(الصفحة 241)
الأجزاء والشرائط غير الركنيّة لا يكون الإخلال به موجباً للإعادة ولو كان العمل مخالفاً للواقع قطعاً ، فضلا عن مثل المقام .
وذلك لاقتضاء حديث «لا تعاد»(1) عدم وجوب الإعادة إلاّ من ناحية الخمسة المستثناة فيه ; وهي الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ، وقد حقّقنا في محلّه عدم اختصاص الحديث بالناسي وشموله للجاهل القاصر ، بل المقصّر (2).
كما أ نّه ربما يقال بأ نّه لا فرق بين مثال الغُسالة ومثال الحيوان المذبوح الموجود ، وبين الزوجة المعقود عليها بالفارسيّة ، التي تبقى على الحلِّية بعد العدول إلى الثاني الذي لا يرى جواز العقد بالفارسيّة ، نظراً إلى أنّ طهارة الماء من آثار عدم انفعاله بملاقاة النجاسة في مقام التطهير ، والملاقاة لـمّا كانت سابقة كانت مورداً لتقليد الأوّل لا الثاني ، وكذا الحال في حلِّية لحم الحيوان المذبوح بغير الحديد ; فإنّها من آثار تذكيته بغير الحديد ، وهي واقعة في السابق ، والمرجع فيها فتوى الأوّل وتترتّب عليه أحكامها ، فلا فرق بين مثال الزوجة والمثالين .
والمعيار أنّ الأثر الثابت حال تقليد الثاني ، إن كان من آثار السبب الواقع في حال تقليد الأوّل ، فالعمل فيه على تقليد الأوّل ، وإن كان من آثار أمر حاصل حين تقليد الثاني ، فالعمل فيه عليه لا على تقليد الأوّل . مثلا لو كان عنده مسكر فأفتى الأوّل بطهارته فرتّب عليه أحكام الطهارة ، ثمّ مات فقلّد من يقول بنجاسته ،
وجب عليه اجتنابه ; لأنّ الحكم المذكور من آثار ذاته الحاضرة ، بخلاف الأمثلة المذكورة .
- (1) الفقيه : 1 / 181 ح857 ، وعنه وسائل الشيعة : 4 / 312 ، كتاب الصلاة ، أبواب القبلة ب9 ح1 .
-
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 342 ـ 345 ، سيرى كامل در اصول فقه: 13 / 45 ـ 57 .
(الصفحة 242)
بقي في هذا المقام شيء ينبغي التنبيه عليه ; وهو أنّ ظاهر الماتن ـ دام ظلّه ـ هنا ، وفي المسألة الخامسة والعشرين الآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ أنّ الحكم بصحّة الأعمال السابقة إنّما هو لأجل وقوعها مع التقليد ، الذي تكون صحّته مقطوعة
أو محرزة بأصالة الصحّة . ولازم ذلك أ نّه إذا كانت الأعمال السابقة المطابقة للمرجع في ذلك الزمان واقعة ، لا عن تقليد رأساً ـ عمداً أو غفلة ـ لا مجال حينئذ للحكم بصحّتها ، ففي الحقيقة صحّة الأعمال السابقة من آثار صحّة التقليد ، ووقوعها مستندة إلى فتوى المجتهد ، مع أنّك ستعرف فيما يأتي(1) ـ إن شاء الله تعالى ـ أنّ صحّة التقليد لا يترتّب عليها أثر إلاّ في مسألة العدول ومسألة البقاء .
وأمّا من ناحية الأعمال والحكم بصحّتها فلا أثر للتقليد في ذلك ، بل الملاك هي المطابقة للواقع أو لفتوى المجتهد ، وقد صرّح الماتن ـ دام ظلّه ـ بذلك في المسألة الثانية المتقدّمة .
نعم ،وقع الاختلاف في أنّ الملاك في الصحّة هل هي المطابقة لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه الرجوع حال العمل ، أو لفتوى المجتهد الذي يريد الرجوع إليه حال الالتفات أو الندامة ؟ وسيأتي ما هو التحقيق في ذلك إن شاء الله تعالى(2) ، فانتظر .
- (1) في ص297 .
-
(2) في ص265 ـ 269 .
(الصفحة 243)[إذا قلّد مجهتداً من غير فحص]
مسألة17: إذا قلّد مجتهداً من غير فحص عن حاله، ثمّ شكّ في أنّه كان جامعاً للشرائط ، وجب عليه الفحص. وكذا لو قطع بكونه جامعاً لها ثمّ شكّ في ذلك على الأحوط . وأمّا إذا أحرز كونه جامعاً لها ، ثمّ شكّ في زوال بعضها عنه ـ كالعدالة والاجتهاد ـ لايجب عليه الفحص، ويجوز البناء على بقاء حالته الأُولى 1.
1 ـ الظاهر أنّ المراد من فرض المسألة ما إذا قلّد مجتهداً مع إحراز كونه واجداً لشرائط المرجعيّة من الاجتهاد والعدالة ونحوهما ، إمّا بالعلم الوجداني كما في الفرض الثاني ، أو بقيام البيّنة كما في الفرض الأوّل ، ثمّ بعد مضيّ برهة من الزمان شكّ في أ نّه هل كان عند تقليده واجداً للشرائط أم لا؟ وذلك لاحتمال خطئه في العلم باستجماعه للشرائط ، أو لظهور فسق البيّنة التي قامت عليه .
