(الصفحة 248)
أنّ الزيادة التي هي مورد للبحث هي الزيادة في المكتوبـة أي المأمور بـه، وحينئذ فلابدّ من ملاحظـة مقام الأمر والطلب، ومجرّد تصوير الزيادة بناءً على الاعتبار الثالث في مقام التحديد والاعتبار لا يجدي بالنسبـة إلى مقام الأمر والطلب، كما هو واضح.
فلو كان في هذا المقام قد اُخذ الجزء بشرط لا أو لا بشرط بالمعنى الأوّل لا يمكن تحقّق الزيادة بناءً على ما ذكره من عدم تصوّرها في الوجهين الأوّلين، مضافاً إلى أنّـه لو كان الأمر مطابقاً للاعتبار الثالث الذي تصوّر فيـه الزيادة لايكون أيضاً من الزيادة في المكتوبـة بما أنّها مكتوبـة، لأنّ الزائد إن اتّصف بوصف الجزئيّـة لا يكون حينئذ زائداً على المكتوبـة، وإن لم يتّصف بـه فلا يكون جزءً، ولا يتحقّق زيادة الجزء بناءً على ما ذكره في الأمر الأوّل من أنّـه يعتبر في صدق عنوان الزيادة كون الزائد من سنخ المزيد فيـه، كما لايخفى.
فالإنصاف:
أنّـه لا يمكن تصوّر الزيادة الحقيقيّـة أصلا، بل المتصوّر منها إنّما هي الزيادة بنظر العرف، هذا بحسب الموضوع.
مقتضى الأصل في الزيادة
وأمّا الحكم المتعلّق بالزيادة فاعلم: أنّ الأصل الأوّلي في الزيادة يقتضي عدم بطلان العمل بسببها، سواء كانت عمديّـة أو سهويّـة، لأنّ المعتبر في مقام الامتثـال كـون المأتي بـه مطابقاً للمأمـور بـه، والبطلان إنّما ينتزع مـن عدم تطابقـه معـه، والمفروض أنّ الزيادة غير دخيلـة في المأمور بـه.
نعم يمكن الشكّ في اعتبار عدمهما في الواجب. وحينئذ يرجع إلى الشكّ في النقيصـة، وقد مرّ حكمها.
(الصفحة 249)
وبالجملـة: فالزيادة بما أنّها زيادة لا توجب الفساد والبطلان، بخلاف النقيصـة التي عرفت أنّ الأصل الأوّلي فيها هو الفساد والبطلان.
ثـمّ إنّـه ربّما يتمسّك لصحّـة العمل مـع الزيـادة بالاستصحـاب، وتقريره مـن وجوه:
أحدها: استصحاب عدم مانعيّـة الزيادة وعدم كونها مضادّة للمأمور بـه، بتقريب أنّ ماهيّـة الزائد قبل تحقّقها في الخارج لم تكن مانعـة وقاطعـة، وبعد وجودها فيـه نشكّ في اتّصافها بهذا الوصف، فمقتضى الاستصحاب عدمـه، وأنّ الماهيّـة الآن كما كانت قبل وجودها، هذا.
وقد عرفت فيما سبق غير مرّة: أنّ مثل هذا الاستصحاب لا يجري بناءً على ما هو التحقيق ـ كاستصحاب عدم قرشيـة المرأة وعدم التذكيـة في الحيوان ونظائرهما ـ لعدم اتّحاد القضيّـة المشكوكـة مع القضيّـة المتيقّنـة، لأنّ القضيّـة المتيقّنـة هي السالبـة الصادقـة مع انتفاء الموضوع، وهي الآن متيقّنـة أيضاً، والقضيـة المشكوكـة هي السالبـة مع وجود الموضوع، وهي كانت في السابق أيضاً مشكوكـة، كما هو واضح.
ثانيها: استصحاب عدم وقوع المانع في الصلاة، لأنّها قبل إيجاد الزيادة لم يقع المانع فيها، والآن نشكّ بسبب إيجاد الزيادة في وقوعـه فيها، ومقتضى الاستصحاب العدم.
