(الصفحة 379)[حكم الوكيل في عمل عن الغير والأجير عن الوصيّ أو الوليّ]
مسألة32: الوكيل في عمل عن الغير ـ كإجراء عقد أو إيقاع ، أو أداء خمس أو زكاة أو كفارة أو نحوها ـ يجب عليه أن يعمل بمقتضى تقليد الموكّل
لا تقليد نفسه إذا كانا مختلفين، وأمّا الأجير عن الوصيّ أو الوليّ في إتيان الصلاة ونحوها عن الميّت ، فالأقوى لزوم مراعاة تقليده لا تقليد الميّت ولا تقليدهما. وكذا لو أتى الوصيّ بها تبرّعاً أو استئجاراً يجب عليه مراعاة تقليده لا تقليد الميّت ، وكذا الولي 1 .
1 ـ ربما يقال في مقام الإشكال على ما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ من وجوب عمل الوكيل بمقتضى تقليد الموكّل لا تقليد نفسه إذا كانا مختلفين ما ملخّصه : أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ إطلاق الوكالة يقتضي إيكال تطبيق العمل الموكّل عليه إلى نظر الوكيل . نعم ، إذا اتّفق التفات الموكّل إلى الاختلاف في التطبيق فقد يشكل ذلك من جهة أنّ نظر الموكّل مانع عن عموم التوكيل لمورد الاختلاف ، ولكن يدفعه أ نّه وإن كان يمنع عن عمومه بنظر الموكّل تفصيلا ، لكن لا يمنع عن عمومه إجمالا ، وهو كاف في جواز العمل .
مثلا إذا وكّله في أن يعقد له على امرأة ، وكان الموكّل يعتقد فساد العقد بالفارسيّة ، والوكيل يعتقد صحّته ; فإنّ موضوع الوكالة ـ وهو العقد الصحيح بإطلاقه الإجمالي ـ ينطبق على العقد بالفارسيّة وإن كان لا ينطبق بإطلاقه التفصيلي بنظر الموكّل . نعم ، إذا كانت قرينة على تقييد الوكالة بالعمل بنظر الموكّل ، أو كان ما يصلح أن يكون قرينة على ذلك ، لم يكن عمل الوكيل المخالف لنظر الموكّل
(الصفحة 380)
صحيحاً ، وإن لم يكن كذلك ، فإطلاق التوكيل يقتضي جواز عمل الوكيل بنظره ، ومجرّد التفات الموكّل إلى الاختلاف لا يكفي في تقييد إطلاق التوكيل مع وجود مقدّماته ، وكذلك الكلام في الوصيّ ; فإنّ الوصاية استنابة في التصرّف بعد الممات(1) .
والتحقيق أ نّه يقع الكلام تارة : فيما هو وظيفة الوكيل ، وما يجب عليه بعد قبول الوكالة والالتزام بالفعل الموكّل عليه ، واُخرى : في جواز اكتفاء الموكّل بما عمله الوكيل بمقتضى تقليد نفسه .
أمّا الأوّل : فالظاهر كما أفاده المستشكل من أ نّه لا يجب على الوكيل إلاّ ما هو الصحيح بنظره الموضوع لترتّب الآثار عليه ; فإنّه لم يلتزم إلاّ بالإتيان بالفعل الموكّل عليه بنحو يكون صحيحاً موضوعاً للأثر ، والمفروض أ نّه أتى به كذلك ، وهذا لا فرق فيه بين صورتي العلم بالاختلاف وعدمه ، كما أ نّه لا فرق بين
أن يكون العالم بالاختلاف هو الموكّل أو الوكيل أو هما معاً ، ولا وجه لوجوب العمل بمقتضى تقليد الموكّل كما أفاده الماتن دام ظلّه ، فإذا التزم بأن يعقد للموكّل ويزوّجه امرأة ، وهو يعتقد صحّة العقد بالفارسيّة ، وزوّجه كذلك ، فقد وفى بما هو مقتضى الوكالة وعمل بما التزم عمله .
