(الصفحة 243)[إذا قلّد مجهتداً من غير فحص]
مسألة17: إذا قلّد مجتهداً من غير فحص عن حاله، ثمّ شكّ في أنّه كان جامعاً للشرائط ، وجب عليه الفحص. وكذا لو قطع بكونه جامعاً لها ثمّ شكّ في ذلك على الأحوط . وأمّا إذا أحرز كونه جامعاً لها ، ثمّ شكّ في زوال بعضها عنه ـ كالعدالة والاجتهاد ـ لايجب عليه الفحص، ويجوز البناء على بقاء حالته الأُولى 1.
1 ـ الظاهر أنّ المراد من فرض المسألة ما إذا قلّد مجتهداً مع إحراز كونه واجداً لشرائط المرجعيّة من الاجتهاد والعدالة ونحوهما ، إمّا بالعلم الوجداني كما في الفرض الثاني ، أو بقيام البيّنة كما في الفرض الأوّل ، ثمّ بعد مضيّ برهة من الزمان شكّ في أ نّه هل كان عند تقليده واجداً للشرائط أم لا؟ وذلك لاحتمال خطئه في العلم باستجماعه للشرائط ، أو لظهور فسق البيّنة التي قامت عليه .
وقد حكم ـ دام ظلّه ـ في الفرض الأوّل بوجوب الفحص ; لأنّ البيّنة القائمة قد انكشف سقوطها عن الاعتبار بانكشاف فسق الشاهدين أو أحدهما ، وكما أنّ حدوث التقليد لابدّ وأن يكون مستنداً إلى قيام الحجّة ونهوض الدليل ، كذلك البقاء على التقليد ، ولم يقم دليل على أنّ مجرّد قيام البيّنة ولو مع انكشاف الفسق بعد ذلك يكفي في البقاء ، بل يجب عليه الفحص .
وأمّا الفرض الثاني: فيبتني على قاعدة اليقين والشكّ الساري ، فإن قلنا بحجّيتها، كما أنّ الاستصحاب حجّة معتبرة يكفي مجرّد العلم في جواز البقاء ، وإن زال العلم وتبدّل إلى الشكّ لقيام الدليل التعبّدي عليه ، لكنّ الحقّ ـ كما قد حقّق في محلّه(1) ـ
- (1) فرائد الاُصول : 3 / 302 وما بعدها ; سيرى كامل در اُصول فقه: 15 / 350 وما بعدها .
(الصفحة 244)
أ نّه لا دليل على حجّية قاعدة اليقين ، وأنّ الأخبار(1) الناهية عن نقض اليقين بالشكّ لا دلالة لها إلاّ على حجّية خصوص الاستصحاب، ولا تعمّ كلتا القاعدتين ، وليس هنا دليل آخر في البين . وعليه : فلا مناص من الالتزام بوجوب الفحص .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ عدم وجوب الفحص في الفرض الثالث ـ الذي يكون الشكّ بحسب البقاء فقط ولم يكن سارياً إلى الحدوث ـ إنّما هو لاستصحاب بقاء الشرائط من العدالة والاجتهاد ونحوهما ، وقد قرّر في محلّه أنّ الاُصول الجارية في الشبهات الموضوعيّة لا يجب الفحص في مجراها ، بل تجري من دون فحص ، بخلاف الاُصول الجارية في الشبهات الحكميّة، حيث إنّ جريانهامشروط بالفحص(2).
ثمّ إنّ وجوب الفحص في الفرضين الأوّلين بلحاظ البقاء ، إنّما هو في مورد حرمة العدول ، وفي غيره لا يجب الفحص ، فإذا فرض أ نّه كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة ، فاختار واحداً منهما فقلّده ، ثمّ شكّ في استجماعه للشرائط بحسب الحدوث ، يجوز العدول إلى الآخر من دون فحص إذا قلنا بكون التخيير استمراريّاً . وعليه : فوجوب الفحص إنّما هو في مورد حرمة العدول ، كما إذا كان المجتهد الذي قلّده ـ على تقدير الاستجماع ـ أعلم من غيره ، أو لم نقل بالتخيير الاستمراري في المجتهدين المتساويين في الفضيلة ، أو لم نقل بجواز العدول أصلا .
ويمكن أن يقال : إنّ وجوب الفحص وجوب شرطيّ ، مرجعه إلى أنّ شرط جواز البقاء على تقليد من شكّ في استجماعه حدوثاً هو الفحص . وعليه : فلا فرق بين مورد حرمة العدول وغيره ، كما هو ظاهر .
- (1) وسائل الشيعة : 1 / 245 ، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء ب1 ح1 ، وج3 / 477 ، أبواب النجاسات ب41 ح1 ، وج8/ 216 ، كتاب الصلاة ، أبواب الخلل ب10 ح3 .
-
(2) سيرى كامل در اصول فقه: 13 / 273 ـ 406 .
(الصفحة 245)[لو عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط]
مسألة18: إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط ـ من فسق أو جنون أو نسيان ـ يجب العدول إلى الجامع لها، ولا يجوز البقاء على تقليده. كما أنّه لو قلّد من لم يكن جامعاً للشرائط ، ومضى عليه برهة من الزمان ، كان كمن لم يقلّد أصلا، فحاله حال الجاهل القاصر ، أو المقصّر 1.
