(الصفحة 375)
وأنت خبير بأنّ مرجع ما أفاده(قدس سره) إلى وجوب تبليغ الأحكام الشرعيّة وبيانها للناس وحفظها عن الخفاء والاندراس ، ولأجله صرّح في ذيل كلامه بأ نّه «كما يجب على المفتي أو الناقل خطأً إخبار الجاهل ، كذلك يجب على غيره من المكلّفين ; لعموم الأدلّة الدالّة على وجوب الإعلام» مع أنّ الظاهر أنّ المقصود في هذه المسألة وجوب الإعلام على خصوص الناقل أو المفتي خطأً دون سائر المكلّفين ، مضافاً إلى اختلاف كيفيّة الإعلام في المقامين ; فإنّ الإعلام هناك إنّما يتحقّق ببيان الأحكام الشرعيّة على النحو المتعارف الذي يتمكّن العامّي من الوصول إليه ، والإعلام هنا إنّما هو بإعلام كلّ فرد ممّن تعلّم الفتوى على خلاف الواقع بأيّ نحو أمكن ، فبين المقامين فرق ظاهر .
وأمّا الصورة الثانية : أعني ما إذا كانت الفتوى الواقعيّة غير إلزاميّة ، والناقل
أو المجتهد نقلها بنحو الإلزام ، فربما يقال بعدم وجوب الإعلام حينئذ ، لعدم جريان قاعدة حرمة التسبيب في هذه الصورة ; لأنّ المفروض أنّ الفتوى صارت سبباً لترك أمر مباح ، أو فعل أمر لا يكون واجباً ، وليس شيء منهما بحرام ، وأدلّة وجوب تبليغ الأحكام ـ مضافاً إلى أنّ مقتضاها وجوب البيان بالنحو المذكور ،
لا وجوب إيصالها إلى آحاد المكلّفين ـ مختصّة بالأحكام الإلزاميّة، ولا تشمل الأحكام الترخيصيّة، إمّالاقترانهابالقرينة في نفسها ، وإمّا لأنّ التعلّم واجب طريقيّ.
والوجه فيه هو التحفّظ على المصالح لئلا تفوت ، والتجنّب عن الوقوع في المفاسد ، ومن الظاهر عدم وجوب التعليم إلاّ فيما وجب فيه التعلّم ، والتعلّم إنّما يجب في خصوص الأحكام الإلزاميّة; لأنّ الأحكام الترخيصيّة لا يجب فيها التعلّم والتقليد.
(الصفحة 376)
هذا ، ويمكن أن يقال بأنّ التضييق على العامّي المكلّف بسبب ترك إعلامه بعدم الوجوب أو الحرمة مخالف لما هو المقصود للشارع المقدّس ، ولكون هذه الشريعة المطهّرة سمحة سهلة ; ضرورة أنّ إيقاعه في الكلفة والمشقّة من دون موجب ممّا لايرتضيه الشارع ، وأدلّة وجوب تبليغ الأحكام لا وجه لدعوى اختصاصها بالأحكام الإلزاميّة ، خصوصاً في مثل المقام ; فإنّه تارة : يكون الحكم الترخيصي مسكوتاً عنه ، واُخرى : يحكم مكانه بحكم إلزاميّ موجب لوقوع المكلّف في
الضيق ; فإنّه لا تبعد دعوى وجوب الإعلام في الصورة الثانية ليخرج المكلّف بسببه عن المشقّة والكلفة ، فتدبّر جيّداً .
(الصفحة 377)[ابتلاء المصلّي في أثناء الصلاة بما لا يعلم حكمه]
مسألة31: إذا اتّفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها ولم يتمكّن حينئذ من استعلامها ، بنى على أحد الطرفين بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة، وأن يعيدها إذا ظهر كون المأتيّ به خلاف الواقع، فلو فعل كذلك فظهرت المطابقة صحّت صلاته 1.
1 ـ الظاهر أنّ المراد بهذه المسألة ما إذا اتّفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها ولم يكن يعلم أو يحتمل اتّفاقها ; فإنّ صورة العلم أو الاحتمال قد تقدّم البحث عنها سابقاً في المسألة الثالثة والعشرين ، وفي المقام إذا كان الاحتياط ممكناً بالإضافة إليه ، كما إذا شكّ في قراءة الفاتحة بعد الدخول في السورة ، ولم يعلم أنّ حكمه عدم الاعتناء بهذا الشكّ لأجل تحقّق التجاوز عن المحلّ ، أو الاعتناء به لعدم تحقّق التجاوز إلاّ بالدخول في الركوع مثلا ، فالظاهر وجوب الاحتياط عليه عقلا بناءً على القول بحرمة قطع الصلاة ، كما هو المنسوب إلى المشهور(1) .
