(الصفحة 298)
على صحّة التقليد .
وأمّا الشكّ في الفرض الثاني : فهو ممّا لا وجه له ; لأ نّه بعد العلم بكون المجتهد جامعاً للشرائط ، وأنّ أعماله كانت مستندة إلى آرائه ونظراته ، ومطابقة لفتاويه ،
لا معنى للشكّ في صحّة التقليد ; لأنّ الشرائط المعتبرة إنّما تكون معتبرة في المرجع ، والمفروض وجودها ، ولا يعتبر في صحّة التقليد أمرٌ زائد على ذلك ، ولو فرض لزوم الاستناد فالمفروض تحقّقه أيضاً ، فلا يبقى موقع للشكّ في الصحّة أصلا .
وعليه : فيشكل المراد من العبارة ، حيث إنّ ظاهرها الحكم بصحّة التقليد مع الشكّ فيها ، والشكّ في الفرض الأوّل قد تعرّض لحكمه في المسألة المذكورة المتقدّمة ، وفي الفرض الأخير ممّا لا يتصوّر ، فأين يحكم بالبناء على صحّة التقليد .
اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ نظر الماتن ـ دام ظلّه ـ ومن عبّر بمثل هذه العبارة كصاحب العروة(قدس سره) (1) ليس الحكم بصحّة التقليد من جهة ترتّب أثر حرمة العدول ، أو جواز البقاء عليه ، بل صحّته من جهة الحكم بصحّة الأعمال السابقة الواقعة عن تقليد
لا يعلم كونه صحيحاً أم فاسداً ، نظراً إلى ما صرّح به في المسألة السادسة عشر المتقدّمة من أنّ الأعمال السابقة الواقعة عن تقليد صحيح ، لا تجب إعادتها ولاقضاؤها في العبادات ، ولا تكون محكومة بالبطلان في المعاملات ، وإن كان مقتضى التقليد الفعلي بطلانهما .
فالغرض من هذه المسألة هو الحكم بصحّة الأعمال السابقة مع الشكّ في كونها عن تقليد صحيح ، نظراً إلى جريان أصالة الصحّة في التقليد ; فإنّ صحّة التقليد وإن لم يكن يترتّب عليها أثر شرعيّ بنفسه بهذه الملاحظة ، إلاّ أ نّه يكفي في جريان
- (1) العروة الوثقى : 1 / 13 مسألة 41 .
(الصفحة 299)
مسألة26: إذا مضت مدّة من بلوغه وشكّ بعد ذلك في أنّ أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا، يجوز له البناء على الصحّة في أعماله السابقة، وفي اللاحقة يجب عليه التصحيح فعلا 1.
أصالة الصحّة مدخليّة الصحّة في ترتّب الأثر الشرعي وإن لم تكن تمام الموضوع ، فإذا فرض صحّة الأعمال السابقة ـ عبادة كانت أو معاملة ـ مع وقوعها عن تقليد صحيح ، فمع الشكّ في وقوعها عنه تجري أصالة الصحّة في التقليد ويترتّب عليها صحّة تلك الأعمال .
والظاهر أنّ هذا هو المراد من العبارة ، حيث جمع فيها بين فرض الموضوع هي الأعمال السابقة ، وبين الحكم بالبناء على صحّة التقليد ، كما عرفت أ نّه الظاهر من العبارة .
نعم ، يمكن البحث والإشكال في صحّة الأعمال مع صحّة التقليد أيضاً ، وقد مرّ الكلام فيه مفصّلا(1) ، ولكن هذه المسألة بعد فرض كون الحكم في تلك الصورة هي الصحّة . وعليه : فلا وجه للتفكيك بين صحّة التقليد وفساده ، وبين صحّة الأعمال السابقة وبطلانها ، وجعل المدار في الثانية هي المطابقة لخصوص الواقع ، كما صنعه بعض الأعلام في الشرح على العروة(2) ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ الظاهر أنّ هذه المسألة هي المسألة المتقدّمة بعينها ، ولا فرق بينهما إلاّ في
أنّ الشكّ هنا يجتمع مع احتمال عدم تحقّق التقليد رأساً ، والمفروض في المسألة المتقدّمة العلم بالتقليد والشكّ في الصحّة، والمقصود من هذه المسألة بيان أنّ البناء
- (1) في ص242 .
