(الصفحة 258)
نعم لو اعتقد عدم وجوب شيء أو عدم شرطيـة شيء أو كان ناسياً لحكم شيء من الجزئيّـة والشرطيّـة يمكن توهّم شمول الصحيحـة.
لكن يدفعـه ما ذكرنا في المقدّمـة الاُولى، فإنّـه لا يعقل أن يقيّد الجزئيّـة والشرطيّـة بالعلم بهما بحيث لو صار عالماً بعدمهما بالجهل المركّب، لما كان الجزء جزءً ولا الشرط شرطاً.
نعم يمكن على نحو التصويب الذي ادّعي الإجماع على خلافـه، بمعنى أنّ المجعول الواقعي وهو المركّب التامّ يكون ثابتاً لكلّ أحد، ولكن نسيان الحكم أو الغفلـة عنـه أو القطع بعدمـه بالجهل المركّب صار سبباً لحدوث مصلحـة في المركّب الناقص على حدّ المصلحـة فـي التامّ، فيكون الإتيان بـه في تلك الحالـة مجزياً عن الواقع، فيصحّ إطلاق التماميّـة في مقام الامتثال على الناقص المأتي بـه، وهذا الاحتمال مضافاً إلى ظهور كونـه خلاف الإجماع ينافيـه بعض الأخبار أيضاً.
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ الأقسام المتوهّم دخولها في عموم الصحيحـة بعضها خارج عن مصبّ الروايـة وبعضها خارج من جهـة اُخرى، ولا يبقى فيـه إلاّ السهو والنسيان والجهل المركّب بالنسبـة إلى الموضوع(1)، انتهى ملخّص موضع الحاجـة من كلامـه، زيد في علوّ مقامـه.
ويرد على ما ذكره في المقدّمـة الاُولى: منع ظهور الحديث في الصحّـة الواقعيّـة وكون الناقص مصداقاً واقعيّاً للصلاة المأمور بها، وذلك لاشتمال الحديث على التعليل بأنّ القراءة سنّـة، والتشهّد سنّـة، والسنّـة لا تنقض
- 1 ـ الصلاة، المحقّق الحائري: 316 ـ 317.
(الصفحة 259)
الفريضـة، وهذا التعليل ظاهر في أنّ الصلاة الفاقدة لمثل القراءة والتشهّد وإن كانت ناقصـة من جهـة فقدانها لبعض السنن المعتبرة فيها أو جميعها، إلاّ أنّـه لايجب إعادتها مع ذلك، لأنّ السنّـة لا تصلح لنقض الفريضـة، فهي مع كونها ناقصـة إلاّ أنّـه لا يمكن إعادتها تامّـة.
وحينئذ فلا يلزم من شمول الحديث للجاهل أو الناسي بالحكم التصويب الغير المعقول ولا التصويب الذي أجمع على خلافـه، لأنّ المفروض كون صلاتهما ناقصـة فاقدة لبعض الأجزاء المعتبرة فيها في جميع الحالات.
نعم ما أفاده في المقدّمـة الثانيـة من عدم شمول الحديث للعامد الملتفت وعدم إمكان كونـه مستنداً لجواز الدخول في الصلاة حقّ لا غبار عليـه.
وبالجملـة، فالظاهر أنّـه لا مانع من شمول الحديث لجميع الأقسام بالنسبـة إلى من دخل في الصلاة على وفق القواعد الاُخر التي جوّزت لـه الدخول في الصلاة.
نعم قد ادّعي الإجماع على خروج الجاهل المقصّر في الحكم، ولكن لم يثبت الإجماع، فالظاهر دخولـه أيضاً في الحديث، فتدبّر.
الثالثة : في شمول الحديث للزيادة أو اختصاصه بالنقيصة
والاحتمالات البدويّـة المتصوّرة في الحديث ثلاثـة:
أحـدهـا: شمول الحـديث للزيـادة والنقيصـة معـاً فـي جملـة المستثنى وكـذا المستثنى منـه.
ثانيها: اختصاصـه بالنقيصـة في كلتا الجملتين.
(الصفحة 260)
ثالثها: عموم المستثنى منـه للزيادة والنقيصـة، واختصاص المستثنى بخصوص النقيصـة، هذا.
وقد يقال بإمكان أن يدخل الزيادة في المستثنى منـه، لأنّها نقيصـة في الصلاة من جهـة اعتبار عدمها فيها، فمرجعـه إلى أنّ كلّ نقيصـة تدخل في الصلاة سواء كان من جهـة عدم الإتيان بجزء أم قيد، وجودي أو عدمي فلا يضرّ بالصلاة إلاّ من نقص الخمسـة المذكورة، فيكون زيادة الركوع والسجود داخلـة في المستثنى منـه، هذا.
ولكن لا يخفى: أنّ المتفاهم بنظر العرف هو دخول الزيادة في كلتا الجملتين وكون مرجع إخلال الزيادة إلى النقصان المأمـور بـه بسببها لا يوجب أن يكون كذلك بنظر العرف أيضاً وإن كان كذلك عند العقل، فالزيادة في نظر العرف مضرّة بما أنّها زيادة، لا بما أنّ مرجعها إلى النقيصـة. فالإنصاف شمول الحديث للزيادة في كلتا الجملتين.
