(الصفحة 332)
صغيرة بالإضافة إلى ما فوقه ، كذلك هي صغيرة بقول مطلق ، إذ المفروض أ نّه ليس تحته ذنب أصلا ، فلا محيص حينئذ عن الالتزام بوجود الكبيرة والصغيرة بقول مطلق . وعليه : فلا مانع من الأخذ بمقتضى الروايات الدالّة على وجود الكبائر وتعدادها .
غاية الأمر أنّ اختلافها ـ كما سيجيء(1) ـ محمول على اختلاف المراتب ، كما أ نّه في نوع واحد من الكبائر يتصوّر المراتب أيضاً ; فإنّ الظلم مثلا الذي هو من الكبائر له مراتب يختلف على حسب اختلافها من حيث شدّة المعصية وعدمها ، وكذلك غيره من الكبائر ، وهذا هو الذي يساعده الاعتبار أيضاً .
[كلام بحر العلوم في تعداد الكبائر، وإيراد صاحب الجواهر عليه]
ثمّ إنّه يقع الكلام بعد ذلك في عدد الكبائر ، والمحكيّ عن العلاّمة الطباطبائي(قدس سره) أ نّه بعد اختياره ما عليه المشهور ـ من أنّ الكبائر هي المعاصي التي أوعد الله سبحانه عليها النار أو العذاب ; سواء كان الوعيد بالنار صريحاً أو ضمنياً ـ حَصَرَ الوارد في الكتاب في أربع وثلاثين ، منها : أربع عشرة ممّا صرّح فيها بخصوصها بالوعيد بالنار ، وأربع عشرة قد صرّح فيها بالعذاب دون النار ، والبقيّة ممّا يستفاد من الكتاب وعيد النار عليها ضمناً أو لزوماً .
أمّا ما صرّح فيها بالوعيد بالنار :
فالأوّل : الكفر بالله العظيم ; لقوله ـ تعالى ـ : {وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّـغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّـلُمَـتِ أُولَـلـِكَ أَصْحَـبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
(الصفحة 333)
خَــلِدُونَ}(1) . وغير ذلك ، وهي كثيرة .
والثاني : الإضلال عن سبيل الله ; لقوله ـ تعالى ـ : {ثَانِىَ عِطْفِهِ ى لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ و فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَ نُذِيقُهُ و يَوْمَ الْقِيَـمَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}(2) . وقوله ـ تعالى ـ : {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}(3).
والثالث : الكذب على الله تعالى والافتراء عليه ; لقوله ـ تعالى ـ : {وَ يَوْمَ الْقِيَـمَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ}(4) . وقوله تعالى : {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَـعٌ فِى الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ }(5) .
وقد أورد عليه في الجواهر بأ نّه ليس في الآية الثانية ذكر النار(6) .
والرابع: قتل النفس التي حرّم الله قتلها، قال الله ـ تعالى ـ : {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ و جَهَنَّمُ خَــلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ و وَأَعَدَّ لَهُ و عَذَابًا عَظِيمًا}(7).
وقال ـ عزّ وجلّ ـ : {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا* وَمَن يَفْعَلْ
- (1) سورة البقرة : 2 / 257 .
-
(2) سورة الحج : 22 / 9 .
-
(3) سورة البروج : 85 / 10 .
-
(4) سورة الزمر : 39 / 60 .
-
(5) سورة يونس : 10 / 69 ـ 70 .
-
(6) جواهر الكلام : 13 / 311 .
-
(7) سورة النساء : 4 / 93 .
(الصفحة 334)
ذَ لِكَ عُدْوَ نًا وَظُـلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}(1) .
والخامس: الظلم ، قال الله ـ عزّوجلّ ـ: {إِنَّـآ أَعْتَدْنَا لِلظَّــلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَ إِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُواْ بِمَآء كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَ سَآءَتْ مُرْتَفَقًا}(2) .
والسادس : الركون إلى الظالمين ، قال الله ـ تعالى ـ : {وَ لاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَـلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}(3) .
والسابع : الكبر ; لقوله ـ تعالى ـ : {فَادْخُلُوا أَبْوَ بَ جَهَنَّمَ خَــلِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ }(4) .
