(الصفحة 15)
ثمّ إنّـه ربّما يظهر من الشيخ (قدس سره)
التفصيل في جريان استصحاب عدم التذكيـة بين الآثار الوجوديّـة والآثار العدميـة(1).
وقد صرّح بذلك بعض المحقّقين
من محشي الرسالـة، فقال ـ بعد استظهار أنّ الميتـة في نظر الشارع والمتشرّعـة هي ما كان فاقداً لشرائط التذكيـة، وأنّ الموضوع للحرمـة والنجاسـة هو ماعدا المذكّى، وأنّـه لا يثبت بأصالـة عدم التذكيـة ـ ما لفظـه: فمقتضى القاعدة هو التفكيك بين الآثار، فما كان منها مرتّباً على عدم كون اللحم مذكّى كعدم حلّيتـه وعدم جواز الصلاة فيـه وعدم طهارتـه وغير ذلك من الأحكام العدميـة المنتزعـة من الوجوديّات التي تكون التذكيـة شرطاً في ثبوتها ترتّب عليـه، فيقال: الأصل عدم تعلّق التذكيـة بهذا اللحم الذي زهق روحـه، فلايحلّ أكلـه ولا الصلاة فيـه ولا استعمالـه فيما يشترط بالطهارة. وأمّا الآثار المترتّبـة على كونـه غير مذكّى كالأحكام الوجوديّـة الملازمـة لهذه العدميات كحرمـة أكلـه ونجاستـه وتنجيس ملاقيـه وحرمـة الانتفاع بـه ببيعـه وغير ذلك من الأحكام المعلّقـة على عنوان الميتـة أو غير المذكّى فلا(2)، انتهى موضع الحاجـة من كلامـه (قدس سره)
.
ويرد عليـه أوّلا:
أنّ ما أفاد من أنّ التذكيـة سبب في ثبوت الآثار الوجوديّـة كالطهارة والحلّيـة وجواز الاستعمال في الصلاة، وهو مسبوق بالعدم، فيترتّب عليـه ما ذكر، محلّ نظر; فإنّـه لم يجعل الحيوان المذكّى موضوعاً لتلك
- 1 ـ فرائد الاُصول 1: 371 ـ 372.
- 2 ـ حاشيـة فرائـد الاُصول، المحقّـق الهمداني: 387 ـ 388، مصباح الفقيـه، الطهارة: 653 / السطر16.
(الصفحة 16)
الآثار، بل لم يجعل هذه الأحكام بعد تحقّق التذكيـة أصلا; ضرورة أنّ الطهارة الثابتـة بعد التذكيـة هي الطهارة التي كانت متحقّقـة في حال حياة الحيوان، غايـة الأمر أنّها استمرّت إلى بعد الموت لعدم قيام الدليل على النجاسـة، وهكذا الحلّيـة وجواز الصلاة فيـه; فإنّ الحيوان في حال الحياة كان حلالا والصلاة فيـه جائزاً، واستمرّ ذلك إلى بعد الموت في الحيوان المذكّى، لعدم قيام ما يدلّ على الحرمـة وعدم جواز الصلاة فيـه، بل المجعول في باب الحيوان هو الحرمـة والنجاسـة وغير ذلك من الآثار المترتّبـة على عدم كون اللحم مذكّى، وقد ذكر أنّـه لا مجال للاستصحاب لإثبات ذلك.
وثانياً:
أنّـه لو سلّم أنّ الطهارة والحلّيـة وغيرهما كانت مجعولـة ومترتّبـة على كون الحيوان مذكّى، لكن نقول: إنّ عدم هذه الأحكام الوجوديّـة لا يكون مترتّباً على عدم كون الحيوان مذكّى، فإنّ هذا الأمر العدمي يصدق مع عدم الحيوان، ومع وجوده حيّاً، ومع موتـه حتف الأنف، أو بغير التذكيـة الشرعيّـة، ومن المعلوم أنّ الموضوع لعدم الحلّيـة وعدم جواز الصلاة فيـه وعدم الطهارة هو القسم الأخير، فإنّ الحيوان في حال حياتـه حلال طاهر كما عرفت، ومع عدمـه لا يعقل الحكم عليـه بذلك.
وحينئذ نقول: إنّ عدم كون الحيوان مذكّى وإن كان لـه حالـة سابقـة، إلاّ أنّـه لا يكون مترتّباً عليـه أثر شرعي، واستصحابـه إلى زمان الموت لإثبات القسم الأخير يكون مثبتاً محضاً، كما هو واضح لايخفى.
وثالثاً
:
لو سلّم كون الموضوع لعدم هذه الأحكام الوجوديّـة هو عدم كون اللحم مذكّى وقطعنا النظر عن استحالـة كون الموضوع للحكم هو العدم المحمولي، لكن نقول: إنّ ترتّب تلك الأعدام على الموضوع العدمي ليس ترتّباً
(الصفحة 17)
شرعياً، بل عقلياً، بملاحظـة أنّـه إذا كان السبب في ثبوت تلك الآثار الوجوديّـة هو التذكيـة فعند عدمها تنتفي تلك الآثار، لاستلزام انتفاء السبب انتفاء المسبّب استلزاماً عقليّاً، كما هو واضح.
