(الصفحة 2)
(الصفحة 3)مقدّمة المؤلّف دام ظلّه
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف بريّته وأفضل أنبيائه محمّد وعلى عترته وأهل بيته ، سيّما وليّ أمره وخاتم أصفيائه الحجّة بن الحسن المهدي روحي وأرواح العالمين له الفداء ، ولعنة الله على أعدائهم ومخالفيهم ، الذين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يُتمّ نوره ولو كره المشركون .
وبعد فممّا منّ الله سبحانه وتعالى على عبده الضعيف الذليل محمّد الموحدي الشهير بالفاضل ، إبن العلاّمة الفقيه الفقيد آية الله المرحوم الشيخ فاضل اللنكراني قدّس سرّه الشريف ، وحشره مع من يحبّه ويتولاّه من النبيّ والأئمّة الطاهرين ـ صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ـ أن وفّقه لشرح كتاب «تحرير الوسيلة» للاُستاذ الأكبر زعيم الاُمّة الإسلاميّة ، وقائد الثورة الدينيّة الإيرانية ، محيي الشريعة ، ومؤيّد الدين ، سيّد الفقهاء والمجتهدين ، آية الله العظمى الحاج السيّد روح الله الإمام الخميني ، أدام الله ظلاله الوارفة على رؤوس الاُمّة الإسلاميّة ، ومتّعهم ببقاء وجوده الشريف .
ولو أُريد الوقوف على شرح حاله وخصوصيّاته، وكيفيّة قيامه في مقابل الاستعمار ـ الذي أحاط بكلّ شيء وكلّ شأن وكلّ فرد من الشعب الإيراني ،
(الصفحة 4)
ومقابلته معه بحيث ساقه إلى الزوال وقطع اُصوله وفروعه ـ لاحتاج إلى تصنيف كتب متعدّدة ضخمة مشتملة على ما لم يكن معهوداً في التاريخ ، ولا موجوداً في الكتب، ولا مسموعاً من الألسن ، كيف؟ وقد قطع الطاغوت الحاكم على إيران بأصله وفرعه مع كونه مستظهراً بالقدرة الحاكمة على أكثر بلاد العالم ; وهي قدرة عظيمة جدّاً ، وكان ذلك في أقلّ من عشرين سنة مع طول تاريخ الاستعمار ، وعمدته ترجع إلى ما يقرب من الستين ، وقد حكم فيها الملعونان «رضاخان وابنه» . وكان الثاني أسوأ من الأوّل والأوّل أسوأ من الثاني ، ففي هذه المدّة الصعبة قد قطعت فروع الدين واحد بعد آخر بحيث كاد أن تقطع بتمامها ، والأُصول كانت مشرفة على الزوال والانقطاع ، ولو كانت الحكومة بهذه الكيفيّة مستمرّة إلى اثنتين أو ثلاث سنوات لم يبق من الإسلام حتى إسمه ، ولا من القرآن حتى رسمه .
كيف لا؟ وقد بدّل التاريخ الهجري الإسلامي الذي هو من أعظم شعائر الإسلام ومظاهر المسلمين إلى تاريخ الكفر والزندقة ، وأمر بقتل المتظاهرين من الشعب المسلم من الروحانيين وغيرهم، وجرحهم وإيذائهم وحبسهم وإقصائهم من بلادهم إلى بلاد بعيدة غير قابلة للإقامة والسكونة .
وفي اليوم الخامس والعشرين من شهر شوّال المكرّم سنة 1382 المصادف لوفاة الإمام السادس جعفر بن محمّد الصادق(عليهما السلام) ، حينما كانت المدرسة الفيضية المعروفة بقم المقدّسة ، التي هي مركز العلم ومعهد نشر المعارف الجعفرية والمآثر والعلوم النبويّة، مجتمعة فيها الطبقات المختلفة لإقامة العزاء على صاحب المذهب (عليه السلام)، فإذن تهاجم عليهم المأمورون من قبله ومعهم أنواع السلاح، فكم من مقتول ومضروب ومجروح، وقد أحرقوا العمائم والألبسة المقدّسة وكتب التفاسير والروايات والفقه وغيرها ، بل والمصاحف على ما هو المشهور .
(الصفحة 5)
ولم يتجاوز عن شيء ممّا يوجب ضعف الدين وتزلزل عقيدة المسلمين ، بل هيّأ جميع الوسائل المنتجة لذلك ، وأسّس أُصول التعليم والتربية التي هي الأساس لتمدّن كلّ قوم على مبنى الاستعمار ، والانحراف عن الدين والعقيدة الإسلاميّة ، بحيث قلّما يتّفق أن يتديّن من كان تعليمه وتربيته على منواله وأساسه .
