(الصفحة 383)
[اختلاف المتعاملين في التقليد]
مسألة33: إذا وقعت معاملة بين شخصين ، وكان أحدهما مقلّداً لمن يقول بصحّتها، والآخر مقلّداً لمن يقول ببطلانها ، يجب على كلّ منهما مراعاة فتوى مجتهده، فلو وقع النزاع بينهما ، يترافعان عند أحد المجتهدين أو عند مجتهد آخر، فيحكم بينهما على طبق فتواه وينفذ حكمه على الطرفين. وكذا الحال
فيما إذا وقع إيقاع متعلّق بشخصين; كالطلاق والعتق ونحوهما 1.
1 ـ في هذه المسألة وجوه ، بل أقوال ثلاثة :
أحدها : ما اختاره صاحب العروة(قدس سره) (1) من الحكم ببطلان المعاملة من كلا الجانبين ; لأنّها متقوّمة بالطرفين ، ومعاقدة وارتباط بين الالتزامين ، فلا يعقل
أن يكون صحيحاً من جانب واحد ، فإذا حكم ببطلانه من طرف واحد ، فاللازم الحكم بالبطلان من كلا الطرفين .
ثانيها : ما اختاره المحقّق الاصفهاني(قدس سره) (2) في حاشية المكاسب من الحكم بصحّة المعاملة من كلا الطرفين ، وجواز ترتيب الأثر عليها من كلّ من المتعاملين ; لأنّ المعاملة أمرٌ يتقوّم بطرفي المعاملة ، فإذا كانت محكومة بالصحّة من طرف واحد فمقتضى ذلك صحّتها من الطرف الآخر أيضاً للدلالة الالتزامية .
ثالثها : ما اختاره الماتن ـ دام ظلّه ـ والشارحان(3) للعروة من أ نّه لا مانع
- (1) العروة الوثقى : 1 / 16 مسألة 55 .
-
(2) راجع حاشية المكاسب للاصفهاني : 1 / 295 ـ 296 .
-
(3) مستمسك العروة الوثقى : 1 / 88 ـ 89 ، التنقيح في شرح العروة الوثقى ، الاجتهاد والتقليد : 385 .
(الصفحة 384)
من التفكيك والحكم بصحّة المعاملة من طرف ، وبطلانها من الطرف الآخر ، فالمعاملة عند من يرى جواز العقد بالفارسيّة وأوقعها كذلك صحيحة مؤثّرة
في النقل والانتقال ، وعند من لا يرى جواز ذلك لم يؤثّر في التمليك والتملّك
بوجه .
ودعوى أ نّه كيف يمكن التفكيك مع العلم ببطلانه ؟ فإنّ المعاملة إذا كانت صحيحة تكون كذلك من الجانبين ، وإذا لم تكن صحيحة تكون كذلك من الطرفين ، وبعبارة اُخرى : لا يعقل تأثيرها في نقل المبيع مثلا فقط ، من دون أن تكون مؤثّرة في انتقال الثمن أو بالعكس ، فكيف يمكن تحقّق التأثير بالإضافة إلى الثمن دون المثمن ؟
مدفوعة بأنّ ذلك إنّما هو بالإضافة إلى الحكم الواقعي ; فإنّ المعاملة بهذه
الملاحظة لا يعقل أن تكون صحيحة وفاسدة معاً . وأمّا بالإضافة إلى الحكم الظاهري ـ الذي هو مفروض البحث في المقام ; لأنّ الكلام في التقليد الذي هو أمارة شرعيّة وتكون نتيجته الحكم الظاهري ـ فلا مانع من التفكيك كما في سائر
موارد الحكم الظاهري ، أعمّ ممّا كان مدلولا لأمارة شرعيّة أو مقتضى أصل عمليّ ، فإذا قامت البيّنة على كون مائع خمراً ، يكون شربه حراماً على من قامت عنده البيّنة ، وإذا قامت بيّنة اُخرى على عدم كونه كذلك ، يكون حلالا على من قامت عنده هذه البيّنة ، كما أ نّه إذا كان أحد الشخصين عالماً بأنّ الثوب كان في السابق نجساً ، وقد شكّ فعلا فى طهارته ، يكون مقتضى الاستصحاب الجاري في حقّه بقاء نجاسته ، ووجوب الاجتناب عنه بالإضافة إلى هذا الشخص ، ومقتضى أصالة الطهارة الجارية في حقّ الشخص الآخر ـ الذي لم يكن عالماً بحالته السابقة ـ أ نّه طاهر ، ولا مانع من اجتماع الحكمين بالإضافة إلى الشخصين .
