(الصفحة 431)
ومنهـا:
مرسلـة الصـدوق قـال: قـال أميـرالمؤمنين (عليه السلام):
«قـال رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهمّ ارحم خلفائي، قيل: يا رسولاللّه ومَن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي ويروون حديثي وسنّتي»(1). ورواه في المجالس بزيادة:
«ثمّ يعلّمونها»(2) فإنّ إطلاق الخليفـة على الفقهاء من دون تقيـيدها بجهـة خاصّـة يدلّ على ثبوت منصبي القضاوة والحكومـة معاً لهم.
ومنها:
روايـة الفقـه الرضوي (عليه السلام) أنّـه قال:
«منزلـة الفقيـه في هذا الوقت كمنزلـة الأنبياء في بني إسرائيل»(3).
ومنهـا:
روايـة إسماعيـل بـن جابر عـن أبـي عبداللّه (عليه السلام) أنّـه قـال:
«العلماء اُمناء»(4).
ومنها:
غيـر ذلك ممّـا يستفاد منـه توسعـة دائـرة ولايـة الفقيـه وثبوت جميع المناصب لهم.
ومنها:
غير ذلك ممّا يمكن أن يستفاد منـه ذلك.
هل يكون منصب القضاوة ومقام الحكومة للمتجزّي أم لا؟
ثمّ إنّـه يقع الكلام بعد ذلك في المتجزّي وأنّـه هل يكون منصب القضاوة ومقام الحكومـة ثابتين لـه أم لا؟
- 1 ـ الفقيـه 4: 302 / 915، وسائل الشيعـة 27: 139، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب11، الحديث7.
- 2 ـ الأمالي، الصدوق: 152 / 4.
- 3 ـ الفقـه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام): 338.
- 4 ـ الكافي 1: 33 / 5.
(الصفحة 432)
ونقول: ظاهر المقبولـة أنّ المجعول لـه الحكومـة بالمعنى الأعمّ هو الراويـة لأحاديثهم الناظر في حلالهم وحرامهم والعارف لأحكامهم. وحيث إنّ المصدر المضاف وكذا الجمع المضاف يفيدان العموم فمقتضى ذلك انحصار هذا المنصب بالناظر في جميع الأحكام العارف لها بأجمعها فعلا، فالجمود على ظاهر العبارة والاقتصار عليـه يعطي أنّ غير العارف بجميع الأحكام سواء كانت مَلَكـة استنباط الجميع موجودة لـه أم لم تكن لا يصلح للحكومـة والقضاوة، لعدم كونـه عارفاً بجميع الأحكام فعلا على ما يقتضيـه ظهور العبارة.
وحينئذ يشكل ذلك بأنّ حصول هذه الصفـة وتحقّقها في غايـة الندرة ـ لو لم نقل بامتناعـه عادة ـ نظراً إلى أنّـه كيف يمكن أن يكون الشخص عارفاً بجميع الأحكام بحيث إذا سئل كان مستحضراً للجواب ولم يكن يحتاج إلى المراجعـة، وقوّة الاستنباط والوصول إلى الحكم بعد المراجعـة لا تسمّى عرفاناً أصلا، كما هو أوضح من أن يخفى.
وعلى تقدير إمكان حصول هذه الصفـة لبعض الأشخاص فالاطّلاع عليـه متعسّر، بل متعذّر، فكيف يمكن جعل هذا المنصب لـه مع شدّة الاحتياج إلى شخص المجعول لـه هذا المنصب وكثرة المراجعـة إليـه في فصل الخصومـة ورفع التنازع؟
فاللازم أن يقال بأنّ المراد بالعارف بأحكامهم هو الذي يكون عند العرف عارفاً بأحكامهم ولو كان عارفاً بأكثر تلك الأحكام، في قبال العارف بأحكام غيرهم من الأحكام الناشئـة عن الاُمور غير الصالحـة للدليليـة، كالقياس والاستحسان وغيرهما.
نعم لابدّ من أن يكون عارفاً بأحكام القضاء، وهذه اللابديـة تستفاد من
(الصفحة 433)
مناسبـة الحكم والموضوع، فإنّـه لا معنى لجعل منصب القضاوة لمن لا يكون عالماً بأحكامها، خصوصاً بعد كون القضاء لـه أحكام خاصّـة ليس لها كثير ارتباط بسائر أبواب الفقـه.
فانقدح أنّ المجتهد المتجزّي الذي لا يسمّى عارفاً عُرفاًبأحكام الأئمّة وآراء العترة ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ لا يكون له حظّ من هذه المناصب الشريفة.
نعم قـد عرفت أنّـه لا يلزم أن يكون عارفاً بجميع الأحكام فعلا وعن استحضـار كما هـو مقتضى ظاهـر المقبولـة التي هي العمدة في هـذا الباب على ما عرفت(1).
وهاهنا فروع :
الأوّل:
أنّـه هل يجوز للعامّي التصدّي للحكم والقضاء مستقلاّ أم لا؟ فيـه قولان: حكي عن الجواهر(2) أنّـه استدلّ لنفوذ حكم العامّي وجواز قضائـه بعدّة من الآيات والروايات وكذا بغيرهما من الوجوه والاعتبارات.