وأمّا إذا لم يمكن الاحتياط ، كما إذا حصل له مثل هذا الشكّ بالنسبة إلى الركن الذي تكون زيادته ونقيصته موجباً للبطلان مطلقاً عمداً وسهواً ، فعلى تقدير عدم كون قطع الصلاة محرّماً، أوعدم كون الحرمة ثابتة في المقام; لأنّ الدليل عليها منحصر بالإجماع ، والقدر المتيقّن منه غير المقام ممّا كان المكلّف متمكّناً من إتمام الصلاة مع الجزم بصحّتها ، يجوز له أن يقطع الصلاة ويأتي بصلاة اُخرى فاقدة لمثل هذا الشكّ،
- (1) مفتاح الكرامة : 3 / 45 ، التنقيح في شرح العروة الوثقى، الاجتهاد والتقليد: 298 و 376 .
(الصفحة 378)
كما أ نّه يجوز له أن يبني على أحد الطرفين بقصد السؤال عن الحكم بعد الصلاة ، وأ نّه إذا كان ما أتى به على خلاف الواقع ; بحيث كان الواجب عليه الإعادة ، يعيد صلاته ، فإذا فعل ذلك ، وكان عمله مطابقاً للواقع أو مخالفاً له بنحو لم تكن الإعادة واجبة، لاتجب عليه الإعادة، بل لا يبعد أن يقال كما مرّ بأ نّه لو بنى على أحد الطرفين مطلقاً، ولم يقصد الإعادة على فرض المخالفة ووجوبها ، يحكم بصحّة عمله مع المطابقة ، أو مثلها إذا لم يكن ذلك مخِلاًّ بقصد القربة ، كما عرفت في بعض المسائل السابقة(1) .
وأمّا لو قلنا بحرمة قطع الصلاة وشمول دليلها لمثل المقام ، فالطريق ينحصر بالثاني . نعم ، قد عرفت في المسألة الثالثة والعشرين المتقدّمة أ نّه بناءً على هذا المبنى أيضاً لو ارتكب قطع الصلاة المحرّم لا يكون ذلك مخِلاًّ بما هو المقصود في المقام من تحقّق الامتثال والخروج عن عهدة التكليف العبادي المتوجّه إليه ; فإنّ حرمة قطع الصلاة أمر ، وتحقّق الامتثال وحصول وصف الصحّة للعبادة أمر آخر ،
وقد وقع بينهما الخلط في بعض الكلمات فلاحظ (2).
- (1) في ص262 ـ 269 .
-
(2) التنقيح في شرح العروة الوثقى ، الاجتهاد والتقليد: 298 ـ 299 .
(الصفحة 379)[حكم الوكيل في عمل عن الغير والأجير عن الوصيّ أو الوليّ]
مسألة32: الوكيل في عمل عن الغير ـ كإجراء عقد أو إيقاع ، أو أداء خمس أو زكاة أو كفارة أو نحوها ـ يجب عليه أن يعمل بمقتضى تقليد الموكّل
لا تقليد نفسه إذا كانا مختلفين، وأمّا الأجير عن الوصيّ أو الوليّ في إتيان الصلاة ونحوها عن الميّت ، فالأقوى لزوم مراعاة تقليده لا تقليد الميّت ولا تقليدهما. وكذا لو أتى الوصيّ بها تبرّعاً أو استئجاراً يجب عليه مراعاة تقليده لا تقليد الميّت ، وكذا الولي 1 .
1 ـ ربما يقال في مقام الإشكال على ما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ من وجوب عمل الوكيل بمقتضى تقليد الموكّل لا تقليد نفسه إذا كانا مختلفين ما ملخّصه : أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ إطلاق الوكالة يقتضي إيكال تطبيق العمل الموكّل عليه إلى نظر الوكيل . نعم ، إذا اتّفق التفات الموكّل إلى الاختلاف في التطبيق فقد يشكل ذلك من جهة أنّ نظر الموكّل مانع عن عموم التوكيل لمورد الاختلاف ، ولكن يدفعه أ نّه وإن كان يمنع عن عمومه بنظر الموكّل تفصيلا ، لكن لا يمنع عن عمومه إجمالا ، وهو كاف في جواز العمل .
مثلا إذا وكّله في أن يعقد له على امرأة ، وكان الموكّل يعتقد فساد العقد بالفارسيّة ، والوكيل يعتقد صحّته ; فإنّ موضوع الوكالة ـ وهو العقد الصحيح بإطلاقه الإجمالي ـ ينطبق على العقد بالفارسيّة وإن كان لا ينطبق بإطلاقه التفصيلي بنظر الموكّل . نعم ، إذا كانت قرينة على تقييد الوكالة بالعمل بنظر الموكّل ، أو كان ما يصلح أن يكون قرينة على ذلك ، لم يكن عمل الوكيل المخالف لنظر الموكّل