(الصفحة 278)[وجوب تعلّم المسائل التي هي محلّ الابتلاء غالباً]
مسألة23: يجب تعلّم مسائل الشكّ والسهو وغيرها ممّا هو محلّ الابتلاء غالباً، إلاّ إذا اطمأنّ من نفسه بعدم الابتلاء بها، كما يجب تعلّم أجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها. نعم، لو علم إجمالا أنّ عمله واجد لجميع الأجزاء والشرائط وفاقد للموانع ، صحّ وإن لم يعلم تفصيلا 1 .
1 ـ الظاهر أنّ المراد من الوجوب هو الوجوب الشرطيّ الذي مرجعه إلى أنّ تعلّم مسائل الشكّ والسهو ونحوها بالمقدار الذي هو محلّ الابتلاء غالباً ، ولا يطمئنّ من نفسه بعدم الابتلاء به ، دخيل في صحّة العبادة ووقوعها موافقة للأمر المتعلّق بها ، وذلك بقرينة الحكم بالصحّة في مورد العلم الإجمالي بكون عمله واجداً لجميع الأجزاء والشرائط ; لدلالته على كون محطّ البحث هي الصحّة والبطلان ، والأُمور الدخيلة في الأوّل ، أو الموجبة للثاني كما لا يخفى ، مع أ نّه لا وجه للوجوب الشرطي .
ضرورة أ نّه لو لم يتعلّم مسائلهما أصلا ، واتّفق عدم الابتلاء بها ، لا مجال للحكم ببطلان عمله ، كما أ نّه إذا اتّفق الابتلاء ولكنّه عمل على طبق حكمه من دون أن يعلم به ـ كما لو فرض أ نّه بنى على الأكثر في الشكّ بين الثلاث والأربع ، ثمّ انكشف أ نّه عمل على طبق وظيفته ـ لا يكون العمل باطلا ، وكذلك إذا اتّفق الابتلاء ولكنّه رفع اليد عن صلاته وأتى بصلاة اُخرى خالية عن الشكّ والسهو يكون عمله صحيحاً ، فالوجوب الشرطي ممّا لا وجه له ، من دون فرق بين ما إذا تمكّن من إحراز الامتثال بالاحتياط ، وما إذا لم يتمكّن .
(الصفحة 279)
نعم ، مع عدم التمكّن من إحراز الامتثال به ربما يقال كما قيل بأ نّه يجب عقلا
تعلّم مسائل الشكّ والسهو مع علمه بالابتلاء أو احتماله ، بناءً على ما اختاره المشهور من حرمة قطع الصلاة وإبطالها(1) ، نظراً إلى أنّ إحراز الامتثال حينئذ يتوقّف على تعلّم المسائل ; لعدم تمكّنه من قطع الصلاة وإبطالها واستئنافها ، وعدم جواز البناء على أحد طرفي الشكّ وإتمامها مع الإعادة ; لاحتمال أن يكون المتعيّن
في حقّه هو البناء على الطرف الآخر ، وقد قطعها بالبناء على عكس ذلك ، وهذا لاحتمال أن يكون ما أتى به ناقصاً عن الواجب أو زائداً عليه ، ويكون مع الإتيان به قد نقص عن صلاته أو زاد فيها متعمّداً وهو موجب لبطلانها ، فبناءً على مسلك المشهور لا سبيل إلى إحراز امتثال الأمر بالصلاة سوى التعلّم ،فيصير حينئذ
واجباً عقليّاً (2).