ولو نوقش في هذا الاستصحاب بتقريب أنّ عدم وقوع المانع في الصلاة لا يثبت اتّصاف الصلاة بعدم اشتمالها على المانع، والأثر إنّما يترتّب على ذلك لاعلى عدم وقوع المانع في الصلاة، نظير استصحاب العدالـة لزيـد، فإنّـه لا يثبت الموضوع للحكم الشرعي، وهو كون زيد عادلا، فيمكن الجواب عنـه:
(الصفحة 250)
بأنّا نستصحب الصلاة المتقيّدة بعدم وقوع المانـع فيها لا مجـرّد عـدم وقوعـه فيها، كما أنّـه يستصحب في المثال كـون زيد عادلا، لا عـدالته حتّى يكون الأصل مثبتاً، هـذا.
ولكن يرد على هذا التقرير مـن الاستصحاب: أنّـه أخصّ مـن المدّعى، لأنّ مـورده مـا إذا حدث مـا يشكّ في مانعيّتـه في أثناء الصلاة، وأمّا لـو كان مقارناً لها من أوّل الشروع فيها فلا يجري، لعدم الحالـة السابقـة المتيقّنـة، كما هو واضح.
ثمّ إنّـه قد يقال: بأنّ استصحاب الصلاة المتّصفـة بخلوّها عن المانع إنّما يتمّ بناءً على أن يكون المانع عبارة عمّا يكون عدمـه معتبراً في المأمور بـه، وأمّا لو كان المانع عبارة عمّا يكون وجوده مضادّاً للمأمور بـه ومانعاً عن تحقّقـه فلا يتمّ، لأنّ استصحاب أحد الضدّين لا يثبت عدم الضدّ الآخر، وكذا استصحاب عدم المانع لا يثبت وجود الضدّ الآخر الذي هو الصلاة، هذا.
ولكن لا يخفى: أنّ المضادّة بين الحدث ـ مثلا ـ وبين الصلاة التي هي مركّبـة من التكبير والقراءة ونحوهما من الأقوال والأفعال التي هي من الاُمور التكوينيـة ممّا لا نتصوّرها، لأنّ معنى المضادّة هو كون وجود أحد الضدّين مانعاً عن تحقّق الضدّ الآخر كما في الاُمور التكوينيّـة، فإنّ تحقّق الرطوبـة مانع عن تحقّق الإحراق، وهذا المعنى مفقود في مثل المقام. ضرورة أنّ الصلاة يمكن أن تـتحقّق مع الحدث وبدونـه، لأنّها ليست إلاّ عبارة عن بعض الأقوال والأفعال التي هي من الاُمور التكوينيـة، فعدم تحقّقها مع الحدث لابدّ وأن يكون مستنداً إلى ثبوت قيد في الصلاة تمنع تحقّقـه معـه، وإلاّ مع عدم تقيّدها بـه لا مجال لعدم تحقّقها معـه.
(الصفحة 251)
فمانعيّـة الحدث ـ مثلا ـ إنّما هي باعتبار كون الصلاة متقيّدة بعدمـه، وإلاّ فلا يتصوّر أن يكون مانعاً أصلا، ولا يلزم من ذلك أن يكون العـدم مؤثّراً حتّى يقال بأنّ الاعدام لا تكون مؤثّرة ولا متأثّرة، لأنّا لا ندّعي تأثير العدم، بل نقول: إنّ المأمور بـه محدود بحدّ لا يتحقّق إلاّ مع عدم المانع، ولا يترتّب عليـه الأثـر إلاّ معـه.
