(الصفحة 242)
مضافاً إلى أنّـه يمكن منع ذلك أيضاً، فإنّ أثر الجزء الموجود أيضاً هي الجزئيـة لا الصحّـة، لأنّها من الآثار العقليّـة المنتزعـة عن مطابقـة المأتي بـه مع المأمور بـه، وأمّا الأثر الشرعي فليس إلاّ الجزئيّـة، كما لايخفى.
وعلى الوجـه الثاني: أنّ ما ذكره في الشقّ الثاني من الترديد مخالف لما حقّقـه سابقاً من عدم الفرق في إطلاق أدلّـة الأجزاء وشمولها لحال النسيان بين كونها بلسان الوضع أو بلسان الأمر بالتقريب المتقدّم في كلامـه وإن كان هذا التقريب محلّ نظر من وجوه، كما عرفت.
وعلى الوجـه الثالث: ما حقّقناه من الاُمور المتقدّمـة التي نتيجتها أنّ حديث الرفع كالاستثناء بالنسبـة إلى الأدلّـة الأوّليـة الدالّـة على الأجزاء، حيث إنّـه يخصّصها ويقيّدها بحال الذكر، ولازم ذلك كون المأمور بـه في حقّ الناسي هي الطبيعـة المنطبقـة على الناقصـة، ومع الإتيان بالمأمور بـه لا معنى لعدم الإجزاء، كما هو واضح من أن يخفى.
فانقدح من جميع ما ذكرنا: أنّ مقتضى الأصل الشرعي كالأصل العقلي هو الاجتزاء بالمركّب الناقص وعدم لزوم الإعادة، سواء كان النسيان مستوعباً للوقت أم لم يكن.
وقد عرفت أيضاً: أنّ قياس المقام بما إذا لم يأت بالمأمور بـه رأساً في النسيان الغير المستوعب، حيث إنّـه يجب الإتيان بـه بعد زوال النسيان قطعاً، قياس مع الفارق، لأنّ في المقام قد أتى بما هو المأمور بـه واقعاً.
غايـة الأمـر أنّ دائـرتـه محدودة فـي حـال النسيان بالبقيّـة، وهـذا بخـلاف مـا إذا لم يـأت بـه أصـلا، فإنّـه لم يـأت بشـيء حتّى نحكم بالإجـزاء، كمـا هـو واضح.
(الصفحة 243)المقام الثالث : في حال الزيادة العمديّة أو السهويّة
وليعلم أنّ تحقّق زيادة الجزء في المأمور بـه بما هو المأمور بـه ممّا لا يتصوّر بنظر العقل وليست الزيادة كالنقيصـة، لأنّك قد عرفت(1) سابقاً أنّ الجزئيـة إنّما تنتزع من تعلّق أمـر واحـد بالمجموع المركّب مـن عـدّة أشياء ملحوظـة أمراً واحداً، كما أنّ منشأ انتزاع الكلّيـة أيضاً هذا المعنى، لأنّ الكلّيـة والجزئيّـة مـن الاُمور المتضايفـة التي لا يعقل تحقّق واحـد منها بدون الآخر.وحينئذ فنقول:
في تصوير وقوع الزيادة في الأجزاء
إنّ معنى نقيصـة الجزء عبارة عن عدم كون المركّب الواقع في الخارج واجداً لـه، وأمّا معنى زيادتـه فلا يتحقّق إلاّ بكون الزائد أيضاً جزءً للمأمور بـه، ومع كونـه جزءً لـه أيضاً، كما هو المفروض لا يتحقّق الزيادة، بل المأتي بـه هو عين المأمور بـه.
وبالجملـة: فلا يجتمع عنوان الزيادة مع كون الزائد أيضاً جزءً للمأمور بـه، لأنّـه على تقدير كونـه جزءً لـه لا يكون زائداً. وعلى تقدير كونـه زائداً لا يكون جـزءً فزيادة الجـزء بما هـو جـزء في المأمـور بـه ممّا لا يتصوّره العقل.
نعم يتحقّق عنوان الزيادة بنظر العرف فيما إذا كان الجزء مأخوذاً لا بشرط
- 1 ـ تقدّم في الصفحـة 177.
(الصفحة 244)
من الزيادة، وأمّا على تقدير كونـه بشرط لا من جهـة الزيادة فقد يقال ـ كما قيل ـ بأنّ مرجع الزيادة حينئذ إلى النقيصـة، لأنّ الجزء المتّصف بالجزئيّـة هي الطبيعـة المتقيّدة بقيد الوحدة، فهي بدونها لا تكون جزءً للمركّب، فهو حينئذ يصير فاقداً للجزء ولا يكون مشتملا على الزيادة.
ولكن لا يخفى: أنّ الجزء في هذا الحال أيضاً هي ذات الطبيعـة، وقيد الوحدة شرط للجزء، فإيجاد الطبيعـة مرّتين مرجعـه إلى إيجاد ذات الجزء كذلك، فذات الجزء قد زيد وإن كان هذه الزيادة راجعـة إلى النقيصـة أيضاً من جهـة فقدان شرط الجزء، فالإتيان بالحمد ـ مثلا ـ ثانياً زيادة لذات الجزء وموجباً لنقصان شرطـه، فتحقّق بـه الزيادة والنقيصـة معاً. وحينئذ فلا وجـه لما ذكروه من رجوع الزيادة حينئذ إلى النقيصـة، كما عرفت.
