(الصفحة 236)[انعزال وكيل المجتهد بموته دون المنصوب من قبله]
مسألة 15 : المأذون والوكيل عن المجتهد ـ في التصرّف في الأوقاف ، أو الوصايا ، أو في أموال القُصَّر ـ ينعزل بموت المجتهد . وأمّا المنصوب من قبله ; بأن نصبه متولّياً للوقف ، أو قيّماً على القصّر ، فلا يبعد عدم انعزاله ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بتحصيل الإجازة ، أو النصب الجديد للمنصوب من المجتهد الحيّ 1 .
1 ـ أمّا الانعزال بالموت في المأذون والوكيل ; فلقيام الإجماع على بطلان
الوكالة بموت الموكّل(1) ، مضافاً إلى أنّ الوكالة متقوّمة بالإذن من الموكّل ، والموت يخرجه عن أهليّة التصرّف والإذن ، فلا مجال للنيابة عنه والقيام مقامه ، كما
هو ظاهر .
وأمّا عدم الانعزال بالموت في المنصوب من قبله ، كما في المتولّي للوقف ، أو القيّم على الصغير ، فالمحكي عن الإيضاح : أ نّه نفي الخلاف عن عدم انعزال الأولياء والقوّام المجعولين من قبل المجتهد(2) . وقال صاحب الجواهر(قدس سره) بعد حكاية ما في الإيضاح : إن تمّ إجماعاً فذاك ، وإلاّ كان المتّجه ما ذكرنا ; يعني الانعزال . نعم ، لو كان النصب وكيلا أو وليّاً عن الإمام(عليه السلام) ، وكان ذلك جائزاً له لم ينعزل قطعاً(3) .
والمستفاد من هذه العبارة أنّ المجتهد الجاعل للولاية والناصب للولي تارة :يجعلها عن نفسه للولي ، بحيث تكون ولاية الولي من شؤون ولاية المجتهد الذي
- (1) مفتاح الكرامة : 7 / 612 ، جواهر الكلام : 27 / 360 .
-
(2) إيضاح الفوائد : 4 / 305 .
-
(3) جواهر الكلام : 40 / 66 .
(الصفحة 237)
ولاّه . واُخرى : يجعلها عن الإمام(عليه السلام) فتكون من شؤون ولاية الإمام (عليه السلام) وإن كان الجاعل لها المجتهد ، وعليه : فالمجتهد واسطة في الثبوت ، كما أ نّه يستفاد منها أنّ النصب بالنحو الأوّل وجوازه ممّا لا إشكال فيه ، ولكن عدم الانعزال فيه يتوقّف على تماميّة الإجماع على خلاف القاعدة المقتضية للانعزال ، وبالنحو الثاني يكون أصل جوازه مشكوكاً ، لكن عدم الانعزال على فرض الجواز مسلّم على طبق القاعدة ; لأ نّه حينئذ وليّ عن الإمام(عليه السلام) ولا تبطل ولايته بموت المجتهد ،
ولا ينحصر ذلك بالولاية ، بل يجري في الوكالة أيضاً .
هذا ، ولكن ربما يستشكل في أصل جواز الجعل بكلا النحوين ، بأنّ ذلك مبنيّ على ثبوت الولاية المطلقة في زمان الغيبة ، إذ حينئذ يتمكّن من نصب المتولّي والقيِّم ونحوهما . وأمّا بناءً على عدم ثبوت الولاية المطلقة له ، فلا يجوز له إعطاء هذه المناصب لغيره بعد عدم دلالة دليل عليه ; فإنّ قوله(عليه السلام) في مقبولة عمر بن حنظلة : فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً(1) لا يفيد الولاية كذلك ; فإنّ الحاكم فيها ليس إلاّ بمعنى القاضي ، كما ورد في صحيحة أبي خديجة ، حيث قال : فإنّي قد جعلته قاضياً(2) . بل زاد المستشكل فقال ما ملخّصه :
إنّه لو سلّمنا ثبوت الولاية المطلقة للفقيه على النصب ، فالقدر المتيقّن إنّما هو ولايته على النصب وهو حيّ ، وأمّا ولايته على النصب ـ ما دام كون المنصوب حيّاً وإن مات المجتهد ـ فهي مشكوكة الثبوت ، ومقتضى الأصل العدم . ودعوى جريان
- (1) الكافي : 1 / 67 ح10 ، تهذيب الأحكام : 6 / 218 ح514 وص301 ح845 ، وعنهما وسائل الشيعة : 27 / 136 كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح1 .
-
(2) الكافي : 7 / 412 ح4 ، الفقيه : 3 / 2 ح1 ، تهذيب الأحكام : 6 / 219 ح516 ، وعنها وسائل الشيعة : 27 / 13 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب1 ح5 ، وص139 ب11 ح6 .