وأمّا الثاني : فالظاهر أ نّه لا يجوز للموكّل ترتيب الأثر على ما لا يراه موضوعاً للأثر ، فإذا لم يكن يعتقد صحّة العقد بالفارسيّة ، والوكيل زوّجه كذلك ، فلا وجه لترتيب آثار الزوجيّة على العقد الكذائي ; فإنّه لا يكون وجود العقد بالفارسيّة عند الموكّل إلاّ كالعدم ، فلا يبقى مجال لاحتمال وجوب ترتيب الآثار عليه أصلا .
- (1) مستمسك العروة الوثقى : 1 / 86 ـ 87 .
(الصفحة 381)
نعم ، يمكن أن يورد على ما ذكرنا بأنّ الجمع بين جواز اقتصار الوكيل على ما هو الصحيح بنظره ، غير الصحيح عند الموكّل كما هو المفروض ، وبين عدم جواز ترتيب الموكّل آثار العمل الصحيح عليه غير وجيه ; فإنّه حينئذ لا يكون عمل الوكيل إلاّ لغواً غير موضوع للأثر ، فكيف يكون العمل الموصوف بكونه لغواً موضوعاً للحكم الشرعي بالجواز ، فتدبّر .
ومن هنا يمكن أن يقال بأنّ العمل الموكّل عليه إذا كان راجعاً إلى تفريغ ذمّة الموكّل عن التكليف المتوجّه إليه ، فلا وجه للاقتصار على ما هو الصحيح عنده ، الذي لا يؤثّر في فراغ ذمّة الموكّل أصلا ، كما أنّ الأمر في الوصيّ نوعاً كذلك . نعم ، في المتبرّع والوليّ ـ كالولد الأكبر ـ الحكم هو تفريغ الذمّة بما هو الصحيح عندهما لاعند الميّت ، وذلك لأنّ التكليف الوجوبي أو الاستحبابي متوجّه إليهما ابتداءً ، بخلاف الوكيل والوصيّ اللذين هما نائبان وبمنزلة الموكّل والموصي قائمان مقامه .
وأمّا الأجير ، فإن كان مورد الإجارة أمراً عباديّاً ، فمع علم الأجير ببطلانها لا تصحّ الإجارة عليها ; لأ نّه لا يتمشّى منه قصد التقرّب ; ضرورة أ نّه كيف يمكن أن يقصد التقرّب بما يعلم عدم كونه مقرّباً مطلوباً للمولى بوجه ؟ نعم ، مع احتمال الصحّة المساوق لاحتمال المطلوبيّة ورجائها يصحّ الإتيان بها كذلك ، ويتمشّى منه قصد التقرّب بهذه الكيفيّة الراجعة إلى الإتيان بها برجاء المحبوبيّة ، كما في موارد احتمال تعلّق الأمر في أعمال نفسه ، كالإتيان بغسل الجنابة مع احتمالها .
وأمّا إذا كان المستأجر عالماً بالبطلان ، والأجير معتقداً للصحّة ، فالظاهر أيضاً بطلان الإجارة ; لعدم اشتمال العمل المستأجر عليه على منفعة عائدة عقلائيّة عند المستأجر ، فأكل المال في مقابله أكل المال بالباطل ، هذا بحسب مقام الثبوت .
وأما بحسب مقام الإثبات ، فالظاهر أ نّه لا يجب على الأجير عند الإطلاق إلاّ
(الصفحة 382)
الإتيان بما هو صحيح بحسب اعتقاده وما هو الموضوع للأثر على نحو ما مرّ في الوكالة .
وأمّا لو كان مورد الإجارة أمراً غير عباديّ ، كما إذا استأجره لإجراء عقد
أو إيقاع ، فهل المعتبر حينئذ لزوم الإتيان بما يكون صحيحاً عنده ، أو أنّه لابدّ من رعاية الصحيح عند المستأجر؟ ربما يقال بأ نّه في مقام الإثبات إن كان هناك قرينة على تقييد العمل بنظر شخص معيّن ، تعيّن العمل عليها ، وإلاّ كان مقتضى إطلاق الإجارة العمل بنظر الأجير على نحو ما تقدّم في الوكيل .
