(الصفحة 271)
الخارجيّة بأجمعها إلاّ ما قام الدليل على التخصيص فيه ; مثل الزنا ونحوه ،
وقد قدّمنا البحث عن حجّية البيّنة بما لا مزيد عليه(1) .
وأمّا إخبار عدل واحد أو ثقة واحد فالإكتفاء به مبنيّ على حجّية خبر الواحد في الموضوعات الخارجيّة أيضاً ، وقد تكلّمنا في هذه الجهة فيما سبق(2) ، وذكرنا أنّ إقامة الدليل عليها في غاية الإشكال ، وأنّ نفس اعتبار البيّنة وجعل الحجّية لها دليل على أ نّه لا يجوز الاكتفاء بالواحد مقام المتعدّد ، وبالوثاقة مقام العدالة .
نعم ، ربما يقال بأ نّه لا ينبغي التأمّل في حجيّة إخبار الثقة في محلّ الكلام وإن لم نقل باعتباره في الموضوعات الخارجيّة ; لأنّ الإخبار عن الفتوى إخبار عمّا هو من شؤون الأحكام الشرعيّة ; لأ نّه في الحقيقة إخبار عن قول الإمام(عليه السلام) مع الواسطة ، ولا فرق في حجّية خبر الثقة بين أن يتضمّن نقل قول المعصوم(عليه السلام) ابتداءً ، وبين أن يتضمّن نقل الفتوى التي هي إخبار عن قوله(عليه السلام) (3).
ولكنّه غير خفيّ أنّ الإخبار عن الفتوى ليس إخباراً عن الحكم وقول الإمام(عليه السلام)بوجه ; فإنّ الفتوى عبارة عن نظر المجتهد ورأيه ، ولا سيّما مع الإضافة إلى شخص خاصّ ومجتهد مخصوص ، والإخبار عن النظر والرأي لا يكون إخباراً عن قول الإمام(عليه السلام) أصلا ، بل هو إخبار عمّا أدّى إليه نظره ، فعلى تقدير عدم حجّية خبر الثقة في الموضوعات الخارجيّة ـ كما هو المفروض ـ لا مجال لدعوى الاعتبار في خصوص المقام .
نعم ، يبقى الكلام في الفرق بين المقام ، وبين ثبوت الاجتهاد والأعلميّة ; حيث
- (1 ، 2) في ص247 ـ 260 .
-
(3) التنقيح في شرح العروة الوثقى، الاجتهاد والتقليد: 315 ـ 316 .
(الصفحة 272)
إنّ ظاهر الماتن ـ دام ظلّه ـ هناك عدم ثبوت شيء منهما بشهادة عدل واحد ، فضلا عن الثقة غير العادل ، وصريحه هنا الثبوت بنقل العدل أو الثقة ، فيقع الكلام في
الفرق ; فإنّه إذا كان خبر العدل أو الثقة حجّة في الموضوعات الخارجيّة فَلِمَ لا يكون حجّة في باب الاجتهاد والأعلميّة ؟ وإذا لم يكن حجّة فيها فما الدليل على اعتباره في مفروض المسألة ؟
ودعوى أ نّه قد قيّد اعتبار خبر الثقة بما إذا كان يطمأنّ بقوله ، وقد مرّ(1) أنّ الاطمئنان هو العلم العادي الذي يعامل معه عند العقلاء معاملة العلم ويكون حجّة عقلائيّة ، كما أنّ العلم الحقيقي حجّة عقليّة .
مدفوعة ـ مضافاً إلى أ نّه ليس المراد بالاطمئنان في المقام هو الاطمئنان الشخصي ، بل الظاهر هو حصول الاطمئنان نوعاً ، وإلى أ نّه لو كان المراد هو الاطمئنان الشخصي أيضاً فليس المقصود هو الاطمئنان الذي يعامل معه عند العقلاء معاملة العلم ـ بأ نّه حينئذ يبقى سؤال الفرق بحاله ، فإنّه لِمَ لَمْ يتعرّض لثبوت الاجتهاد والأعلميّة بمثل هذا الاطمئنان مع كون المقصود ثبوتهما به أيضاً ، فتدبر .
والظاهر أنّ محطّ النظر في الفرق بينهما أنّ خبر الواحد على تقدير كونه حجّة في الموضوعات الخارجيّة فإنّما يكون حجّة في خصوص المحسوسات منها ، وأمّا الأُمور الحدسيّة فهي خارجة عن دائرة الاعتبار والحجّية ، وحيث إنّ الاجتهاد والأعلميّة يكونان من الاُمور الحدسيّة ، فلا تكون شهادة العدل الواحد حجّة فيهما فضلا عن الثقة ، وهذا بخلاف نقل الفتوى والنظر ; فإنّه من الأُمور المحسوسة ; لأنّ
(الصفحة 273)
المفروض أنّ الناقل إنّما ينقل عن نفس المجتهد أو عن رسالته ، ولكنّك عرفت في
بحث حجّية البيّنة(1) أنّ الاجتهاد والأعلميّة وإن لم يكونا من الأُمور الحسيّة ، إلاّ أنّهما حيث يكونان من الأُمور الحدسيّة القريبة إلى الحسّ يعامل معهما عند العقلاء معاملة الأُمور المحسوسة ، كما يظهر بمراجعتهم ، وإلاّ لا تكون البيّنة فيهما أيضاً حجّة ، كما لا يخفى .
