(الصفحة 344)
إلى ضابط الكبيرة ، وأنّها هل هي عبارة عن خصوص ما أوعد الله ـ تعالى ـ عليها النار ، أو العذاب في خصوص الكتاب العزيز ، أو يشمل ما أوعد الله عليها بلسان نبيّه(صلى الله عليه وآله) والأئمّة من عترته(عليهم السلام)؟ وقد عرفت(1) أنّ العلاّمة الطباطبائي استظهر الاحتمال الأوّل الذي هو خلاف الظاهر ، كما أنّ دعوى الإجماع على أنّ الإصرار على الصغيرة من جملة الكبائر ، لعلّ المراد بها ترتّب حكم ارتكاب الكبيرة عليه من حيث قادحيّته في العدالة ، لا أ نّه كبيرة واقعاً ، وسيجيء البحث فيه(2) .
كما أ نّه يمكن المناقشة في بعض ما أورده الأستاذ(قدس سره) ، بأنّ اختصاص الكبيرة بخصوص المعاصي الوجوديّة ، ينافي مع ما في صحيحة عبدالله بن أبي يعفور المتقدّمة(3) ; من جعل المواظبة على الصلوات الخمس ، والحضور في جماعة المسلمين ، أمارة شرعيّة ودليلا تعبديّاً على تحقّق العدالة ، التي يكون قوامها باجتناب الكبيرة على ما في الصحيحة ، كما أنّ إخراج الشرك بالله عن عنوان الكبيرة ينافي مع ما في الروايات الكثيرة الدالّة على أ نّه من جملة الكبائر ، بل من أعظمها .
والتحقيق أ نّه لابدّ في المقام من ملاحظة الروايات الواردة في الباب ، التي أوردها في الوسائل في الباب السادس والأربعين من أبواب جهاد النفس ، ولكنّها مختلفة من حيث المفاد ; لأنّ جملة منها واردة في تفسير الكبائر وبيان الضابط لها ، وجملة منها دالّة على عددها وأنّها خمس أو سبع أو تسع ، أو أزيد على اختلاف
بين هذه الطائفة أيضاً ، وجملة منها واردة في عدّ بعض المعاصي من الكبائر ، من
- (1) في ص332 ، 340 .
-
(2) في ص355 ـ 360 .
-
(3) في ص313 .
(الصفحة 345)
غير تعرّض لتفسيرها ولا كونها في مقام تعدادها ، وبعض منها غير مرتبط بعنوان
الباب ، مثل رواية الأصبغ(1) .
[سائر الروايات الواردة في الكبيرة]
والروايات الدالّة على أنّها سبع كثيرة :
منها : رواية ابن محبوب .
ومنها : رواية عبيد بن زرارة .
ومنها : رواية أبي بصير .
ومنها : رواية محمّد بن مسلم .
ومنها : رواية أحمد بن عمر الحلبي .
ومنها : رواية عبد الرحمن بن كثير(2) .
ولكن ذكر في رواية أبي بصير أنّ الكبائر سبعة وعدّها ثمانية ، لكنّه قال(عليه السلام) في ذيلها : «والتعرّب والشرك واحد» . وفي رواية محمّد بن مسلم أسقط عقوق الوالدين ، وعدّ السابعة كلّ ما أوجب الله عليه النار ، مع أ نّه تعريف للكبائر وضابط لها ، لا أ نّه من أفرادها ، ولذا يحتمل أن يكون الراوي قد سهى عن العقوق ، وذكر موضعه هذه الضابطة .
وفي رواية عبدالرحمن بن كثير أسقط التعرّب وأكلِ الربا بعد البيّنة ، وذكر موضع السابعة «إنكار حقّنا» . ولا مانع من إسقاط التعرّب بعد ذكر الشرك ; لأ نّه
- (1) الكافي : 2 / 281 ح16 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 321 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح3 .
-
(2) وسائل الشيعة : 15 / 318 ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح1 ، وص321 ح4 وص322 ح6 وص324 ح16 وص326 ح22 وص329 ح32 .
(الصفحة 346)
بمنزلته ، كما مرّ في رواية أبي بصير ، وفي رواية أبي الصامت(1) ذكر أنّ أكبر الكبائر سبع ، وأسقط التعرّب وأكل الربا بعد البيّنة ، وذكر موضع السابعة «إنكار ما أنزل الله عزّوجلّ» . لكن قد عرفت أنّ إسقاط التعرّب بعد ذكر الشرك لا بأس به ; لأنّ مرجع التعرّب إلى الرجوع إلى الحالة التي كان عليها قبل الهجرة إلى دار الإسلام لغرض الإسلام والإيمان ، فمرجعه إلى الرجوع والإرتداد عن الإسلام بعد الهجرة من الكفر إليه .
وفي رواية مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) عدّها عشرة من غير تعرّض لكونها عشرة ، وأضاف إلى السبع المذكورة في الروايات السابقة : القنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله(2) . والظاهر أنّ الأوّلين واحد ، وقد ذكرت هذه الزيادة في رواية عبدالعظيم الآتية .
