(الصفحة 252)
إلى تقيـيد في الممنوع بعدمـه لا مجال للاستصحاب، لأنّ استصحاب عدم الضدّ لا يثبت وجود الضدّ الآخر وكذا العكس.
ثالثها: استصحـاب الصحّـة التأهليّـة للأجـزاء السابقـة، بتقريب أنّ الأجـزاء السابقـة كانت صحيحـة تأهّلا وقابلـة للحوق الأجـزاء الاُخر إليها، وبعد تحقّق ما يشكّ في مانعيّتـه نشكّ في بقاء صحّتها وقابليّتها، فمقتضى الاستصحاب بقائها.
وأورد على هذا التقرير الشيخ (قدس سره)
في الرسالـة بأنّ المستصحب إن كان صحّـة مجموع الصلاة فلم تـتحقّق بعد، وإن كان صحّـة الأجـزاء السابقـة فهي غير مجديّـة، لأنّ صحّـة تلك الأجزاء إمّا عبارة عن مطابقتها للأمر المتعلّق بها، وإمّا ترتّب الأثـر عليها، والمراد بالأثـر المترتّب عليها حصول المركّب بها منضمّـة مع باقي الأجزاء والشرائط.
ولا يخفـى أنّ الصحّـة بكلا المعنيـين ثابتـة للأجـزاء السابقـة، لأنّها بعد وقوعها مطابقـة للأمـر المتعلّق بها لا تنقلب عمّا وقعت عليـه، وهي بعد على وجـه لو انضمّ إليها تمام ما يعتبر في الكلّ حصل الكلّ، فعدم حصولـه لعدم انضمام تمام مـا يعتبر في الكـلّ إلى تلك الأجـزاء لا يخلّ بصحّتها(1)، انتهى.
ويمكن دفع ذلك بأنّـه لا دليل على كون إيجاد المانع في الصلاة مانعاً عن قابليـة لحوق الأجزاء اللاحقـة إلى السابقـة من دون أن يكون لـه تأثير في الأجـزاء السابقـة أيضاً، بل يمكن أن يقال: بأنّ المانـع كما يخرج الأجـزاء اللاحقـة عن اللحوق إلى السابقـة، كذلك يخرج الأجزاء السابقـة عن قابليّـة
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 488.
(الصفحة 253)
اللحوق بها، فالمانع كالقاطع للحبل الرابط بين أجزاء السبحـة يمنع عن القابليـة في جميع الأجزاء.
وحينئذ فمع تحقّق ما يشكّ في مانعيّتـه لا مانع من استصحاب التأهليّـة الثابتـة للأجزاء السابقـة قبل وجوده يقيناً، فتدبّر.
المقام الرابع : فيما تقتضيه القواعد الثانويّة في الزيادة والنقيصة
قـد عرفت أنّ مقتضى الأصل العقلي في باب النقيصـة هـو البطلان وفي باب الزيادة هو العدم، إلاّ أنّـه قد ورد في الزيادة في خصوص الصلاة روايات ظاهرة في أنّها توجب الإعادة، وبإزائها حديث
«لاتعاد» الدالّ على أنّ الصلاة
«لاتعاد» من غير الاُمور الخمسـة المذكورة في عقد المستثنى، فلابدّ أوّلا من بيان مدلول روايات الزيادة الدالّـة على وجوب الإعادة، ثمّ بيان مدلول حديث
«لاتعاد»، ثمّ ملاحظـة النسبـة بينهما، كلّ ذلك على سبيل الإجمال، والتفصيل موكول إلى محلّـه.
مقتضى الروايات الواردة في الزيادة
فنقول: إنّ الروايات الواردة في الزيادة كثيرة، وأشملها من حيث الدلالـة روايـة أبيبصير قال: قال أبوعبداللّه (عليه السلام):
«من زاد في صلاتـه فعليـه الإعادة»(1).
- 1 ـ تهذيب الأحكام 2: 194 / 764، وسائل الشيعـة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب19، الحديث2.
(الصفحة 254)
ولا يخفى أنّ عنوان الزيادة لا يتحقّق إلاّ مع قصد كون الزائد من الصلاة، وإلاّ فبدون ذلك القصد يكون الزائـد كالأجنبي، فاللعب بالأصابع فـي أثناء الصلاة لا يكون زيادة فيها، ولا يشترط أن يكون الزائد ركعـة لا أقلّ، كما أنّـه لا يعتبر أن يكون من سنخ الصلاة، بل كلّ ما يؤتى بـه بعنوان الصلاة ممّا يكون خارجاً عنها يكون زيادة فيها، سواء كان ركعـة أو جزءً أو أمراً خارجاً كالتأمين والتكفير ونحوهما.