كلام المحقّق العراقي في تصوير وقوع الزيادة الحقيقيّة
ثمّ إنّ المحقّق العراقي (قدس سره)
أفاد في تصوير وقوع الزيادة الحقيقيّـة في الأجزاء والشرائط كلاماً أوضحـه بما مهّده من اُمور ثلاثـة:
الأوّل: لا شبهـة في أنّـه يعتبر في صدق الزيادة الحقيقيـة في الشيء أن يكون الزائد من سنخ المزيد عليـه، وبدونـه لا يكاد يصدق هذا العنوان، ولذا لايصدق على الدهن الذي اُضيف إليـه مقدار من الدبس أنّـه زاد فيـه إلاّ على نحو من العنايـة. نعم الصادق إنّما هو عنوان الزيادة على ما في الظرف بعنوان كونـه مظروفاً، لا بعنوان كونـه دهناً، فقوام الزيادة حينئذ في المركّبات إنّما هو بكون الزائد من سنخ ما اعتبر جزءً أو شرطاً لها. فإذا كان المركّب بنفسـه من
(الصفحة 245)
العناوين القصديّـة كالصلاة ـ مثلا ـ على ما هو التحقيق يحتاج في صدق عنوان الزيادة فيها إلى قصد عنوان الصلاتيـة بالجزء المأتي بـه أيضاً، وإلاّ لا يكون المأتي بـه حقيقـة من سنخ الصلاة، فلا يصدق عنوان الزيادة.
الثاني: يعتبر أيضاً في صدق عنوان الزيادة في الشيء أن يكون المزيد فيـه مشتملا على حدّ مخصوص ولو اعتباراً حتّى يصدق بالإضافـة إليـه عنوان الزيادة وعدمها، كما في ماء النهر مثلا، فإنّـه لابدّ في صدق هذا العنوان من أن يفرض للماء حدّ مخصوص ككونـه بالغاً إلى نقطـة كذا ليكون الزائد موجباً لانقلاب حدّه الخاصّ إلى حدّ آخر، وإلاّ فبدون ذلك لا يصدق عليـه هذا العنوان، وكذلك الأمر في المركّبات، ففيها أيضاً لابدّ من اعتبار حدّ خاصّ فيما اعتبر جزء لها في مقام اختراع المركّب.
الثالث: أنّ أخذ الجزء أو الشرط في المركّب في مقام اعتباره واختراعـه يتصوّر على وجوه ثلاثـة:
أحدها: اعتبار كونـه جزءً أو شرطاً على نحو «بشرط لا» من جهـة الزيادة في مقام الوجود والتحقّق.
ثانيها: اعتبار كونـه جزءً على نحو «لا بشرط» من طرف الزيادة، على معنى أنّـه لو زيد عليـه لكان الزائد خارجاً عن ماهيّـة المركّب باعتبار عدم تعلّق اللحاظ بالزائد في مقام اعتباره جزءً للمركّب، كما لو فرض أنّـه اعتبر في جعل ماهيّـة الصلاة الركوع الواحد لا مقيّداً كونـه بشرط عدم الزيادة ولا طبيعـة الركوع، فإنّ في مثلـه يكون الوجود الثاني من الركوع خارجاً عن حقيقـة الصلاة، لعدم تعلّق اللحاظ بـه في مقام جعل ماهيّـة الصلاة.
ثالثها: اعتبار كونـه جزءً على نحو «لا بشرط» بنحو لو زيد عليـه لكان
(الصفحة 246)
الزائد أيضاً من المركّب، وداخلا فيـه لا خارجاً عنـه، كما لو اعتبر في جعل ماهيّـة الصلاة طبيعـة الركوع في كلّ ركعـة منها الجامعـة بين الواحد والمتعدّد.
وبعدمـا عرفت ذلك نقول: إنّـه علـى الاعتبار الأوّل لا شبهـة فـي أنّـه لا مجال لتصوّر تحقّق الزيادة، فإنّـه من جهـة اشتراطـه بعدم الزيادة في مقام اعتباره جزءً للمركّب تكون الزيادة فيـه موجبـة للإخلال بقيده، فترجع إلى النقيصـة.
وكذلك الأمر على الاعتبار الثاني، فإنّـه وإن لم ترجع الزيادة فيـه إلى النقيصـة، إلاّ أنّ عدم تصوّر الزيادة الحقيقيّـة إنّما هو لمكان عدم كون الزائد من سنخ المزيد عليـه، فإنّـه بعد خروج الوجود الثاني عن دائرة اللحاظ في مقام جعل ماهيّـة الصلاة يستحيل اتّصاف الوجود الثاني بالصلاتيـة، فلا يرتبط حينئذ بالصلاة حتّى يصدق عليـه عنوان الزيادة.
وأمّا على الاعتبار الثالث فالظاهر أنّـه لا قصور في تصوّر الزيادة الحقيقيّـة، فإنّ المدار في زيادة الشيء في الشيء على ما عرفت إنّما هو بكون الزائد من سنخ المزيد فيـه مع كونـه موجباً لقلب حدّ إلى حدّ آخر، وهذا لا فرق فيـه بين أن يكون الجزء مأخوذاً في مقام الأمر والطلب بشرط لا، أو على نحو لابشرط بالمعنى الأوّل، أو اللابشرط بالمعنى الثاني.
وذلك على الأوّلين ظاهر، فإنّ الوجود الثاني من طبيعـة الجزء ممّا يصدق عليـه عنوان الزيادة بالنسبـة إلى ما اعتبر في المأمور بـه من تحديد الجزء بالوجود الواحد، حيث إنّـه بتعلّق الأمر بالصلاة المشتملـة على ركوع واحد يتحدّد طبيعـة الصلاة بالقياس إلى دائرة المأمـور بـه منها بحـدّ يكون الوجـود الثاني بالقياس إلى ذلك الحدّ مـن الزيادة في الصلاة الموجب لقلب حـدّه إلى