(الصفحة 340)
سُلَيْمَـنَ وَ مَا كَفَرَ سُلَيْمَـنُ وَ لَـكِنَّ الشَّيَـطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَ مَآ أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـرُوتَ وَ مَـرُوتَ وَ مَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِى بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِى وَ مَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِى مِنْ أَحَد إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ يَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَ لاَ يَنفَعُهُمْ وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَ لـهُ مَالَهُو فِى الاَْخِرَةِ مِنْ خَلَـق وَ لَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِى أَنفُسَهُمْ لَوْكَانُوا يَعْلَمُونَ}(1) .
انتهى محكيّ ما أفاده العلاّمة الطباطبائي(قدس سره) في هذا الباب(2) ، وظاهره أنّ الملاك هو إيعاد الله ـ تبارك وتعالى ـ في خصوص الكتاب العزيز .
وأورد عليه صاحب الجواهر(قدس سره) ستّة إيرادات :
أحدها : أ نّه يلزم على ما ذكر من حصر الكبائر في هذا العدد أن يكون ما عداها صغائر ، وأ نّه لا يقدح في العدالة فعلها ، بل لابدّ من الإصرار ، وبدونه تقع مكفّرة لا تحتاج إلى توبة ، فمثل اللواط ، وشرب الخمر ، وترك صوم يوم من شهر رمضان ، وشهادة الزور ، ونحو ذلك من الصغائر التي لا تقدح في العدالة ، ولا تحتاج إلى توبة ، بل تقع مكفّرة ، ولا يثبت بها جرح ، وهو واضح الفساد ، وكيف يمكن الحكم بعدالة شخص قامت البيّنة على أ نّه لاط في غلام في زمان قبل زمان أداء الشهادة بيسير ، كما لا يخفى على المخالط لطريقة الشرع ؟!
وإن شئت فانظر إلى كتب الرجال وما يقدحون به في عدالة الرجل ، على أ نّ في
رواية ابن أبي يعفور السابقة(3) : «أن تعرفوه بالستر والعفاف ، وكفّ البطن والفرج
- (1) سورة البقرة : 2 / 102 .
-
(2) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 3 / 92 ـ 94 وجواهر الكلام : 13 / 310 ـ 316 .
-
(3) في ص313 .
(الصفحة 341)
واللسان» ونحو ذلك. بل في ذلك إغراء للناس في كثير من المعاصي ; فإنّه قلّ من يجتنب من المعاصي من جهة استحقاق العقاب بعد معرفته أن لا عقاب عليه .
ثانيها : أنّه قد ورد في السنّة في تعداد الكبائر ما ليس مذكوراً فيما حصره ، مع النصّ عليه فيها بأ نّه كبيرة ، وقوله(عليه السلام) : «إنّ الكبيرة كلّ ما أوعد الله عليها النار»(1)لا ينافيه ، ولو لكونه(عليه السلام) يعلم كيف توعّد الله عليها بالنار ، قصارى ما هناك نحن بحسب وصولنا ما وصلنا كيف وعد الله عليه النار .
فنحكم بكونه كبيرة ، وإن لم نعرف كيف وعد الله عليه النار . فانظر إلى ما في حسنة عبيد بن زرارة لمّا سأله(عليه السلام)عن الكبائر فقال : هنّ في كتاب عليّ(عليه السلام) سبع ـ إلى أن قال :ـ فقلت : فهذا أكبر المعاصي؟ فقال : نعم ، قلت : فأكل الدرهم من مال اليتيم ظلماً أكبر أم ترك الصلاة؟ قال : ترك الصلاة ، قلت : فما عددت ترك الصلاة في الكبائر ! قال : أيّ شيء أوّل ما قلت لك؟ قلت : الكفر ، قال : فإنّ تارك الصلاة كافر ، يعني من غير علّة(2) . كيف اُدخل ترك الصلاة في الكفر مع استحضاره(عليه السلام)لقوله ـ تعالى ـ : { مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ }(3) .
ثالثها : أ نّه قال الله ـ تعالى ـ : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِى وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالاَْزْلَـمِ ذَ لِكُمْ فِسْقٌ}(4) ;
- (1) الفقيه: 3 / 373 ح1758، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 327، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ب46 ح24.
-
(2) الكافي : 2 / 278 ح8 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 321 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح4 .
-
(3) سورة المدّثّر : 74 / 42 ـ 43 .
-
(4) سورة المائدة : 5 /3 .
(الصفحة 342)
فإنّه إن أُريد بالإشارة إلى الأخير ، أو كلّ واحد فقد حكم بالفسق ، واحتمال إرادة
الإصرار بعيد ، كاحتمال إرادة ما لا ينافي العدالة من الفسق ، بل مجرّد المعصية أو من غير مجتنب الكبائر .
رابعها : أنّه قد ورد في السنّة التوعّد بالنار ـ وأيّ توعّد ـ على كثير من المعاصي ، وبناءً على ما ذكر لابدّ وأن يراد بها إمّا الإصرار عليها ، أو من غير مجتنب الكبائر ، وكلّه مخالف للظاهر من غير دليل يدلّ عليه .
خامسها : أنّ فيما رواه عبدالعظيم بن عبدالله الحسني ذكر من جملة الكبائر شرب الخمر ، معلّلا ذلك بأنّ الله تعالى نهى عنه كما نهى عن عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمّداً ، أو شيئاً ممّا فرض الله ; لأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : من ترك الصلاة متعمّداً فقد برىء من ذمّة الله وذمّة رسوله(صلى الله عليه وآله) (1) . فانظر كيف استدّل على كونه كبيرة بما ورد من السنّة .