وما أفاده بعض الأعاظم من المعاصرين في كتاب صلاتـه(1) في وجـه عدم دلالـة الحديث على زيادة غير الركعـة من أنّ الظاهر كون الزيادة في الصلاة من قبيل الزيادة في العمر في قولك: «زاد اللّه في عمرك» فيكون المقدّر الذي جعلت الصلاة ظرفاً لـه هو الصلاة، فينحصر المورد بما كان الزائد مقداراً يطلق عليـه الصلاة مستقلاّ.
لا يخلو عن نظر، بل منع; لأنّ العمر أمر بسيط لا يكون لـه أجـزاء، ولا يعقل أن يكون الزائد من غيره كالزمان وبعض الزمانيات وكالماء ونحوه، وهـذا بخلاف المركّب، فإنّ الزيادة فيـه إنّما تـتحقّق بإضافـة أمـر إلى أجزائـه وإن لم يكن من سنخها.
ألا تـرى أنّـه لـو أمـر المولى بمعجون مركّب مـن عدّة أجـزاء معيّنـة، فـزاد عليه العبد شيئاً آخر مـن سنخها أو مـن غيرها يطلق عليه الزيادة بنظر العرف قطعاً.
- 1 ـ الصلاة، المحقّق الحائري: 312.
(الصفحة 255)
وبـالجملـة: فلا ينبغـي الارتيـاب فـي أنّ النظـر العـرفي لا يسـاعـد على مـا أفـاده (قدس سره)
وأنّ عنوان الزيـادة عـامّ شامل فـي المقـام لـزيادة الركعـة وغيرهـا.
نعم يبقى على ما ذكرنا من اعتبار القصد في تحقّق عنوان الزيادة في الصلاة، أنّ ذلك مخالف لظاهر صحيحـة زرارة(1) الناهيـة عن قراءة شيء من سور العزائم في الصلاة، المعلّلـة بأنّ السجود ـ أي السجود الواجب بسبب قراءة آيـة السجدة ـ زيادة في المكتوبـة; لأنّها تدلّ على أنّ السجود زيادة، مع أنّـه لم يؤت بـه بعنوان الصلاة وأنّـه منها، كما هو واضح، هذا.
ولكن لابدّ من توجيـه الروايـة إمّا بكون المراد هو الإلحاق بالزيادة في الحكم المترتّب عليها، وإمّا بوجـه آخر. وقد تخلّص عن هذا الإشكال المحقّق المتقدّم بأنّ الزيادة عبارة عمّا منع الشارع إيجاده في الصلاة، فالمرجع في تشخيص موضوعها هو الشرع لا العرف(2).
ولكن يرد عليـه بأنّ ذلك يستلزم جواز إطلاق الزيادة على جميع موانع الصلاة كالحدث والاستدبار والتكلّم والقهقهـة ونحوها، مع أنّـه لا يعهد من أحد هذا الإطلاق، كما هو غير خفي.
هذا فيما يتعلّق بأخبار الزيادة.
- 1 ـ تهذيب الأحكام 2: 96 / 361، وسائل الشيعـة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب40، الحديث1.
- 2 ـ الصلاة، المحقّق الحائري: 314.
(الصفحة 256)
مقتضى حديث « لاتعاد »
وأمّا حديث
«لاتعاد»(1) فيقع الكلام في مدلولـه من جهات:
الاُولى: في شموله لحال العمد وعدمه
فاعلم: أنّ شمولـه لهذا الحال ممّا لا محذور فيـه عقلا، ولا يلزم منـه كون أدلّـة الأجزاء والشرائط غير الخمسـة المذكورة في الحديث واعتبارهما لغواً خالياً عن الفائدة، لإمكان أن تكون الصلاة المشتملـة على تلك الخمسـة سبباً لحصول مرتبـة من المصلحـة ناقصـة، بحيث لا يبقى معـه مجال لاستيفائها بالمرتبـة التامّـة ثانياً.
فالمصلّي إذا ترك بعض الأجزاء الغير الركنيّـة عمداً يكون الإتيان بمثل هذه الصلاة موجباً لاستيفاء مرتبـة ناقصـة من المصلحـة، ولا يتمكّن من إعادة الصلاة المشتملـة على تلك الأجزاء لاستيفاء جميع مراتب المصلحـة، ومع ذلك يعاقب على عدم استيفاء المصلحـة بمرتبتها الكاملـة، لأنّ المفروض أنّ فوات تلك المرتبـة كان بسوء اختياره. وهذا ـ أي عدم استيفاء المرتبـة العليا من المصلحـة وجواز عقوبتـه على ذلك ـ هو نتيجـة اعتبار تلك الأجزاء الغير
- 1 ـ عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسـة: الطهور، والوقت، والقبلـة، والركوع، والسجود...» إلى آخره.
- تهذيب الأحكام 2: 152 / 597، وسائل الشيعـة 7: 234، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب1، الحديث4.