-
(2) التنقيحفي شرح العروة الوثقى ، الاجتهاد والتقليد : 339 وما بعدها .
(الصفحة 300)
على الصحّة إنّما يجدي في خصوص الأعمال السابقة ، ولا يكفي ذلك البناء في الحكم بصحّة الأعمال اللاحقة المطابقة لها ، وإن كان بينهما التلازم في الصحّة واقعاً ، بل يجب عليه في الأعمال اللاحقة التصحيح فعلا ; لأنّ أصالة الصحّة الجارية فيما مضى لا تثبت الصحّة فيما يأتي ، نظير قاعدة الفراغ الجارية في الصلاة التي شكّ في وقوعها مع الطهارة مثلا ; فإنّها لا تثبت جواز الدخول في الصلاة الثانية بلا إحراز الطهارة كما هو ظاهر .
(الصفحة 301)[اعتبار العدالة في المفتي والقاضي وطرق ثبوتها]
مسألة 27: يعتبر في المفتي والقاضي العدالة ، وتثبت بشهادة عدلين ، وبالمعاشرة المفيدة للعلم أو الاطمئنان ، وبالشياع المفيد للعلم ، بل تُعرف بُحسن الظاهر ومواظبته على الشرعيّات والطاعات وحضور الجماعات ونحوها ، والظاهر أنّ حسن الظاهر كاشف تعبّدي ولو لم يحصل منه الظنّ أو العلم 1 .
1 ـ أمّا اعتبار العدالة في المفتي ، فقد عرفت الكلام فيه في شرائط من يرجع
إليه للتقليد(1) .
وأمّا اعتباره في القاضي ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى الإجماع ، وإلى الأولويّة القطعيّة الثابتة للمقام بالإضافة إلى إمام الجماعة والشاهد ; فإنّه إذا اعتبرت العدالة في إمام الجماعة ، مع أ نّه لا يبلغ من الأهمّية منصب الإفتاء والقضاء ، فاعتبارها فيهما بطريق أولى ، وإلى أنّ التحاكم والترافع إلى الفاسق من المصاديق الظاهرة للركون إلى الظلمة المنهيّ عنه في الشريعة المقدّسة ، وإلى أنّ الخصوصيّات التي اعتبرها الشارع في القضاء والقاضي لا تلائم إلاّ مع ثبوت وصف العدالة للقاضي ، كما هو ظاهر لمن تأمّلهاـ روايات :
منها : صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : اتّقوا الحكومة ; فإنّ
(الصفحة 302)
الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء ، العادل في المسلمين لنبيّ أو وصيّ نبيّ(1) .
ومنها : صحيحة أبي خديجة قال : بعثني أبو عبدالله(عليه السلام) إلى أصحابنا ، فقال : قل لهم : إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة ، أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء ، أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق ، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا ; فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً . وإيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضاً
إلى السلطان الجائر(2) .
فإنّ في تعليق النهي عن التحاكم على وصف الفسق إشعاراً بل دلالة على أنّ
الفاسق لا يكون أهلا لذلك .
ثمّ إنّ طريق ثبوت العدالة ما ستعرف مفصّلا إن شاء الله تعالى ، ويأتي(3) أ نّه
قد جعل الشارع لها أمارة موسومة بحسن الظاهر ، وأنّ كاشفيّته لا تختصّ بما إذا أفاد العلم أو الاطمئنان ، بل هو كاشف شرعيّ تعبّديّ ، وأنّ حسن الظاهر قد يحرز من طريق المعاشرة ، وقد يحرز من غير هذا الطريق ، فانتظر .
- (1) الكافي : 7 / 406 ح1 ، الفقيه : 3 / 4 ح7 ، تهذيب الأحكام : 6 / 217 ح511 ، وعنها وسائل الشيعة : 27 / 17 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب3 ح3 .
-
(2) تهذيب الأحكام : 6 / 303 ح846 ، وعنه وسائل الشيعة : 27 / 139 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب11 ح6 .
-
(3) في ص305 ـ 306 و 365 ـ 369 .