سادسها : نقل الإجماع على أنّ الإصرار على الصغيرة من جملة الكبائر(2)(3) .
وقد أورد عليه بهذا الأخير تلميذه صاحب مفتاح الكرامة ، حيث قال : وليت شعري ماذا يقول في الإصرار على الصغائر ; فإنّه كبيرة إجماعاً ، وليس في القرآن المجيد وعيد عليه بالنار ، ولعلّي أسأله عنه شفاهاً(4) .
وأورد عليه ابن أخيه سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي(قدس سره) ـ مضافاً إلى ما أورده عليه في الجواهر من الإيرادات الستّة المتقدّمة ـ بأنّ الظاهر كون المقسم
- (1) الكافي : 2 / 287 قطعة من ح24 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 320 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ب46 قطعة من ح2 .
-
(2) تحرير الأحكام : 5 / 247 ، ذخيرة المعاد : 305 .
-
(3) جواهر الكلام : 13 / 316 ـ 318 .
-
(4) مفتاح الكرامة : 3 / 94 .
(الصفحة 343)
للكبيرة والصغيرة هي المعاصي الوجوديّة التي تتحقّق بالوجودات الصادرة من المكلّف . وعليه : فيسقط من جملة ما عدّه من الكبائر ; مثل ترك الصلاة ، ومنع الزكاة ، والتخلّف عن الجهاد ، وكتمان ما أنزل الله ، ونقض العهد واليمين ، وقطع الرحم ، وعدم الحكم بما أنزل الله ، وترك الحج ; لأنّها كلّها معاصي عدميّة .
أمّا مثل ترك الصلاة ومنع الزكاة فواضح . وأمّا كتمان ما أنزل الله ، فالآية الواردة فيه ظاهرة في أنّ الواجب هو التبيين ، والكتمان تركه ، وهكذا نقض العهد واليمين ، وكذا قطع الرحم ، والحكم بغير ما أنزل الله ، كما يظهر من آيتيهما .
وأيضاً الظاهر أنّ المراد بالمعاصي الكبيرة هي المعاصي التي يمكن أن تقع من المسلم غير الكافر . وعليه : فيسقط من جملة ما ذكره مثل الكفر بالله العظيم ، والإضلال عن سبيل الله ، ولذا لم يعدّ في جملة الكبائر في بعض الروايات الدالّة على أنّ الكبائر خمس (1)، حيث إ نّه بعد ذلك عدّها ستّاً ، وهذا دليل على أ نّه لا يكون مثل الشرك بالله معدوداً من الكبائر .
وأيضاً تدخل جملة ممّا عدّه من الكبائر في الظلم الذي عدّه منها ، فتلك الجملة من أقسام الظلم ، لا أ نّها قسيمة له، وذلك مثل قتل النفس ، وأكل مال اليتيم ، والمنع من مساجد الله ، والاستهزاء بالمؤمنين ، وإيذاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقذف المحصنات ، والمحاربة ، وقطع السبيل . وعليه : فلا يبقى إلاّ مقدار قليل لا يتجاوز عن الإثنى عشر ، كما لا يخفى (2).
ويمكن المناقشة في بعض ما أورده صاحب الجواهر(قدس سره) ; بأنّ مرجع النزاع
- (1) مثل رواية ابن أبي عمير الآتي في ص 347 .
-
(2) نهاية التقرير: 3 / 259 ـ 260 .
(الصفحة 344)
إلى ضابط الكبيرة ، وأنّها هل هي عبارة عن خصوص ما أوعد الله ـ تعالى ـ عليها النار ، أو العذاب في خصوص الكتاب العزيز ، أو يشمل ما أوعد الله عليها بلسان نبيّه(صلى الله عليه وآله) والأئمّة من عترته(عليهم السلام)؟ وقد عرفت(1) أنّ العلاّمة الطباطبائي استظهر الاحتمال الأوّل الذي هو خلاف الظاهر ، كما أنّ دعوى الإجماع على أنّ الإصرار على الصغيرة من جملة الكبائر ، لعلّ المراد بها ترتّب حكم ارتكاب الكبيرة عليه من حيث قادحيّته في العدالة ، لا أ نّه كبيرة واقعاً ، وسيجيء البحث فيه(2) .
كما أ نّه يمكن المناقشة في بعض ما أورده الأستاذ(قدس سره) ، بأنّ اختصاص الكبيرة بخصوص المعاصي الوجوديّة ، ينافي مع ما في صحيحة عبدالله بن أبي يعفور المتقدّمة(3) ; من جعل المواظبة على الصلوات الخمس ، والحضور في جماعة المسلمين ، أمارة شرعيّة ودليلا تعبديّاً على تحقّق العدالة ، التي يكون قوامها باجتناب الكبيرة على ما في الصحيحة ، كما أنّ إخراج الشرك بالله عن عنوان الكبيرة ينافي مع ما في الروايات الكثيرة الدالّة على أ نّه من جملة الكبائر ، بل من أعظمها .
والتحقيق أ نّه لابدّ في المقام من ملاحظة الروايات الواردة في الباب ، التي أوردها في الوسائل في الباب السادس والأربعين من أبواب جهاد النفس ، ولكنّها مختلفة من حيث المفاد ; لأنّ جملة منها واردة في تفسير الكبائر وبيان الضابط لها ، وجملة منها دالّة على عددها وأنّها خمس أو سبع أو تسع ، أو أزيد على اختلاف
بين هذه الطائفة أيضاً ، وجملة منها واردة في عدّ بعض المعاصي من الكبائر ، من
- (1) في ص332 ، 340 .
-
(2) في ص355 ـ 360 .
-
(3) في ص313 .