وقد حكم ـ دام ظلّه ـ في الفرض الأوّل بوجوب الفحص ; لأنّ البيّنة القائمة قد انكشف سقوطها عن الاعتبار بانكشاف فسق الشاهدين أو أحدهما ، وكما أنّ حدوث التقليد لابدّ وأن يكون مستنداً إلى قيام الحجّة ونهوض الدليل ، كذلك البقاء على التقليد ، ولم يقم دليل على أنّ مجرّد قيام البيّنة ولو مع انكشاف الفسق بعد ذلك يكفي في البقاء ، بل يجب عليه الفحص .
وأمّا الفرض الثاني: فيبتني على قاعدة اليقين والشكّ الساري ، فإن قلنا بحجّيتها، كما أنّ الاستصحاب حجّة معتبرة يكفي مجرّد العلم في جواز البقاء ، وإن زال العلم وتبدّل إلى الشكّ لقيام الدليل التعبّدي عليه ، لكنّ الحقّ ـ كما قد حقّق في محلّه(1) ـ
- (1) فرائد الاُصول : 3 / 302 وما بعدها ; سيرى كامل در اُصول فقه: 15 / 350 وما بعدها .
(الصفحة 244)
أ نّه لا دليل على حجّية قاعدة اليقين ، وأنّ الأخبار(1) الناهية عن نقض اليقين بالشكّ لا دلالة لها إلاّ على حجّية خصوص الاستصحاب، ولا تعمّ كلتا القاعدتين ، وليس هنا دليل آخر في البين . وعليه : فلا مناص من الالتزام بوجوب الفحص .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ عدم وجوب الفحص في الفرض الثالث ـ الذي يكون الشكّ بحسب البقاء فقط ولم يكن سارياً إلى الحدوث ـ إنّما هو لاستصحاب بقاء الشرائط من العدالة والاجتهاد ونحوهما ، وقد قرّر في محلّه أنّ الاُصول الجارية في الشبهات الموضوعيّة لا يجب الفحص في مجراها ، بل تجري من دون فحص ، بخلاف الاُصول الجارية في الشبهات الحكميّة، حيث إنّ جريانهامشروط بالفحص(2).
ثمّ إنّ وجوب الفحص في الفرضين الأوّلين بلحاظ البقاء ، إنّما هو في مورد حرمة العدول ، وفي غيره لا يجب الفحص ، فإذا فرض أ نّه كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة ، فاختار واحداً منهما فقلّده ، ثمّ شكّ في استجماعه للشرائط بحسب الحدوث ، يجوز العدول إلى الآخر من دون فحص إذا قلنا بكون التخيير استمراريّاً . وعليه : فوجوب الفحص إنّما هو في مورد حرمة العدول ، كما إذا كان المجتهد الذي قلّده ـ على تقدير الاستجماع ـ أعلم من غيره ، أو لم نقل بالتخيير الاستمراري في المجتهدين المتساويين في الفضيلة ، أو لم نقل بجواز العدول أصلا .
ويمكن أن يقال : إنّ وجوب الفحص وجوب شرطيّ ، مرجعه إلى أنّ شرط جواز البقاء على تقليد من شكّ في استجماعه حدوثاً هو الفحص . وعليه : فلا فرق بين مورد حرمة العدول وغيره ، كما هو ظاهر .
- (1) وسائل الشيعة : 1 / 245 ، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء ب1 ح1 ، وج3 / 477 ، أبواب النجاسات ب41 ح1 ، وج8/ 216 ، كتاب الصلاة ، أبواب الخلل ب10 ح3 .
-
(2) سيرى كامل در اصول فقه: 13 / 273 ـ 406 .
(الصفحة 245)[لو عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط]
مسألة18: إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط ـ من فسق أو جنون أو نسيان ـ يجب العدول إلى الجامع لها، ولا يجوز البقاء على تقليده. كما أنّه لو قلّد من لم يكن جامعاً للشرائط ، ومضى عليه برهة من الزمان ، كان كمن لم يقلّد أصلا، فحاله حال الجاهل القاصر ، أو المقصّر 1.
1 ـ أمّا وجوب العدول إلى الجامع في الفرض الأوّل ـ الذي عرض للمجتهد
ما يوجب فقده لبعض الشرائط ـ فلظهور الأدلّة في أنّ جواز التقليد متوقّف على تحقّق الشرائط حدوثاً وبقاءً ، وإذا زالت الشرائط بأجمعها أو ببعضها يرتفع جواز التقليد ، فيجب عليه الرجوع إلى غيره الواجد للشرائط . نعم ، في خصوص شرط الحياة قام الدليل على عدم اعتباره بقاءً ، وأ نّه يجوز البقاء على تقليد الميّت ، كما تقدّم البحث عنه مفصّلا(1) . وأمّا في غيره ; فظاهر الأدلّة اعتبارها في البقاء أيضاً . وعليه : فلا مجال لما نسب إلى بعض ; من القول بكفاية حصول الشرائط حدوثاً .
والظاهر أنّ المراد بالنسيان ـ الذي مثّل به أيضاً في المتن ـ ليس نسيان فتاواه
وآراءه ; فإنّ ذلك لا يكون موجباً للعدول عنه بعد اطّلاع المقلّد عليها ; لأجل اشتمال رسالته العمليّة عليها ، أو لغيره ، بل المراد به هو نسيان طريق الاستنباط ، وزوال قوّة الاجتهاد عنه ، بحيث لا يتمكّن منه ولا تكون له هذه القوّة بالفعل .
وأمّا الفرض الثاني ـ الذي يكون المقلّد فيه كمن لم يقلّد أصلا ـ فلبطلان تقليده