ولكن لا يخفى على المتأمّل فيها أنّـه لا يستفاد من شيء منها ذلك، ولا ينهض شيء من تلك الوجوه والاعتبارات لإفادة الجواز، فراجع تلك الأدلّـة وتأمّل فيها تجدها غير ناهضـة لما رامـه (قدس سره)
مضافاً إلى أنّك عرفت ظهور المقبولـة المتقدّمـة في أنّ المجعول لـه الحكومـة هو الواجد للخصوصيّات المذكورة فيها. وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في ذلك أصلا.
- 1 ـ تقدّم في الصفحـة 427.
- 2 ـ جواهر الكلام 40: 15.
(الصفحة 434)
الثاني:
أنّـه هل يجوز للمجتهد أن يأذن للعامّي وينصبـه للتصدّي للحكم والقضاء أم ليس لـه هذا الحقّ؟ ولا يخفى أنّ جواز ذلك للمجتهد متفرّع أوّلا على ملاحظـة أنّـه هل كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّـة (عليهم السلام) هذا الحقّ الذي يرجع إلى جعل منصب القضاء والحكم لشخص عامّي أم لا؟
وثانياً: على ملاحظـة أنّـه لو فرض ثبوت هذا الحقّ لهم فهل يكون في البين دليل على ثبوت هذا الحقّ للمجتهد أم لا؟
إذا عرفت ذلك فنقول: أمّا المقدّمـة الاُولى الراجعـة إلى ثبوت هذا الحقّ للنبي والأئمّـة (عليهم السلام) فالظاهر خلافـه، لأنّـه على تقدير تحقّق مثل هذا النصب لم يكن بدّ من الالتزام بالجواز، ولكنّ الظاهر عدم تحقّقـه، وأمّا على تقدير عدم تحقّقـه فنحن نعلم بأنّ العامّي لم يكن لـه أهليّـة، ومع عدمها كيف يمكن جعل هذا المنصب لـه، مضافاً إلى أنّ الشكّ في ثبوت هذا الحقّ لهم يكفي في عدم ثبوتـه للمجتهد، كما هو واضح.
وأمّا المقدّمـة الثانيـة فالظاهر ثبوتها.
ودعوى:
أنّ الالتزام بعموم المنزلـة وثبوت جميع ما للنبي والأئمّـة ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ للمجتهد الفقيـه يوجب تخصيص الأكثر، لأنّـه كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خصائص ربّما تبلغ سبعين كما ذكره العلاّمـة في كتاب التذكرة(1) ولم يكن شيء من تلك الخصائص ثابتاً للأئمّـة (عليهم السلام) فضلا عن الفقيـه، وكذلك كان للأئمّـة (عليهم السلام) بعض الخصائص التي نعلم بأنّـه لا يتجاوز عنهم ولا يثبت للمجتهد. فكيف يمكن حينئذ دعوى عموم المنزلـة وإطلاق الوراثـة؟
- 1 ـ تذكرة الفقهاء 2: 565 / السطر29 (ط ـ حجري).
(الصفحة 435)
مدفوعـة:
بأنّ الكبرى الكلّيـة التي نحن ندّعيها هو ثبوت جميع ما كان للنبي والأئمّـة من حيث ثبوت الحكومـة لهم لا جميع ما ثبت لهم ولو من جهـة النبوّة والإمامـة، وحينئذ لا يلزم تخصيص الأكثر بوجـه، فالمقدّمـة الثانيـة لا مجال لإنكارها. نعم قد عرفت عدم تماميّـة المقدّمـة الاُولى، وهو يكفي في عدم الجواز كما هو واضح.
الثالث:
هل يجوز للفقيـه توكيل العامّي في الحكم والقضاء من غير أن ينصبـه لذلك، أم لا يجوز التوكيل أيضاً؟ ودعوى الجواز مبتنيـة على ثبوت الإطلاق لأدلّـة الوكالـة، أو دعوى ثبوت بناء العقلاء على التوكيل في مثل هذه الاُمور، بضميمـة عدم الردع عنـه، وكلتا الدعويـين ممنوعتان.
أمّا دعوى الإطلاق لأدلّـة الوكالـة، فنقول: إنّ ما يمكن وتوهّم دلالتـه على الإطلاق من الروايات الواردة في الباب روايتان:
إحداهما: روايـة معاويـة بن وهب وجابر بن زيد جميعاً عن أبيعبداللّه (عليه السلام)أنّـه قال:
«من وكّل رجلا على إمضاء أمر من الاُمور، فالوكالـة ثابتـة أبداً حتّى يعلمـه بالخروج منها كما أعلمـه بالدخول فيها»(1).
ثانيتهما: روايـة اُخرى مثل الروايـة الاُولى(2)، ومن الواضح عدم دلالـة شيء منهما على الإطلاق، بل هما بصدد بيان أمر آخر مثل افتقار العزل إلى الإعلام بالخروج، كما لايخفى.
وأمّا دعوى بناء العقلاء ـ فمضافاً إلى عدم ثبوت هذا البناء مع التفاتهم إلى
- 1 ـ الفقيـه 3: 47 / 166، وسائل الشيعـة 19: 161، كتاب الوكالـة، الباب1، الحديث1.
- 2 ـ الفقيـه 3: 49 / 170، وسائل الشيعـة 19: 162، كتاب الوكالـة، الباب2، الحديث1.