والثامن : ترك الصلاة ; لقوله ـ تعالى ـ : { مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}(5) .
والتاسع : المنع من الزكاة ; لقوله ـ سبحانه ـ : {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَاب أَلِيم* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَِنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }(6) .
والعاشر : التخلّف عن الجهاد ; لقوله ـ سبحانه ـ : {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ
- (1) سورة النساء : 4 / 29 ـ 30 .
-
(2) سورة الكهف : 18 / 29 .
-
(3) سورة هود : 11 / 113 .
-
(4) سورة النحل: 16 / 29 .
-
(5) سورة المدّثر : 74 / 42 ـ 43 .
-
(6) سورة التوبة : 9 / 34 ـ 35 .
(الصفحة 335)
خِلَـفَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَـهِدُواْ بِأَمْوَ لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لاَ تَنفِرُواْ فِى الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ }(1) .
والحادي عشر : الفرار من الزحف ; لقوله ـ تعالى ـ : {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَـلـِذ دُبُرَهُ و إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَال أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَة فَقَدْ بَآءَ بِغَضَب مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَلـهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}(2) .
والثاني عشر : أكل الربا ; لقوله ـ عزّ وجلّـ : {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَوا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَـنُ مِنَ الْمَسِّ ذَ لِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَوا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَوا فَمَن جَآءَهُو مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِى فَانتَهَى فَلَهُو مَاسَلَفَ وَأَمْرُهُو إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـلـِكَ أَصْحَـبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَــلِدُونَ}(3) .
والثالث عشر : أكل مال اليتيم ظلماً ; لقوله ـ تعالى ـ : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَ لَ الْيَتَـمَى ظُـلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}(4) .
والرابع عشر : الإسراف ; لقوله ـ عزّ وجلّـ : {وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَـبُ النَّارِ }(5) .
وأمّا المعاصي التي وقع التصريح فيها بالعذاب دون النار فهي أربع عشرة أيضاً : الأوّل : كتمان ما أنزل الله ; لقوله ـ عزّ وجلّـ : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ
- (1) سورة التوبة : 9 / 81 .
-
(2) سورة الأنفال : 8 /16 .
-
(3) سورة البقرة : 2 / 275 .
-
(4) سورة النساء : 4 / 10 .
-
(5) سورة غافر : 40 / 43 .
(الصفحة 336)
الْكِتَـبِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِى ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَـلـِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَـمَةِ وَ لاَ يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(1) .
الثاني : الإعراض عن ذكر الله ; لقوله ـ عزّ وجلّـ : {وَ قَدْ ءَاتَيْنَـكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا* مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ و يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَـمَةِ وِزْرًا* خَــلِدِينَ فِيهِ وَ سَآءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـمَةِ حِمْلاً}(2) .
هذا ، والظاهر أنّ المراد بالذكر في الآية هو الكتاب العزيز ، الذي عبّر عنه بالذكر في بعض الآيات الأُخر أيضاً ; كقوله ـ تعالى ـ : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُو لَحَـفِظُونَ}(3) .
وقد فصّلنا القول في تفسير هذه الآية ، وإثبات أنّ المراد بالذكر فيها هو القرآن المجيد ، في رسالتنا في مسألة عدم التحريف (4)، وبالجملة : فالآية المستدلّ بها لا تنطبق على عنوان الإعراض عن ذكر الله ، إلاّ أن يكون المراد بالذكر في العنوان أيضاً هو القرآن بقرينة الاستدلال بالآية ، فتدبّر .
الثالث : الإلحاد في بيت الله عزّ وجلّ ; لقوله ـ تعالى ـ : {وَ مَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادِم بِظُـلْم نُّذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم}(5) .
الرابع : المنع من مساجد الله ; لقوله ـ تعالى شأنه ـ : {وَ مَنْ أَظْـلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ و وَ سَعَى فِى خَرَابِهَآ أُولَـلـِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن
- (1) سورة البقرة : 2 / 174 .
-
(2) سورة طه : 20 / 99 ـ 101 .
-
(3) سورة الحجر : 15 / 9 .
-
(4) مدخل التفسير: 197 وما بعدها .
-
(5) سورة الحج : 22 / 25 .