(الصفحة 238)
السيرة على إعطاء هذه المناصب من القضاة ، مندفعة بأنّ السيرة على ذلك غير ثابتة ، وأنّ المقدار الثابت أنّ القضاة لهم نصب القيّم والمتولّي حال حياتهم ، وأمّا أنّ لهم النصب إلى الأبد الباقي بعد الموت فلا ، ولا مجال للتمسّك بالاستصحاب بعد كونه من الاستصحابات الجارية في الشبهات الحكميّة غير الجارية عندنا ، وعلى تقدير جريانها أيضاً لا يجري في المقام ; لعدم إحراز الموضوع بعد احتمال أن تكون ولاية القيّم ، أو المتولّي من آثار ولاية القاضي وشؤونها(1) .
ولكنّ الظاهر ـ كما يأتي في محلّه ـ ثبوت الولاية المطلقة للفقيه في عصر الغيبة ، وأنّه يتمكّن من نصب المتولّي والقيّم كما يتمكّن الإمام(عليه السلام) من نصبهما ، ويؤيّده
جريان السيرة على إعطاء هذه المناصب ، وبقائها بعد موت الناصب ، بل قد عرفت من الإيضاح دعوى عدم الخلاف فيه ، ولا تصل النوبة إلى الاستصحاب ، مع أنّه على تقدير وصولها إليه لا مجال للإشكال في جريانه ; لجريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة أوّلا ; وعدم الإشكال من ناحية إحراز الموضوع ثانياً ; لأنّ احتمال كون ولاية القيِّم أو المتولّي من آثار ولاية القاضي وشؤونها ، لا يرجع إلاّ إلى احتمال البقاء والعدم ، وإلاّ فالموضوع هو الشخص المنصوب الذي بقاؤه محرز بالوجدان ، فلا وجه للإشكال في الاستصحاب أصلا .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أ نّه كما لا ينعزل القيّم أو المتولّي بموت المجتهد فيما إذا كان منصوباً على النحو الثاني المذكور في كلام صاحب الجواهر(قدس سره) ، كذلك لا ينعزل فيما إذا كان منصوباً على النحو الأوّل أيضاً ، لا لمجرّد قيام الإجماع عليه على تقديره ، بل لأنّ كون ولايته من شؤون ولاية القاضي الجاعل لا تلازم الانعزال بالموت ;
- (1) التنقيحفي شرح العروة الوثقى ، الاجتهاد والتقليد : 379 ـ 381 .
(الصفحة 239)
لاحتمال عدم كون نيابته عنه من قبيل نيابة الوكيل ، التي تبطل بموت الموكّل
إجماعاً(1) وقاعدةً ، بل من قبيل نيابة الوصي غير الباطلة بموت الموصي .
فمجرّد النيابة والتبعيّة لا تلازم الانعزال بالموت ، ولكنّ الاحتياط المذكور في المتن لا ينبغي تركه .
- (1) مفتاح الكرامة : 7 / 612 ، جواهر الكلام : 27 / 360 .
(الصفحة 240)
[صحّة الأعمال السابقة في صورة اختلاف المجتهد الحيّ مع الميّت]
مسألة16: إذا عمل عملا ـ من عبادة ، أو عقد ، أو إيقاع ـ على طبق فتوى من يقلِّده ، فمات ذلك المجتهد فقلّد من يقول ببطلانه ، يجوز له البناء على صحّة الأعمال السابقة، ولا يجب عليه إعادتها وإن وجب عليه فيما يأتي ، العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني 1 .
1 ـ وفي العروة بعد حكمه بمثل ما في المتن قال : وأمّا إذا قلّد من يقول بطهارة شيء كالغسالة ، ثمّ مات وقلّد من يقول بنجاسته ، فالصلوات والأعمال السابقة محكومة بالصحّة وإن كانت مع استعمال ذلك الشيء . وأمّا نفس ذلك الشيء إذا كان باقياً فلا يحكم بعد ذلك بطهارته . وكذا في الحلّية والحرمة ، فإذا أفتى المجتهد الأوّل بجواز الذبح بغير الحديد مثلا ، فذبح حيواناً كذلك فمات المجتهد وقلّد من يقول بحرمته ، فإن باعه أو أكله حكم بصحّة البيع وإباحة الأكل ، وأمّا إذا كان الحيوان المذبوح موجوداً فلا يجوز بيعه ولا أكله ، وهكذا(1) .
أقول : الحكم في المسألة بعدم وجوب الإعادة في العبادات وصحّة المعاملات الواقعة على طبق فتوى المجتهد الأوّل وحلِّية أكل الذبيحة وبيعها ، مبنيّ على مبحث الإجزاء ، الذي وقع البحث فيه مفصّلا في الأُصول ، وقد اختلف فيه على أقوال مختلفة . ولكنّ الذي ينبغي التعرّض له هنا خروج بعض فروض المسألة عن النزاع في باب الإجزاء ، كالاكتفاء بالتسبيحات الأربع مرّة واحدة ; فإنّ مثل ذلك من
- (1) العروة الوثقى : 1 / 15 مسألة 53 .