ولكنّه يرد عليه : أنّ المراد من عدم التمكّن من قطع الصلاة واستئنافها إن كان هو عدم التمكّن عقلا لضيق الوقت وشبهه ، فبناء ذلك على مسلك المشهور من حرمة قطع الصلاة وإبطالها ، غير صحيح ; إذ لا فرق مع عدم التمكّن كذلك بين القول بحرمة قطع الصلاة والقول بعدمها . وإن كان المراد به هو عدم التمكّن شرعاً بلحاظ حرمة قطع الصلاة على مسلك المشهور ، فيرد عليه : أنّ حرمة القطع لا تقتضي توقّف إحراز الامتثال على التعلّم حتى يجب عقلا ; فإنّه يمكن إحرازه بدون التعلّم ، وإن كان ملازماً لارتكاب محرّم وهو قطع الصلاة ، فالجمع بين الأمرين اللّذين هما حرمة قطع الصلاة وإبطالها ، وكون التعلّم مقدّمة إحرازيّة للامتثال ممّا لم يعلم له
- (1) مفتاح الكرامة : 3 / 45 ، جواهر الكلام : 11 / 123 ، كتاب الصلاة من مصباح الفقيه : 427 ، كتاب الصلاة للشيخ عبد الكريم الحائري : 308 .
-
(2) التنقيح في شرح العروة الوثقى ، الاجتهاد والتقليد: 298 ـ 299 و 375 ـ 376 .
(الصفحة 280)
وجه ، هذا كلّه مع العلم بالابتلاء .
وأمّا مع الشكّ فيها فربّما يقال بأ نّه لامانع من جريان استصحاب عدم الابتلاء في نفسه; لأ نّه كما يجري في الأُمور الحاليّة يجري في الأُمور الاستقباليّة أيضاً ، والمجعول في باب الاستصحاب هو الطريقيّة والوسطية في الإحراز ; أعني جعل ما ليس بعلم علماً تعبّداً ، كما هو الحال في جميع الطرق والأمارات ، إلاّ أنّ المانع من جريان الاستصحاب هي الأدلّة القائمة على وجوب التفقّه والتعلّم ; لدلالتها على وجوب التعلّم وجوباً طريقيّاً في كلّ مورد استند ترك الواجب في ظرفه إلى ترك التعلّم.
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ جريان الاستصحاب مع عدم كون المستصحب مجعولا شرعيّاً ، ولا مترتّباً عليه أثر شرعي ، ممنوع ـ : أ نّه بناءً على ما أفاده
من أنّ المجعول في باب الاستصحاب هو الطريقيّة والوسطية في الإحراز ، وجعل
ما ليس بعلم علماً تعبّداً لا مجال لدلالة تلك الأدلّة على وجوب التفقّه والتعلّم
في المقام ; لوضوح أنّ موردها ما إذا احتمل ترك الواجب مستنداً إلى ترك
التعلّم ، ومع وجود العلم التعبّدي بعدم الابتلاء لا يحتمل ذلك حتّى تجري تلك
الأدلّة .
وبعبارة اُخرى : كما أ نّه مع العلم الوجداني بعدم الابتلاء لا دلالة لتلك
الأدلّة على وجوب تعلّم مسائل الشكّ والسهوبالوجوب الطريقي، كذلك مع العلم التعبّدي الذي هو بمنزلة العلم الوجداني ; فإنّه إذا كان عدم الابتلاء معلوماً
في محيط الشرع ، فلاوجه حينئذ للحكم بلزوم التعلّم كماهو ظاهر. نعم، مع عدم جريان الاستصحاب كما هو المختار لا بأس بالرجوع إلى تلك الأدلّة والحكم بوجوب التعلّم .
(الصفحة 281)
تنبيه
نسب إلى الشيخ المحقّق الأنصاري(قدس سره) أ نّه حكم في رسالته العمليّة بفسق مَن ترك تعلّم مسائل الشكّ والسهو(1) ، وظاهره أنّ مجرّد الترك موجب لصيرورته فاسقاً وإن لم يتحقّق الابتلاء بالشكّ والسهو أصلا ، وقد وقع الكلام في وجه هذه الفتوى واحتمل استنادها إلى أحد اُمور أربعة :
أحدها : أنّ ترك التعلّم مع العلم بالابتلاء أو احتماله كما هو المفروض من أظهر مصاديق التجرّي على المولى ; لكشفه عن عدم الاعتناء بأحكام الله تعالى ، وعدم المبالات بأوامره ونواهيه ، والتجرّي ـ مضافاً إلى أ نّه موجب لاستحقاق العقاب عليه ـ من المحرّمات في الشريعة المقدّسة ، ومن المعلوم أنّ ارتكاب المحرّم موجب للاتّصاف بالفسق .
