(الصفحة 291)
هذه الصورة، وهي ثلاث طوائف:
الاُولى: ما تدل بإطلاقها على ثبوت الصوم بعد مضي ذي الحجة بعد الرجوع إلى الأهل كرواية ابن مسكان المتقدمة المشتملة على قوله: فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. وغيرها من الروايات المتكثرة الدالة على ذلك. ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ذي الحجة وغيره.
الثانية: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم فعليه دم شاة وليس له صوم ويذبحه بمنى(1).
والمراد من عدم الصوم في ذي الحجة هو ترك الصوم المعهود الذي يجب إيقاعه فيه بمقتضى الآية والرواية، وليس هو إلاّ صيام الثلاثة لمن كان عاجزاً عن الهدي وغير واجد له. ومقتضى إطلاقه أنه لا فرق بين كون ترك الصوم عن علم وعمد وبين كونه عن نسيان وبين كونه لأجل بعض الأعذار الاُخر ـ كالحيض والنفاس ـ كما أن مقتضى إطلاقه أنه لا فرق بين كون ترك الصوم في مكة أو في الطريق أو بعد الرجوع إلى الأهل.
الثالثة: صحيحة عمران الحلبي، قال: سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله، قال: يبعث بدم(2). ولأجل هذه الصحيحة احتمل السبزواري اختصاص الحكم بالسقوط بالناسي بعد حمل الصحيحة المتقدمة عليه أيضاً.
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع والأربعون، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع والأربعون، ح3.
(الصفحة 292)
أقول: أما الإطلاقات، فالظاهر أنه لا مجال للاستدلال بها على المقام، بعد كونها واردة في مقام البيان من جهة اُخرى، وهي أنه لا خصوصية لمكة ولا للطريق في صيام الثلاثة من جهة المكان. بل يجب عليه الإتيان به بعد الرجوع إلى الأهل إذا لم يأت أو لم يتمكن من الإتيان به في مكة وفي الطريق.
وأما من جهة الزمان فلا تكون بصدد البيان من هذه الجهة أيضاً حتى يصح التمسك بها لوجوب الإتيان به بعد مضي ذي الحجة أيضاً. خصوصاً بعد ظهور الآية في اعتبار ظرفية الشهر المذكور ومعهودية ذلك عند المتشرعة والرواة. وعليه فلابد من ملاحظة الصحيحتين فقط، لعدم ارتباط الإطلاقات المذكورة بالمقام. فنقول:
أما الصحيحة الاُولى، فقد عرفت أن موردها مطلق يشمل جميع الصور ومفادها فوات وقت الصوم بخروج ذي الحجة وعدم الصيام فيه. وأما الصحيحة الثانية، فمورد السؤال فيها وإن كانت صورة النسيان، إلاّ أنه لا دلالة لها على الاختصاص بهذه الصورة والنفي في غيرها. فلا تنافي الصحيحة الاُولى المطلقة، ولا مجال في مثل ذلك لحمل المطلق على المقيد بعد عدم التنافي بينهما أصلا. ومنه يظهر الخلل فيما مر من السبزواري. وعليه فاللازم الحكم بالسقوط وأنه يجب عليه أن يبعث بدم.
نعم يمكن أن يقال أن هذا البعث إنما هو لأجل الكفارة ولا يكون هدياً. والشاهد عليه ان الهدي أعم من الشاة، لأنه يمكن أن يكون إبلا أو بقراً. وهذا بخلاف الكفارة، فإنه يتعين أن تكون هي الشاة. ولكن الظاهر خلافه ـ خصوصاً مع التعبير في صحيحة عمران الحلبي المتقدمة بدم لا بشاة ـ فالظاهر حينئذ هو ما اُفيد في المتن، فتدبر.
(الصفحة 293)مسألة 26 ـ لو تمكن من الصوم ولم يصم حتى مات يقضي عنه الثلاثة وليّه. والأحوط قضاء السبعة أيضاً . [1]
[1]
في المسألة أقوال:
أحدها: القول بعدم وجوب هذا القضاء على الولي مطلقاً، بل استحبابه. وهو المحكي عن الصدوق (رحمه الله) .
