(الصفحة 348)
مراتب الكبيرة ، فتأمّل .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أ نّه لا محيص عن الالتزام باتّصاف سبع من المعاصي بكونها كبيرة بقول مطلق ; وهي السبع المذكورة في الروايات الدالّة على أنّ الكبائر سبع ، أو أكبرها سبع ، أو أنّ رتبة سائر الكبائر أدنى من رتبة هذه السبع ، كما تدلّ عليه رواية الأعمش . وأمّا ما عدا السبع ، فما ذكر في مثل رواية الأعمش فالظاهر أنّها كبيرة بالإضافة إلى ما دونها ، صغيرة بالإضافة إلى السبع التي هي فوقها ، وبمثل هذا يجمع بين ما دلّ على أنّ الزنا والسرقة ليستا من الكبائر ; كروايتي محمّد بن حكيم(1) ومحمّد بن مسلم(2) . وما دلّ على أنّهما منها ; كروايتي الفضل والأعمش .
وجه الجمع أنّ ما دلّ على عدم كونهما من الكبائر يُراد به عدم كونهما من الكبائر بقول مطلق ، وعدم كونهما في عرض الكبائر والمعاصي الّتي هي أكبر الكبائر ،
وما دلّ على كونهما منها يُراد به أنّهما كبيرتان بالإضافة إلى ما تحتهما من المعاصي .
[تعداد الكبائر]
ولا بأس بذكر الكبائر حسب ما تستفاد من الروايات الواردة في هذا المقام ، رجاء أن يكون اللاحظ لها والناظر فيها يجتنب عن جميعها بعد النظر والتوجّه
لو لم يكن مجتنباً .
- (1) الكافي : 2 / 284 ح21 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 325 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح18 .
-
(2) الخصال : 411 ح15 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 330 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح35 .
(الصفحة 349)
فنقول : هي عبارة عن :
1 ـ الشرك بالله تبارك وتعالى .
2 ـ قتل النفس الّتي حرّم الله تعالى .
3 ـ عقوق الوالدين .
4 ـ الفرار من ا لزحف .
5 ـ أكل مال اليتيم ظلماً .
6 ـ أكل الربا بعد البيّنة .
7 ـ قذف المحصنات ، وهذه هي السبع التّي تكون من الكبائر بقول مطلق .
8 ـ الزنا .
9 ـ اللواط .
10 ـ السرقة .
11 ـ أكل الميتة .
12 ـ أكل الدم .
13 ـ أكل لحم الخنزير .
14 ـ أكل ما اُهلّ لغير الله ـ تعالى ـ به من غير ضرورة .
15 ـ البخس في المكيال والميزان .
16 ـ الميسر .
17 ـ شهادة الزور .
18 ـ اليأس من روح الله .
19 ـ الأمن من مكر الله .
20 ـ معونة الظالمين .
(الصفحة 350)
21 ـ الركون إليهم .
22 ـ اليمين الغموس الفاجرة ; والمراد بها هي اليمين الكاذبة على الإخبار عن شيء مع العلم بالكذب ، والتعبير عنها بالغموس لعلّه لأجل أنّها تغمس صاحبها في الإثم والعقاب .
23 ـ الغلول ; والظاهر أنّ المراد به هي الخيانة في خصوص المغنم .
24 ـ حبس الحقوق من غير عسر .
25 ـ الكذب .
26 ـ استعمال التكبّر والتجبّر .
27 ـ الإسراف والتبذير .
28 ـ الخيانة .
29 ـ الاستخفاف بالحجّ ; والظاهر أنّ المُراد به هو الإتيان به عن استخفاف ، لا الترك رأساً ، الذي أُطلق عليه الكفر في الآية الشريفة .
30 ـ المحاربة لأولياء الله .
31 ـ الاشتغال بالملاهي .
32 ـ السحر .
33 ـ الإصرار على الصغيرة .