ورابعـاً
:
لـو سلّمنا جميع ذلـك نقول ـ بعـد تسليم كـون الطهاره ونحـوها مجعولـة للمذكّى بسبب التذكيـة، وعـدم كونها هي الطهارة الموجـودة حال الحياة ـ: لابدّ مـن الالتزام بكون الطهارة الثابتـة في حال الحياة مسبّبـة عـن سبب آخر غير التذكيـة، وحينئذ لا مانع من استصحاب بقاء الجامع بعد زوال السبب في حال الحياة، واحتمال عروض سبب آخر الذي هو التذكيـة مقارناً لـزوال السبب الأوّل، وبـه يثبت طهارة الحيوان وجـواز أكلـه واستعمالـه فيما يشترط بالطهارة.
ولكن ذلك متفرّع أوّلا: على جريان استصحاب القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي.
وثانياً: على كون الجامع موضوعاً لأثر شرعي، وكلا الأمرين غير خاليـين عن المناقشـة.
ثمّ إنّه لو قطع النظر عمّا ذكرنا من عدم جريان استصحاب عدم التذكيـة بوجه فهل يجري فيما لو شكّ في أنّ اللحم أو الجلد الموجود في البين هل اُخذ من الغنم المذكّى الموجود المعلوم، أو من الغنم الغير المذكّى كذلك، أو لا يجري؟ وجهان مبنيّان على أنّ التذكيـة هل تكون وصفاً للحيوان بأجمعه، كما هو الظاهر، أو أنّـه يتّصف بها الأجزاء أيضاً؟
فعلى الأوّل لا وجـه لجريان استصحاب عدم التذكيـة، لأنّـه ليس هنا حيوان شكّ في اتّصافـه بهذا الوصف حتّى يجري فيـه استصحاب عدمـه، لأنّ
(الصفحة 18)
المفروض تميّز المذكّى عن غيره، وليس هنا أصل آخر يثبت بـه أنّـه اُخذ من المذكّى أو من غيره، وحينئذ فيحكم بالحلّيـة والطهارة، لأصالتهما.
وعلى الثاني فلا محيص عن استصحاب عدم التذكيـة، كما هو واضح، هذا.
ولو شك في أنّ لحم الغنم مثلا الموجود في البين هل اتّخذ من الغنم المذكّى المشتبـه بغير المذكّى أو من غيره، فهل يجري فيـه وفي الحيوانين استصحاب عدم التذكيـة أم لا؟ وجهان مبنيّان على أنّ عدم جريان الاُصول في أطراف العلم الإجمالي هل هو للزوم المخالفـة العمليـة للتكليف المعلوم بالإجمال، أو للزوم التناقض في أدلّـة الاُصول؟
فعلى الأوّل لا يكون هنا مانع من الجريان، لعدم لزوم المخالفـة العمليّـة، لأنّ مقتضى الأصلين الاجتناب عن كلا الحيوانين، وحينئذ فاللازم الاجتناب عن اللحم أو الجلد أيضاً، بعد كون الحيوان المتّخذ منـه ذلك محكوماً بالنجاسـة والحرمـة.
وعلى الثاني فلا مجال لإجراء استصحاب عدم التذكيـة بعد العلم الإجمالي بوجـود المذكّى في البين، كما أنّـه لا مجال لإجـراء قاعدتي الحـلّ والطهارة بعد العلم بوجود غير المذكّى أيضاً، هذا بالنسبـة إلى الحيوانين.
وأمّا بالنسبـة إلى اللحم أو الجلد الذي اتّخذ من أحدهما فإن قلنا: بأنّـه أيضاً يصير من أطراف العلم الإجمالي فلا يجري فيـه الاستصحاب ولا قاعدتا الحلّ والطهارة، وإلاّ فيجري فيـه الاستصحاب بناءً على الوجـه الثاني من الوجهين المتقدّمين، وأمّا على الوجـه الأوّل فالمرجع فيـه هو قاعدتا الحلّ والطهارة.
هذا كلّـه فيما لو كان كلّ واحد من الحيوانين مورداً للابتلاء.
(الصفحة 19)
وأمّـا لو كـان كلاهمـا أو خصوص الحيوان الـذي لم يتّخذ منـه الجلـد خارجاً عن محلّ الابتلاء فلا مانع حينئذ من جريان الاستصحاب في الحيوان الـذي اتّخذ منـه الجلد، لعدم جـريانـه في الحيوان الآخـر بعد خـروجـه مـن محـلّ الابتـلاء حتّى يلزم التناقض أو يحصـل التعارض بناءً علـى الجـريان والتساقط، والحيوان المتّخذ منـه الجلد وإن كان خارجاً عن محلّ الابتلاء أيضاً في الفرض الأوّل، إلاّ أنّـه يجري فيـه الاستصحاب بالنظر إلى جلده الذي كان محلاّ للابتلاء.
ومن هنا يظهر عدم جريان الاستصحاب فيما لو كان الحيوان الآخر فقط مورداً لابتلاء المكلّف، لأنّ الحيوان المتّخذ منـه الجلد أيضاً مورد للابتلاء لابنفسـه، بل بجلده الموجود في البين، فيحصل التناقض أو التعارض من جريان الأصلين، فتدبّر جيّداً.