ومقتضى ذلك جواز الاقتصار على الصحيح عنده ، ولو مع العلم بالبطلان عند
المستأجر ، مع أنّه يمكن أن يقال ببطلان الإجارة في هذا الفرض أيضاً ; فإنّه مع العلم ببطلان العقد عند المستأجر ، وأنّه لا يكون موضوعاً للأثر الشرعي بوجه لايكون العمل المستأجر عليه حينئذ إلاّ لغواً خالياً عن الفائدة ، مع أ نّه يعتبر في
صحّة الإجارة على المشهور(1) أن يكون في العمل المستأجر عليه منفعة عائدة إلى المستأجر ونفع واصل إليه ، فإذا لم يكن العقد بالفارسيّة عنده إلاّ كالعدم ، فكيف يصحّ الاستئجار عليه وبذل المال في مقابله؟!
اللّهم إلاّ أن يقال : إنّ مورد الإجارة ليس خصوص العقد بالفارسيّة حتى لايصحّ الاستئجار عليه ، بل إيقاع عقد صحيح بنحو كلّي . غاية الأمر أنّ الأجير اختار من مصاديقه ما يكون صحيحاً بنظره غير صحيح بنظر المستأجر ، إلاّ أن يناقش في صحّة الإجارة بهذه الكيفيّة الراجعة إلى كون العمل المستأجر عليه كلّياً قابلا للانطباق على ما لا يكون فيه منفعة عائدة إلى المستأجر ، والتحقيق في محلّه .
- (1) راجع بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة: 3 ، والمستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الإجارة: 3 ـ 4 ، أخذاً من تعريف الإجارة .
(الصفحة 383)
[اختلاف المتعاملين في التقليد]
مسألة33: إذا وقعت معاملة بين شخصين ، وكان أحدهما مقلّداً لمن يقول بصحّتها، والآخر مقلّداً لمن يقول ببطلانها ، يجب على كلّ منهما مراعاة فتوى مجتهده، فلو وقع النزاع بينهما ، يترافعان عند أحد المجتهدين أو عند مجتهد آخر، فيحكم بينهما على طبق فتواه وينفذ حكمه على الطرفين. وكذا الحال
فيما إذا وقع إيقاع متعلّق بشخصين; كالطلاق والعتق ونحوهما 1.
1 ـ في هذه المسألة وجوه ، بل أقوال ثلاثة :
أحدها : ما اختاره صاحب العروة(قدس سره) (1) من الحكم ببطلان المعاملة من كلا الجانبين ; لأنّها متقوّمة بالطرفين ، ومعاقدة وارتباط بين الالتزامين ، فلا يعقل
أن يكون صحيحاً من جانب واحد ، فإذا حكم ببطلانه من طرف واحد ، فاللازم الحكم بالبطلان من كلا الطرفين .
ثانيها : ما اختاره المحقّق الاصفهاني(قدس سره) (2) في حاشية المكاسب من الحكم بصحّة المعاملة من كلا الطرفين ، وجواز ترتيب الأثر عليها من كلّ من المتعاملين ; لأنّ المعاملة أمرٌ يتقوّم بطرفي المعاملة ، فإذا كانت محكومة بالصحّة من طرف واحد فمقتضى ذلك صحّتها من الطرف الآخر أيضاً للدلالة الالتزامية .
ثالثها : ما اختاره الماتن ـ دام ظلّه ـ والشارحان(3) للعروة من أ نّه لا مانع
- (1) العروة الوثقى : 1 / 16 مسألة 55 .
-
(2) راجع حاشية المكاسب للاصفهاني : 1 / 295 ـ 296 .
-
(3) مستمسك العروة الوثقى : 1 / 88 ـ 89 ، التنقيح في شرح العروة الوثقى ، الاجتهاد والتقليد : 385 .