ودعـوى:
أنّ مثـل الوقت والقبلـة المذكورين فـي جملـة الاُمور الخمسـة لا يعقل فيـه الزيادة، فلابـدّ مـن كون المراد مـن الحـديث هـي صورة النقيصـة.
مدفوعـة:
بأنّ عدم تعقّل الزيادة في مثلهما لا يوجب اختصاص الحديث بصورة النقيصـة بعد كون الظاهر منـه عند العرف هو عدم وجوب الإعادة من قبل شيء من الأجزاء والشرائط زيادةً أو نقصاناً إلاّ من قبل تلك الاُمور الخمسـة كذلك، كما هو غير خفي.
فانقدح من جميع ما ذكرنا: أنّ الحديث لا يشمل العمد، ولا يختصّ بناسي الموضوع ولا بالنقيصـة.
(الصفحة 261)النسبة بين حديثي « لاتعاد » و « من زاد »
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ النسبـة بين حديث
«لاتعاد» ـ بناءً على ما ذكرنا في بيان مدلولـه ـ وبين قولـه (عليه السلام) في روايـة أبيبصير المتقدّمـة:
«من زاد في صلاتـه فعليـه الإعادة»(1) هي العموم من وجـه، لو قلنا بأنّ المستثنى والمستثنى منـه في الحديث جملتان مستقلّتان لابدّ من ملاحظـة كلّ واحد منهما مع غيره، لأنّـه يصير المستثنى منـه بعد ورود الاستثناء عليـه مختصّاً بغير الاُمور الخمسـة المذكورة في المستثنى، فمقتضاه حينئذ عدم الإعادة من ناحيـة غير تلك الاُمور، بلا فرق بين الزيادة والنقصان. وقولـه:
«من زاد في صلاتـه» وإن كان منحصراً بخصوص الزيادة، إلاّ أنّـه يشمل زيادة الركن وغيره عمداً أو سهواً، ويجتمعان في زيادة غير الركن سهواً أو جهلا مركّباً ويفترقان في نقيصـة غير الركن وفي زيادة غير الركن عمداً أو زيادة الركن سهواً، هذا.
ولو قلنا بأنّ المستثنى والمستثنى منـه مرجعهما إلى جملـة واحدة وقضيّـة مـردّدة المحمول أو ذات محمولين فيصير النسبـة بيـن الحـديث وبين قولـه: «مـن زاد» العموم من وجـه أيضاً، لأنّ
«من زاد» يشمل العمد والسهو معاً ويختصّ بالزيادة، والحديث يختصّ بصورة السهو ونحوه، ويشمل الزيادة والنقيصـة معاً، فيجتمعان في الزيادة السهويّـة ويفترقان في الزيادة العمديّـة وفي النقيصـة السهويّـة.
هذا بناءً على شمول
«من زاد» لصورة العمد أيضاً.
- 1 ـ تقدّمت في الصفحـة 253.
(الصفحة 262)
وأمّا لو قلنا بعدم شمولـه لها، إمّا للإنصراف، وإمّا لعدم تعقّل الزيادة التي يعتبر فيها أن يؤتى بالزائد بعنوان كونـه من المكتوبـة مع العلم والالتفات بعدم كونـه منها، كما لايخفى تصير النسبـة بينهما العموم مطلقاً، لأنّ
«من زاد» يختص بالزيادة السهويّـة، والحديث يشمل النقيصـة السهويّـة أيضاً، ومقتضى القاعدة حينئذ تخصيص
«لاتعاد» بصورة النقيصـة والالتزام بأنّ الزيادة توجب الإعادة.
وكيف كان فبناءً على أحد الوجهين الأوّلين اللذين تكون النسبـة بينهما هو العموم من وجـه فهل اللازم إعمال قواعد التعارض، أو أنّ أحدهما أرجح في شمول مورد التعارض.
فنقول: ذكر الشيخ المحقّق الأنصاري (قدس سره)
: أنّ الظاهر حكومـة قولـه:
«لاتعاد» على أخبار الزيادة، لأنّها كأدلّـة سائر ما يخلّ فعلـه أو تركـه بالصلاة، كالحدث والتكلّم وترك الفاتحـة. وقولـه:
«لاتعاد» يفيد أنّ الإخلال بما دلّ الدليل على عدم جواز الإخلال بـه إذا وقع سهواً لا يوجب الإعادة وإن كان من حقّـه أن يوجبها(1)، انتهى.
وتبعـه علـى ذلك جمـع مـن المحقّقين المتأخّرين عنـه(2)، ولكـن قال شيـخ اُستاذنـا المحقّق المعاصر فـي كتاب صلاتـه: إنّ حكومـة الدليل الـدالّ على نفي الإعادة على الدليل الدالّ على وجوب الإعادة لا يتصوّر لها وجـه. نعم
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 495.
- 2 ـ أوثق الوسائل: 384 / السطر35، نهايـة الدرايـة 4: 374 ـ 375، فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 238 ـ 239، نهايـة الأفكار 3: 442.