ثانيها: القول بوجوب القضاء مطلقاً الثلاثة والسبعة، وهو المحكي عن ابن إدريس وأكثر المتأخرين، وجعله المحقق في الشرايع أشبه.
ثالثها: القول بالتفصيل بالوجوب في الثلاثة دون السبعة، وهو المحكي عن الشيخ وجماعة وظاهر المحقق في الشرايع.
وقد ورد في المسألة مضافاً إلى الروايات العامة الواردة في قضاء الولي مطلقاً الدالة على أنه يقضي عنه أولى الناس بميراثه، روايتان خاصتان صحيحتان وإن وصفت إحديهما بالحسنة لكنها صحيحة على المختار.
إحديهما: رواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه سأله عن رجل تمتع بالعمرة ولم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة. ثم مات بعد ما رجع إلى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيام أعلى وليه أن يقضي عنه؟ قال: ما أرى عليه قضاء(1).
ثانيتهما: رواية معاوية بن عمار، قال: من بات ولم يكن له هدي لمتعته، فليصم عنه وليه(2).
- (1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن والأربعون، ح2.
- (2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن والأربعون، ح1.
(الصفحة 294)
والتحقيق أن يقال: ـ بعد عدم قيام الدليل على اشتراك الثلاثة والسبعة في الحكم ـ .
أما الثلاثة، فالظاهر وجوب القضاء على الولي بعد الموت والتمكن من الصوم وعدمه، ولو لأجل الجهل أو النسيان وأمثالهما. لدلالة الرواية الثانية عليه لظهور الأمر في الوجوب مضافاً إلى الأدلة العامة، ولا ينافيه الرواية الاُولى المعبرة بالنكرة مكان المعرف الظاهر في الإشارة إلى العهد الذكرى، لأنه مضافاً إلى أن موردها صورة الصيام لا تكون النكرة المزبورة ظاهراً بالظهور العرفي المعتمد عليه، بل غايته عدم وجوب قضاء صيام السبعة دون الثلاثة، مع أن الموت بمجرد الرجوع إلى الأهل وعدم التمكن في غاية البعد.
ومنه تعرف الوجه في أن مقتضى الجمع بين الروايتين عدم وجوب صيام السبعة.
(الصفحة 295)3 ـ الحلق أو التقصير
مسألة 27 ـ يجب بعد الذبح، الحلق أو التقصير ويتخير بينهما إلاّ طوائف:
الاُولى: النساء، فإن عليهن التقصير لا الحلق، فلو حلقن لا يجزيهن.
الثانية: الصرورة، أي الذي كان أول حجه، فإن عليه الحلق على الأحوط.
الثالثة: الملبد، وهو الذي ألزق شعره بشيء لزج ـ كعسل أو صمغ ـ لدفع القمل ونحوه، فعليه الحلق على الأحوط.
الرابعة: من عقص شعره، أي: جمعه ولفه وعقده، فعليه الحلق على الأحوط.
الخامسة: الخنثى المشكل، فإنه إذا لم يكن من إحدى الثلاثة الأخيرة يجب عليه التقصير، وإلاّ جمع بينه وبين الحلق على الأحوط . [1]
[1]
التعبير عنه بالتقصير فيه مسامحة واضحة، بعد تعين الحلق على بعض الطوائف، والتخيير بينه وبين التقصير ـ كما هو أصل الحكم ـ . نعم يستفاد من التعبير بالواجب أمران و أحدهما على سبيل المطابقة، هو الوجوب في مقابل الاستحباب الذي حكي عن الشيخ الطوسي (قدس سره) في تفسير التبيان وعن الشيخ الطبرسي في تفسير مجمع البيان الذي هو خلاصة التبيان.
والدليل على الوجوب مضافاً إلى النصوص المستفيضة الآتية الواردة في أحكام فروع المسألة هو ارتكاز المتشرعة وثبوت الوجوب عندهم كثبوت سائر أحكام