وأُورد عليه بأنّ هذا الوجه ـ مضافاً إلى عدم التزام الشيخ(قدس سره) به ـ لا ينبغي الالتزام به ; لعدم قيام الدليل على حرمة التجرّي وإن كان موجباً لاستحقاق العقاب عليه (2).
ثانيها : أنّ التجرّي وإن لم يكن محرّماً في نفسه ، إلاّ أ نّه يكشف عن عدم ملكة العدالة لا محالة ; لأ نّه مع وجودها لا يقدم المكلّف على ما فيه احتمال المخالفة والمعصية ، فبالتجرّي يستكشف أنّ المتجرّي لا رادع له عن ارتكاب المعصية ، والمعتبر عند الشيخ وجماعة كثيرين اعتبار الملكة في العدالة(3) .
- (1) صراط النجاة (رسالة عمليّة للشيخ الأعظم الأنصاري) : 175 مسألة 682 ، والناسب هو السيّد الخوئي في التنقيح في شرح العروة الوثقى، الاجتهاد والتقليد: 301 .
-
(2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، الاجتهاد والتقليد: 301 .
-
(3) رسالة في العدالة للشيخ الأنصاري : 7 ـ 11 ، صراط النجاة (رسالة عمليّة للشيخ الأنصاري) : 38 مسألة 37 ، بحوث في الاُصول ، الاجتهاد والتقليد : 70 .
(الصفحة 282)
وأُورد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا دليل على اعتبار الملكة في العدالة ـ بأنّ مقتضى ذلك عدم اتّصافه بالعدالة ، لا اتّصافه بالفسق ; لعدم استلزام القول باعتبار الملكة لإنكار الواسطة بين الفسق والعدالة ; فإنّ من لم يرتكب بعد بلوغه شيئاً من المعاصي والمحرّمات ، ولم يحصل له ملكة العدالة ، ليس بعادل ولا فاسق ، ففي المقام مقتضى ثبوت التجرّي عدم تحقّق ملكة العدالة ، لا ثبوت وصف الفسق كما هو المدّعى (1).
ثالثها : أ نّه حيث إنّ التعلّم واجب نفسي يكون تركه مستلزماً لتحقّق الفسق وإن لم يبتل المكلّف بمسائل الشكّ والسهو أصلا (2).
وأُورد عليه بأنّ الشيخ(قدس سره) لا يلتزم بالوجوب النفسي في التعلّم ، وإنّما يراه واجباً بالوجوب الطريقي الذي لا يترتّب على مخالفته إلاّ التجرّي دون الفسق (3).
رابعها : أنّ التجرّي وإن لم يكن محرّماً في الشريعة المقدّسة ، إلاّ أنّ المتجرّي لا يمكن الحكم بعدالته ; لأنّها عبارة عن الاستقامة في جادّة الشرع ، وكون الحركة بإذن الشارع وترخيصه ، والتجرّي وإن لم يكن محرّماً إلاّ أ نّه غير مرخّص فيه من قبل الشارع ، ولا يطلق عليه عنوان «الصالح» أو «الخيّر» ، ولا يعدّ من الموثوقين بدينه ، وهذا كما في غير المقام من موارد عدم كون الفعل مرخّصاً فيه ، كما إذا ارتكب أحد الفعلين المعلومة حرمة أحدهما ; فإنّه وإن لم يكن محرّماً شرعيّاً ، إلاّ أ نّه غير مرخّص فيه من قبل الشارع ، ويكون ارتكابه خروجاً عن جادّة الشرع ، مانعاً عن تحقّق الاستقامة فيها ، وقد اختار هذا الوجه بعض الأعلام على ما في
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى ، الاجتهاد والتقليد: 301 ـ 302 .
-
(2) راجع فرائد الاُصول : 2 / 412 ـ 422 .
-
(3) التنقيح في شرح العروة الوثقى ، الاجتهاد والتقليد: 302 .