وفي هذا الحال كان سعيه على تضعيف الروحانيين ، والفصل بينهم وبين الناس بتحقيرهم والتبليغ عليهم ، وإراءتهم على خلاف ما هم عليه من ترويج الشريعة وتبليغ الحقيقة ، وإرشاد الناس إلى كمالهم في الدنيا والآخرة ، مدّعياً للارتجاع فيهم ومضادّتهم للتمدّن والرقي والكمال والسعادة .
وبالنتيجة كان مطيعاً لدستور المستعمرين ، ومجرياً لأوامرهم ونظراتهم من دون تخلّف وعصيان ، وذلك لأجل توقّف حكومته عليه واشتراط بقائه به .
ولكن مع ذلك تفضّل الله سبحانه على الشعب بأن أيقظهم عن نومة الغفلة وعدم الالتفات التي كانوا فيها عشرات السنين ، وذلك ببركة الروحانية وإرشاداتهم في طول سنين متعدّدة بطرق مختلفة من مكتوب وبيان وغيرهما .
وكانت القيادة والزعامة في ذلك للإمام الخميني أدام الله ظلّه وأبقاه للإسلام والمسلمين ، فقد أظهر علمه بعد ظهور البدع ، وتحمّل لأجله مشاقّاً كثيراً من حبس وإقصاء من «قم» إلى «تركيا» ثمّ إلى «العراق»(1) . ثمّ إخراجه منه وسفره إلى
- (1) وفي أواخر إقامته في العراق ابتلي ببلاء عظيم تحمّله حقّ التحمّل ، وصبر عليه حقّ الصبر ; وهو وفاة قرّة عينه ونور بصره وثمرة فؤاده ، العالم المجاهد ، والفاضل الكامل ، الجامع للمعقول والمنقول ، صاحب التآليف القيّمة والتصانيف الثمينة ، صديقنا الأكبر آية الله الحاج السيد مصطفى الخميني قدّس سرّه الشريف ، وحشره مع أجداده الطاهرين ، صلوات الله عليهم أجمعين . ولم تُعلم علّة وفاته مع كونه صحيحاً سالماً عن كلّ مرض ، وقد لاقاه في ليلة وفاته جمع من أصدقائه معترفين بسلامته وعدم إحساسه للمرض بوجه . والمشهور أنّ العلّة هي دسيسة الحكومة الإيرانية الجائرة ، وأمره بعض عمّاله وأياديه بذلك ، ويؤيّده أ نّه قد لاقاه في أواسط الليلة المذكورة بعض من لم يعرف إلى الآن ، والحقّ سيظهر يوم القيامة والمحاكمة فيه أيضاً .
وكان المرحوم في رأس قائمة أصدقائي من أوّل اشتغالي بتحصيل العلوم الدينية ، وقد باحثت معه كتباً كثيراً من السطح ومباحث متعدّدة من الكتب الفقهيّة من الخارج ، ولعمري أ نّه كان في قوّة الذكاء وشدّة الاستعداد ، قليل النظير ، وفي التأليف والكتابة شديد التحمّل ، طيّب الله ثراه وأعطى الصبر الجميل والأجر الجزيل للمصابين به ، سيّما والده الإمام أبقاه الله للمسلمين والإسلام بحقّ النبيّ والأئمّة الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام .
(الصفحة 6)
«باريس» وإقامته فيها مدّة ، ولكنّه في جميع تلك المدّة التي تزيد على خمس عشرة سنة ، خصوصاً في أيّام إقامته بـ«باريس» أيقظ الأُمّة وأرشد الشعب ، وكشف عن جنايات الحكومة والقدرة الحاكمة ، وهداهم إلى طريق المبارزة والقيام في مقابلها ، الذي هو الجهاد من المسلم في مقابل الكفر والزندقة .
ونتيجة تلك الإرشادات تنبّه الاُمّة وخروجهم عن الغفلة ، وتوجّههم إلى ما يجري عليهم حال المملكة من إحاطة الاستعمار على جميع شؤونها وجوانبها ، ونهب المخازن والمعادن والمنابع بأجمعها ، وفي المقابل فقر الاُمّة من جميع الجهات السياسيّة والاقتصادية والدينيّة وغيرها .
وبعد يقظتهم وقيامهم في مقابل الحكومة ، والمظاهرات المتعدّدة المتعاقبة الموجبة للضحايا المتكثّرة ، واستشهاد الذين يبلغ عددهم عشرات الآلاف ، انهدم نظام الحكومة وانفصمت أركان السلطنة ، بحيث اضطرّ من تقمّصها إلى الخروج من المملكة خروجاً لا رجوع بعده أبداً ، وبذلك اختتم دوران الاختناق والاستعمار ، ولكنّه مع ذلك كانت بقاياه مانعة عن تشكيل الحكومة الجمهورية