ولابدّ من التكلّم في هذا الأخير والبحث عن أنّ الإصرار على الذنوب ـ أي الصغائر منها ـ هل يكون من الكبائر أم لا؟ مقتضى روايتي الأعمش والفضل وغيرهما من الروايات الأُخَر ـ الواردة في هذا الباب ، التي جمعها في الوسائل في الباب (46) و(47) من أبواب جهاد النفس ـ أنّ الإصرار على الصغائر من الذنوب ، أيضاً من جملة الكبائر ، وفي بعضها : أ نّه لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة
(الصفحة 351)
مع الاستغفار(1) .
وقد روي هذا المضمون بطرق العامّة عن ابن عبّاس(2) أيضاً ، فلا ينبغي الإشكال حينئذ في أنّ الإصرار على الصغيرة كبيرة ، إمّا حقيقة وإمّا حكماً ، من جهة القادحيّة في العدالة لو لم يكن أصل الإتيان بالصغيرة من غير إصرار مضرّاً بها ، ومن جهة الافتقار إلى التوبة والاستغفار ; فإنّ الظاهر افتراقهما ; أي الكبيرة والصغيره في الافتقار إلى التوبة وعدمه ، ولو لم نقل بافتراقهما في باب العدالة أصلا ; فإنّ ظاهر قوله ـ تعالى ـ : {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآلـِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَاتِكُمْ}(3) ـ بناءً على ما استظهرنا منه(4) من أنّ المراد به هي الكبائر من خصوص المحرّمات ، وبالسيّئات هي الصغائر منها لا الكبائر من المنهيّات التي هي أعمّ من المحرّمات ، والصغائر منها التي لا تنطبق إلاّ على المكروهات ـ أنّ اجتناب الكبيرة يوجب التكفير للصغائر من دون حاجة إلى التوبة والاستغفار . نعم ، مع عدم الاجتناب عنها يحتاج كالكبيرة إليهما .
وبعبارة اُخرى : المجتنب للكبيرة إذا ارتكب صغيرة لا يكون مكلّفاً بالتوبة ; لعدم الحاجة إليها ، وإذا ارتكب كبيرة يكون مكلّفاً بها بالإضافة إلى الصغيرة أيضاً ; لانحصار الطريق حينئذ فيها .
- (1) الكافي : 2 / 288 ح1 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 338 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب48 ح3 .
-
(2) الكشّاف : 1 / 503 .
-
(3) سورة النساء: 4 / 31.
-
(4) أي في ص328 ـ 329.
(الصفحة 352)
[معنى الإصرار على الصغيرة]
إنّما الإشكال في معنى الإصرار وأ نّه بِمَ يتحقّق ، ونقول : لا إشكال في تحقّق الإصرار مع الإكثار فعلا ، والإتيان بالمعصية في الخارج مكرّراً ; سواء كانت من سنخ واحد ، أو من جنسين أو الأجناس ، كما أ نّه لا إشكال في عدم تحقّق عنوان الإصرار مع الإتيان بذنب مرّة واحدة ثمّ الندم عليه ، بحيث كان يسوؤه التذكّر والالتفات إليه ، والظاهر تحقّق هذا العنوان أيضاً مع الإتيان به مرّة ، وكونه بحيث لو تهيّأت له مقدّماته يأتي به ثانياً .
إنّما الإشكال في تحقّقه بمجرّد الإتيان مع الالتفات إليه وعدم الندم عليه ، وعدم كون تذكّره مسيئاً له، وعدم كونه كذلك; أي بحيث لو تهيّأت له مقدّماته يأتي به ثانياً؟
قيل : الظاهر تحقّقه به أيضاً ; لقوله ـ تعالى ـ : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَـحِشَةً أَوْظَـلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(1) . حيث إنّه يشعر بأنّ الإصرار يتحقّق بمجرّد عدم الاستغفار مع التوجّه والالتفات .
ولما ورد في تفسير الآية من رواية جابر ، عن أبي جعفر(عليه السلام) أ نّه قال : الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدّث نفسه بالتوبة ، فذلك الإصرار(2) .
ولرواية محمّد بن أبي عمير قال : سمعت موسى بن جعفر(عليهما السلام) يقول : من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر ، قال الله ـ تعالى ـ : {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآلـِرَ
- (1) سورة آل عمران : 3 / 135 .
-
(2) الكافي : 2 / 288 ح2 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 338 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب48 ح4 .