ثالثها : الوجدان في رسالته ، فإذا كانت الرسالة بخطّه أو ملحوظة له بتمامها فالدليل على حجّيتها هو الدليل على حجّية قوله ولفظه ، وكما يجري في لفظه أصالة عدم الخطأ والاشتباه المعوّل عليها عند العقلاء ، كذلك يجري في رسالته أيضاً في مورد اعتماد العقلاء عليها ، وهو ما إذا لم يكن هناك ظنّ شخصيّ بالخطأ والاشتباه ناشئ عن كثرته ، ولا يعتبر الظنّ الشخصي بعدم الخطأ ، كما ربّما يشعر به عبارة المتن ، فتدبّر .
وأمّا إذا لم تكن الرسالة بخطّه ولم تكن ملحوظة له بتمامها، فالدليل على حجّيته هو الدليل على حجّية خبر الثقة ، وحيث إنّك عرفت عدم حجّيته في الموضوعات الخارجيّة فلابدّ من قيام البيّنة وشهادة العدلين بكونها موافقة لآرائه ونظراته .
- (1) في ص252 ـ 253 ، 256 ـ 257 .
(الصفحة 274)[حكم صور تعارض الطريقين]
مسألة22: إذا اختلف ناقلان في نقل فتوى المجتهد فالأقوى تساقطهما مطلقاً; سواء تساويا في الوثاقة أم لا، فإذا لم يمكن الرجوع إلى المجتهد
أو رسالته يعمل بما وافق الاحتياط من الفتويين، أو يعمل بالاحتياط 1.
1 ـ قد عرفت في المسألة المتقدّمة طرق ثبوت فتوى المجتهد والاطّلاع عليها وكيفيّة أخذ المسائل منه ، والمقصود هنا بيان حكم صور تعارض الطريقين ،
وقد تعرّض الماتن ـ دام ظلّه ـ لفرض واحد منها ; وهو اختلاف الناقلين في نقل الفتوى ، والتفصيل : أنّ التعارض قد يتحقّق بين فردين من نوع واحد ، وقد يتحقّق بين نوعين من أنواع الطرق المتقّدمة .
الأوّل : كما إذا تعارضت البيّنتان أو الناقلان ـ بناءً على حجّية نقل الواحد التي قد عرفت المناقشة فيها(1) ـ أو تعارضت الرسالتان أو فردان من السماع ، كما إذا سمع منه الفتوى بالجواز مرّة ، وبالحرمة اُخرى ، وفي هذه الصورة إذا لم يكن التاريخ مختلفاً ـ على فرض إمكانه ـ أو كان ولكن علم بعدم العدول وعدم تبدّل الرأي له ، فاللاّزم الحكم بالتساقط وسقوط كلّ من الطريقين عن الحجّية على ما هو مقتضى القاعدة في تعارض الأمارتين وتنافي الدليلين . وأمّا مع اختلاف التاريخ ، وعدم العلم بالعدول ، واحتمال حصول تبدّل الرأي ، فمقتضى القاعدة حجّية الطريق المتأخّر ، ولا مجال لاستصحاب عدم العدول بعد ثبوت الأمارة ووجود الدليل ، كما هو ظاهر .
(الصفحة 275)
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الحكم في جميع موارد التعارض بين فردين من نوع واحد في غير الفرض الأخير هو التساقط وعدم اعتبار شيء من الطريقين .
الثاني : وهو ما إذا كان التعارض بين النوعين ، ففيه فروض :
منها : تعارض النقل مع السماع من المجتهد شفاهاً ، وقد حكم صاحب العروة(قدس سره) (1) فيه بتقدّم السماع ، والوجه فيه ـ بعد وضوح كون المفروض صورة
اتّحاد التاريخ ، أو الاختلاف مع العلم بعدم العدول ، وكون المفروض صورة عدم حصول العلم من السماع منه ، وإلاّ يكون تقدّمه من باب تقدّم القطعي على الظنّي ـ ما يقال : من أنّ النقل طريق إلى السماع ، فالعلم بالسماع يستوجب العلم بمخالفته للواقع .
ولكن هذا الوجه غير صحيح ; فإنّك عرفت أنّ المفروض صورة عدم حصول العلم من السماع ، فكون النقل طريقاً إليه لا يوجب تأخّره عنه وسقوطه عن الحجّية لدى المعارضة ، فالإنصاف أ نّه لابدّ إمّا أن يقال بعدم تقدّم السماع على النقل فيما هو المفروض ; لتحقّق المعارضة المقتضية للتساقط ، وإمّا أن يقال بأنّ الوجه هو تقدّم السماع على النقل عند العقلاء ، وانصراف دليل حجّية النقل عن صورة المعارضة للسماع ، فتدبّر .
ومنها : تعارض الرسالة مع السّماع ، والظاهر أنّ الرسالة إذا لم تكن بخطّه ، ولم تكن ملحوظة له بتمامها ، تكون بمنزلة النقل والإخبار عن المجتهد ، ويجري فيه ما يجري في تعارض النقل والسماع . وأمّا إذا كانت بخطّه ، أو كانت ملحوظة له بأجمعها ، فلا وجه لتقديم السماع عليها بعد جريان أصالة عدم الخطأ في كليهما ، بل
- (1) العروة الوثقى : 1 / 16 مسألة 59 .