ألا ترى أنّـه لو أمر المولى بمعجون مركّب من عدّة أجزاء التي من جملتها مقدار خاصّ من السمّ، بحيث كان الزائد على ذلك المقدار موجباً لعدم تأثير المعجون، بل مهلكاً، فالزائد على ذلك المقدار مانع عن تحقّقـه، ومرجعـه إلى كونـه مقيّداً بعدمـه، ومن الواضح أنّ المؤثّر في تحقّق المعجون ليس هو ذلك المقدار مع عدم الزائد، بل ليس المؤثّر إلاّ ذلك المقدار الخاصّ، والزائد مضادّ لتحقّقـه من دون أن يكون عدمـه مؤثّراً، كما هو واضح.
فانقدح: أنّـه لا ملازمـة بين كون دائرة المأمور بـه مضيّقـة ومحدودة بحدّ لا يتحقّق إلاّ مع عدم المانع، وبين كون عدمـه مؤثّراً في تحقّقـه، كما هو واضح.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّـه بناءً على كون المانع عبارة عمّا يكون وجوده مضادّاً للممنوع ومانعاً عن تحقّقـه لا مانع من جريان استصحاب الصلاة، لأنّها متقيّدة بعدمها وهذا المقيّد كان موجودأ، وبعد الإتيان بما يشكّ في مانعيّتـه نشكّ في بقائـه، والأصل يقتضي البقاء ولا يكون الأصل مثبتاً.
ومن هنا يظهر أنّـه لا مانع من استصحاب الهيئـة الاتّصاليـة مع الشكّ في قاطعيـة الأمر الموجود، إذ مرجع القاطعيّـة إلى تقيّد الهيئـة الاتّصاليـة بعدم القاطع، وإلاّ فلو فرض عدم التقيّد لا وجـه لكونـه قاطعاً لها.
وحينئذ فيستصحب هذا الأمر المقيّد. نعم بناءً على القول بعدم رجوع المانع
(الصفحة 252)
إلى تقيـيد في الممنوع بعدمـه لا مجال للاستصحاب، لأنّ استصحاب عدم الضدّ لا يثبت وجود الضدّ الآخر وكذا العكس.
ثالثها: استصحـاب الصحّـة التأهليّـة للأجـزاء السابقـة، بتقريب أنّ الأجـزاء السابقـة كانت صحيحـة تأهّلا وقابلـة للحوق الأجـزاء الاُخر إليها، وبعد تحقّق ما يشكّ في مانعيّتـه نشكّ في بقاء صحّتها وقابليّتها، فمقتضى الاستصحاب بقائها.
وأورد على هذا التقرير الشيخ (قدس سره)
في الرسالـة بأنّ المستصحب إن كان صحّـة مجموع الصلاة فلم تـتحقّق بعد، وإن كان صحّـة الأجـزاء السابقـة فهي غير مجديّـة، لأنّ صحّـة تلك الأجزاء إمّا عبارة عن مطابقتها للأمر المتعلّق بها، وإمّا ترتّب الأثـر عليها، والمراد بالأثـر المترتّب عليها حصول المركّب بها منضمّـة مع باقي الأجزاء والشرائط.
ولا يخفـى أنّ الصحّـة بكلا المعنيـين ثابتـة للأجـزاء السابقـة، لأنّها بعد وقوعها مطابقـة للأمـر المتعلّق بها لا تنقلب عمّا وقعت عليـه، وهي بعد على وجـه لو انضمّ إليها تمام ما يعتبر في الكلّ حصل الكلّ، فعدم حصولـه لعدم انضمام تمام مـا يعتبر في الكـلّ إلى تلك الأجـزاء لا يخلّ بصحّتها(1)، انتهى.
ويمكن دفع ذلك بأنّـه لا دليل على كون إيجاد المانع في الصلاة مانعاً عن قابليـة لحوق الأجزاء اللاحقـة إلى السابقـة من دون أن يكون لـه تأثير في الأجـزاء السابقـة أيضاً، بل يمكن أن يقال: بأنّ المانـع كما يخرج الأجـزاء اللاحقـة عن اللحوق إلى السابقـة، كذلك يخرج الأجزاء السابقـة عن قابليّـة
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 488.