1 ـ أمّا وجوب العدول إلى الجامع في الفرض الأوّل ـ الذي عرض للمجتهد
ما يوجب فقده لبعض الشرائط ـ فلظهور الأدلّة في أنّ جواز التقليد متوقّف على تحقّق الشرائط حدوثاً وبقاءً ، وإذا زالت الشرائط بأجمعها أو ببعضها يرتفع جواز التقليد ، فيجب عليه الرجوع إلى غيره الواجد للشرائط . نعم ، في خصوص شرط الحياة قام الدليل على عدم اعتباره بقاءً ، وأ نّه يجوز البقاء على تقليد الميّت ، كما تقدّم البحث عنه مفصّلا(1) . وأمّا في غيره ; فظاهر الأدلّة اعتبارها في البقاء أيضاً . وعليه : فلا مجال لما نسب إلى بعض ; من القول بكفاية حصول الشرائط حدوثاً .
والظاهر أنّ المراد بالنسيان ـ الذي مثّل به أيضاً في المتن ـ ليس نسيان فتاواه
وآراءه ; فإنّ ذلك لا يكون موجباً للعدول عنه بعد اطّلاع المقلّد عليها ; لأجل اشتمال رسالته العمليّة عليها ، أو لغيره ، بل المراد به هو نسيان طريق الاستنباط ، وزوال قوّة الاجتهاد عنه ، بحيث لا يتمكّن منه ولا تكون له هذه القوّة بالفعل .
وأمّا الفرض الثاني ـ الذي يكون المقلّد فيه كمن لم يقلّد أصلا ـ فلبطلان تقليده
(الصفحة 246)
فيه ; لأنّ المفروض عدم كون مقلّده جامعاً لشرائط التقليد ، ووضوح كون المعتبر من الشرائط هي الواقعيّة منها ، لا العلميّة وإن كانت مخالفة للواقع ، فمن كان واجداً
للشرائط واقعاً يجوز تقليده كذلك وإن لم يعلم باستجماعه لها ، ومن لم يكن واجداً لها لا يجوز تقليده وإن علم باستجماعه لها ، كما لا يخفى .
وأمّا كون حاله في هذا الفرض حال الجاهل القاصر أو المقصّر ، فهو يختلف باختلاف الموارد ، فإذا كان معذوراً في تقليده لأجل حصول العلم له ، أو قيام البيّنة على كونه جامعاً للشرائط ، يكون حاله حال الجاهل القاصر ، وإذا لم يكن معذوراً في تقليده ، كما إذا قلّده من دون علم ولا قيام طريق شرعيّ ، فحاله حال الجاهل المقصّر ، ولكن هذا التفصيل إنّما يثمر بناءً على اختلاف الجاهلين في الحكم ، وأمّا بناءً على عدم الاختلاف ، فلا يترتّب على هذا التفصيل ثمرة ، وسيأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى في المسألة العشرين ، فانتظر .
(الصفحة 247)[ما يثبت به الاجتهاد والأعلميّة]
مسألة19: يثبت الاجتهاد بالاختبار ، وبالشياع المفيد للعلم ، وبشهادة العدلين من أهل الخبرة. وكذا الأعلميّة. ولا يجوز تقليد من لم يعلم أنّه بلغ مرتبة الاجتهاد وإن كان من أهل العلم، كما أنّه يجب على غير المجتهد أن يقلِّد أو يحتاط وإن كان من أهل العلم وقريباً من الاجتهاد 1.
1 ـ الطريق إلى معرفة الاجتهاد وثبوته ، وكذا الأعلميّة ـ بعد رجوع الوجه الثاني إلى الأوّل ; لا شتراكهما في حصول العلم ، واختلافهما في مجرّد السبب الموجب لحصول العلم ـ أمران :
الأوّل : العلم بحصول الاجتهاد أو الأعلميّة من أيّ طريق حصل أو أيّ سبب تحقّق ; لأ نّه حجّة عقلا ولا تناله يد الجعل شرعاً ، نفياً أو إثباتاً . نعم ، لا يبعد أن يقال بأ نّه يعامل مع العلم العادي الذي يعبرّ عنه بالاطمئنان معاملة العلم الواقعي ; لأ نّه أيضاً حجّة ، غايته أ نّه حجّة عقلائيّة ، كما أنّ الأوّل حجّة عقليّة .
الثاني : شهادة عدلين من أهل الخبرة وقيام البيّنة ، وحيث إنّ البيّنة من الطرق غير العلميّة ولا تكون حجّة عقليّة ، فلابدّ من إقامة الدليل على حجّيتها وخروجها عن القاعدة المعروفة ; وهي أنّ مشكوكة الحجّية مقطوع عدم حجّيتها ، والشكّ فيها يساوق القطع بالعدم ، فنقول :
ما يمكن أن يستدلّ به على اعتبار البيّنة أُمور :
منها : دعوى الإجماع(1) على اعتبارها في الموضوعات الخارجيّة ، التي يترتّب
- (1) غنية النزوع: 438 ، جواهر الكلام: 6 / 172 ; العناوين: 2 / 650 .