قدحهما أو قدح واحد منهما يكونان كالحجر في جنب الانسان، وعليه فالظاهر هي الكفاية كما في المتن.
(الصفحة 225)في انه يعتبر أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة
مسألة 11 ـ الأحوط أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة، والأحوط عدم التأخير من يوم العيد، ولو أخّر لعذر أو لغيره فالأحوط الذبح أيام التشريق وإلاّ ففي بقية ذي الحجة، وهو من العبادات، يعتبر فيه النية ونحوها، ويجوز فيه النيابة وينوي النائب والأحوط فيه نيّة المنوب عنه أيضاً، ويعتبر كون النائب شيعياً على الأحوط، بل لا يخلو عن قوة. وكذا في ذبح الكفارات . [1]
[1] قد وقع التعرض في هذه المسألة لاُمور:
الأمر الأول: الظاهر اعتبار أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة وأن جعله في المتن مقتضى الإحتياط الوجوبي. ويدل عليه مضافاً إلى الأخبار البيانية الحاكية لعمل النبي (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع الدالة على تأخر النحر عن الرمي، مع أن الغرض من حكايته بيان الحكم بهذه الصورة لا مجرد الحكاية والنقل بعض الروايات، مثل:
صحيحة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) إذا رميت الجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن أو البقر وإلاّ فاجعله كبشاً سميناً فحلا... الحديث(1). فإنها ظاهرة في ترتب اشتراء الهدي الذي يكون مقدمة لذبحه أو نحره على رمي جمرة العقبة يوم النحر.
وصحيحة سعيد الأعرج في حديث، أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن النساء، قال: تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فان لم يكن
- (1) وسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن، ح4.
(الصفحة 226)
عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن(1). وهي أيضاً ظاهرة في تأخر الذبح عن رمي الجمرة وانه مع عدم وجوبه تصل النوبة إلى التقصير.
وكذا الروايات الدالة على أن عدم رعاية الترتيب في صورة العذر لا يكون قادحاً في الصحة بوجه، وعليه فاعتباره إنما هو بنحو الفتوى.
الأمر الثاني: في جواز التأخير عن يوم العيد وعدمه وقد احتاط في المتن وجوباً بعدم التأخير، وأضاف اليه قوله «ولو أخّر لعذر أو لغيره فالأحوط الذبح أيام التشريق، وإلاّ ففي بقية ذي الحجة».
قال المحقق في الشرايع: ويجب ذبحه يوم النحر مقدماً على الحلق ولو أخّره أثم وأجزأ. وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز.
وقد ذكر في الجواهر في شرح الفقرة الاُولى: أن المسلّم منه كونه بمعنى عدم جواز تقديمه على يوم النحر الذي يمكن تحصيل الاجماع عليه كما ادعاه بعضهم. امّا عدم جواز تأخيره عنه فهو وإن كان مقتضى العبادة، لكن ستعرف القائل بالجواز صريحاً وظاهراً.
والقائل بالجواز صريحاً على ما ذكره بعده صاحب المصباح ومختصره حيث إن فيهما أن الهدي الواجب يجوز ذبحه ونحره طول ذي الحجة، ويوم النحر أفضل. والقول به ظاهراً محكي عن النهاية والغنية والسرائر، حيث عبّروا بالجواز الظاهر في الحكم التكليفي، ويحتمل أن يراد منه الإجزاء كما في الشرايع.
وكيف كان فالقائل بالتعين لا يقول به بنحو وحدة المطلوب، بل بنحو التعدد،
- (1) وسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع والثلاثون، ح2.