(الصفحة 385)
نعم ، في مثل المقام ـ وهو المعاملة المتقوّمة بالطرفين والمضافة إلى الشخصين ، أعمّ ممّا إذا كان عقداً ، أو إيقاعاً كالعتق والطلاق ـ ربما يؤدّي التفكيك إلى الاختلاف والنزاع بين المتعاملين ، فاللازم حينئذ الرجوع إلى الحاكم ; من دون فرق بين كونه أحد المجتهدين المقلّدين لهذين الشخصين أو مجتهداً ثالثاً ، فيحكم بينهما على طبق فتواه وينفذ حكمه على الطرفين ، فيرتفع النزاع من البين ، كما في سائر موارد فصل الخصومة بين الشخصين ، فإذا حكم الحاكم بثبوت المال الذي هو مورد الاختلاف للمدّعي لا يجوز للمنكر مزاحمته والتصرّف فيه بوجه ، ولو كان عالماً بكذب المدّعي وعدم كونه مالكاً للمال بوجه ، والتحقيق في محلّه ، والظاهر هو هذا الوجه الثالث لما عرفت من وجهه .
(الصفحة 386)
[الفرق بين الاحتياط المطلق وغير المطلق]
مسألة34: الاحتياط المطلق في مقام الفتوى من غير سبق فتوى على خلافه أو لحوقها كذلك لا يجوز تركه، بل يجب إمّا العمل بالاحتياط ، أو الرجوع إلى الغير ; الأعلم فالأعلم. وأمّا إذا كان الاحتياط في الرسائل العمليّة مسبوقاً بالفتوى
على خلافه ، كما لو قال بعد الفتوى في المسألة : وإن كان الأحوط كذا ، أو ملحوقاً بالفتوى على خلافه ، كأن يقول : الأحوط كذا وإن كان الحكم كذا ، أو وإن كان الأقوى كذا ، أو كان مقروناً بما يظهر منه الاستحباب ; كأن يقول : الأولى والأحوط كذا ، جاز في الموارد الثلاثة ترك الاحتياط 1.
1 ـ الفرق بين الاحتياط المطلق الذي يعبَّر عنه بالاحتياط الوجوبي أيضاً ;
وهو الذي يذكر في مقام الفتوى ومكانها ، من غير سبق فتوى على خلافه أو لحوقها كذلك ، ومن غير اقتران بما يدلّ على جواز تركه . وبين الاحتياط غير المطلق الذي يعبَّر عنه بالاحتياط الاستحبابي ـ وهو ما يقابل الأوّل ـ إنّما هو
في أمرين :
أحدهما : أنّ الاحتياط المطلق لا يجوز تركه ، والاحتياط الاستحبابي يجوز تركه ، وهذا هو الفارق المهمّ بين الاحتياطين ، والوجه فيه واضح ; لأنّ الاحتياط المطلق إنّما قام مقام الفتوى ، وقد اعترف المجتهد فيه بعدم وصوله إلى الحكم الواقعي ولو من طريق الأمارة ، فلا محيص حينئذ عن الاحتياط عقلا ; لكون المورد من موارده ، وهذا بخلاف الاحتياط غير المطلق الذي وصل المجتهد فيه إلى الحكم . غاية الأمر أ نّه يحتاط للعلم بتحقّق الواقع مع عدم لزومه بنظر العقل ، وهذا
(الصفحة 387)
الفرق مصرّح به في المتن .
ثانيهما : أنّ الاحتياط المطلق يجوز فيه الرجوع إلى الغير مع رعاية الأعلم فالأعلم ، والاحتياط الاستحبابي لا يجوز فيه الرجوع إلى الغير . والوجه فيه : أ نّه في مورد الاحتياط الوجوبي لا يكون للأعلم رأي ونظر ، فلا مانع من الرجوع إلى الغير الذي يكون صاحب الرأي مع الرعاية المذكورة ; ضرورة أنّ ما دلّ على عدم جواز الرجوع إلى الغير إنّما هو في مورد ثبوت الرأي للأعلم . وأمّا مع عدمه ـ كما هو المفروض في مورد الاحتياط الوجوبي ـ فلا مانع من الرجوع إليه .
وأمّا في الاحتياط الاستحبابي ، فالمفروض فيه ثبوت الفتوى والرأي للأعلم ، فلا مسوّغ للعدول عنه إلى غيره بعد تعيّن الأعلم للتقليد ; ضرورة أ نّه ليس المراد الرجوع إلى الغير بالإضافة إلى الاحتياط ; لما مرّ مراراً(1) من أنّ الاحتياط طريق ثالث في مقابل الطريقين : الاجتهاد والتقليد ، بل المراد الرجوع إليه بالنسبة
إلى الفتوى الّتي تكون مسبوقة بالاحتياط أو ملحوقة به ، ومع ثبوت الفتوى للأعلم وتعيّنه للتقليد ـ كما هو المفروض ـ لا مجال للرجوع إلى الغير ولو مع الرعاية المذكورة ، وهذا الفرق وإن لم يقع التصريح به في المتن ، إلاّ أ نّه يظهر منه باعتبار التصريح بجواز الرجوع إلى الغير في خصوص الاحتياط المطلق ، الظاهر في عدم الجواز في مقابله .
نعم ، هنا شيء قد وقع البحث عنه سابقاً في ذيل المسألة الحادية عشر
المتقدّمة ; وهو أنّ ما اشتهر من جواز الرجوع إلى غير الأعلم في الاحتياطات
الوجوبيّة المطلقة للأعلم ، هل يكون تماماً على إطلاقه ، أو أنّ جواز ذلك إنّما يختصّ