وفي رواية اُخرى لمحمّد بن مسلم(3) عدّ أكبر الكبائر ثمانية من غير تعرّض لكونها ثمانية ، وحيث إ نّه عدّ فيها التعرّب والشرك أمرين ، وقد عرفت أنّهما واحد ، فلا اختلاف بينها ، وبين الروايات الدالّة على أنّها سبعة .
وفي رواية اُخرى لعبيد بن زرارة(4) ذكر أنّ الكبائر خمس ، وأسقط العقوق
- (1) تهذيب الأحكام : 4 / 149 ح417 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 325 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح20 .
-
(2) الكافي : 2 / 280 ح10 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 324 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح13 .
-
(3) الخصال : 411 ح15 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 330 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح35 .
-
(4) الخصال : 273 ح17 ، علل الشرائع : 475 ح3 ، وعنهما وسائل الشيعة : 15 / 328 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح28 .
(الصفحة 347)
والتعرّب ، ولكن ذكر في موضعه «الشرك» من غير عدّها من جملة الخمس ، ففي الحقيقة لم يذكر فيها خصوص العقوق .
وفي مرسل ابن أبي عمير(1) ذكر أنّها خمس كالرواية السابقة ، وعدّ الشرك والتعرّب أمرين ، وبعد ما عرفت من اتّحادهما يرجع إلى الأربعة ، ففي الحقيقة أسقطت فيها ثلاثة : القتل ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات .
وأمّا الروايات الدالّة على أنّ الكبائر أزيد من ذلك فهي ثلاث روايات :
منها : رواية الأعمش الدالّة على أنّها ثلاث وثلاثون(2) .
ومنها : رواية عبدالعظيم الدالّة على أنّها عشرون(3) .
ومنها : رواية الفضل بن شاذان ، عن الرضا(عليه السلام) الدالّة على أ نّه ثلاث و ثلاثون(4) ، والظاهر اتّحادها مع رواية الأعمش ، والاختلاف بينهما يسير ; لأ نّه ذكر في رواية الأعمش أنّ الاشتغال بالملاهي التي تصدّ عن ذكر الله ـ عزّ وجلّ ـ مكروهة ، وقد عدّت هي من الكبائر في رواية الفضل ، ولكنّه لم يعلم أنّ المراد بها هي الكراهة المصطلحة المقابلة للحرمة ، وإلاّ لم يكن وجه لتخصيصه بالذكر في مقام ذكر المعاصي الكبيرة وتعدادها ، فلعلّ المراد بها هي المرتبة الضعيفة من
- (1) علل الشرائع : 475 ح2 ، الخصال : 273 ح16 ، وعنهما وسائل الشيعة : 15 / 327 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح27 .
-
(2) الخصال : 610 ح9 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 331 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح36 .
-
(3) الكافي : 2 / 285 ح24 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح2 .
-
(4) عيون أخبار الرضا(عليه السلام) : 2 / 125 ـ 126 ح1 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح33 .
(الصفحة 348)
مراتب الكبيرة ، فتأمّل .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أ نّه لا محيص عن الالتزام باتّصاف سبع من المعاصي بكونها كبيرة بقول مطلق ; وهي السبع المذكورة في الروايات الدالّة على أنّ الكبائر سبع ، أو أكبرها سبع ، أو أنّ رتبة سائر الكبائر أدنى من رتبة هذه السبع ، كما تدلّ عليه رواية الأعمش . وأمّا ما عدا السبع ، فما ذكر في مثل رواية الأعمش فالظاهر أنّها كبيرة بالإضافة إلى ما دونها ، صغيرة بالإضافة إلى السبع التي هي فوقها ، وبمثل هذا يجمع بين ما دلّ على أنّ الزنا والسرقة ليستا من الكبائر ; كروايتي محمّد بن حكيم(1) ومحمّد بن مسلم(2) . وما دلّ على أنّهما منها ; كروايتي الفضل والأعمش .
وجه الجمع أنّ ما دلّ على عدم كونهما من الكبائر يُراد به عدم كونهما من الكبائر بقول مطلق ، وعدم كونهما في عرض الكبائر والمعاصي الّتي هي أكبر الكبائر ،
وما دلّ على كونهما منها يُراد به أنّهما كبيرتان بالإضافة إلى ما تحتهما من المعاصي .
[تعداد الكبائر]
ولا بأس بذكر الكبائر حسب ما تستفاد من الروايات الواردة في هذا المقام ، رجاء أن يكون اللاحظ لها والناظر فيها يجتنب عن جميعها بعد النظر والتوجّه
لو لم يكن مجتنباً .
- (1) الكافي : 2 / 284 ح21 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 325 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح18 .
-
(2) الخصال : 411 ح15 ، وعنه وسائل الشيعة : 15 / 330 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح35 .