(الصفحة 313)
وأمّا لو كان تقريبـه بما ذكرناه من العلم بمقدار من الأحكام في مجموع من المسائل المحرّرة على وجـه لو تفحّص في كلّ مسألـة تكون مظانّ وجود محتملـة لظفر بـه. فلا يرد إشكال، فإنّـه على هذا التقريب يترتّب عليـه النتيجـة المزبورة، وهي عدم جواز الرجوع إلى البراءة قبل الفحص، ولا يجدي في رفع أثر العلم مجرّد الظفر بمقدار المعلوم بالإجمال في جملـة من المسائل ليكون الشكّ بدوياً في البقيّـة، كما أنّـه يترتّب عليـه جواز الرجوع إلى البراءة في كلّ مسألـة بعد الفحص وعدم الظفر فيها بالدليل على التكليف، فإنّـه بمقتضى التقيـيد المزبور يستكشف من عدم الظفر بالدليل فيها عن خروجها عن دائرة المعلوم بالإجمال من أوّل الأمر(1)، انتهى.
ويرد عليـه:
أنّ تقريب العلم الإجمالي بالوجـه الأوّل أو الثاني ليس أمراً موكولا إلى اختيارنا حتّى لو قرّبناه على الوجـه الثاني ترتّب عليـه النتيجـة واندفع الإشكال والمناقشـة، بل لابدّ من ملاحظـة الواقع وأنّ العلم الإجمالي الحاصل لمن التفت إلى المبدأ والشريعـة هل هو على النحو الأوّل أو الثاني.
وحينئذ نقول: إنّ المراجعـة إلى الوجدان تشهد بكونـه إنّما هو على النحو الأوّل بل نقول: إنّ لازم تقريبـه بالنحو الثاني هو العلم بوجود حكم إلـزامي في كلّ مسألـة، ضرورة أنّـه مع عدم هذا العلم لا يبقى مجال لوجوب الفحص بعد الظفر بمقدار يحتمل انحصار المعلوم بالإجمال فيـه.
ومن الواضح أنّـه لا يمكن هذه الدعوى الراجعـة إلى ثبوت حكم إلزامي في كلّ مسألـة، كما لايخفى.
- 1 ـ نهايـة الأفكار 3: 471 ـ 472.
(الصفحة 314)
وكيف كان: فالعمدة ما ذكرنا في مقام الجواب عن الاستدلال لوجوب الفحص بالعلم الإجمالي وأنّـه خروج عن فرض كون المورد مجرى للبراءة، فتدبّر.
والصحيح الاستدلال لذلك بحكم العقل بوجوب الفحص وعدم حكمـه بقبح العقاب قبل المراجعـة إلى مظانّ ثبوت التكليف وبيانـه، ومع ذلك لا مجال لدعوى الإجماع القطعي على وجوبـه، ضرورة أنّـه على تقدير ثبوتـه لا يكون حجّـة بعد قوّة احتمال أن يكون مستند المجمعين هو هذا الحكم العقلي الضروري، كما أنّ التمسّك بالكتاب والسنّـة لذلك نظراً إلى اشتمالهما على الأمر بالتفقّـة والتعلّم ونظائرهما ممّا لا يخلو من مناقشـة، لأنّـه من البعيد أن يكون المقصود منهما هو بيان حكم تأسيسي تعبّدي، بل الظاهر أنّها إرشاد إلى حكم العقل بذلك.
فالدليل في المقام ينحصر في حكم العقل بعدم جواز القعود عن تكاليف المولى اعتماداً على البراءة قبل الرجوع إلى مظانّ ثبوتـه، هذا في الشبهـة الحكميـة.
وأ مّا ا لشبهـة ا لموضوعيـة
فعلى تقدير جريان البراءة العقليّـة فيها ـ كما هو الحقّ والمحقّق ـ فهل يجب فيها الفحص مطلقاً، أو لا يجب مطلقاً، أو يفصّل بين ما إذا توقّف امتثال التكليف غالباً على الفحص ـ كما إذا كان موضوع التكليف من الموضوعات التي لا يحصل العلم بها إلاّ بالفحص عنـه كالاستطاعـة في الحجّ والنصاب في الزكاة ـ فيجب الفحص، وبين غيره فلا يجب، أو يفصّل بين ما إذا كان تحصيل العلم غير متوقّف إلاّ على مجرّد النظر في المقدّمات الحاصلـة، فيجب، وبين غيره، فلا يجب؟ وجوه بل أقوال.
(الصفحة 315)
والظاهر هو وجوب الفحص مطلقاً; لأنّ العقل الحاكم بجريان البراءة العقليّـة فيها الراجعـة إلى قبح العقاب من قبل المولى قبل ثبوت الوظيفـة بإحراز الصغرى والكبرى معاً، لا يحكم بذلك إلاّ بعد الفحص واليأس عن إحراز الصغرى، والدليل على ذلك مراجعـة العقلاء في اُمورهم. ألا ترى أنّـه لو أمر المولى عبده بإكرام ضيفـه وتردّد بين كون زيد ضيفـه أم غيره، وكان قادراً على السؤال عن المولى والعلم بذلك هل يكون معذوراً في المخالفـة مع عدم الإكرام؟ كلاّ، فاللازم بحكم العقل، الفحص والتـتبّع في الشبهات الموضوعيّـة أيضاً.
هذا كلّـه فيما يتعلّق بأصل اعتبار الفحص.
في بيان مقدار الفحص
وأمّا مقداره فالظاهر أنّـه يجب إلى حدّ اليأس عن الظفر بالدليل، وهو يتحقّق بالمراجعـة إلى المحالّ التي يذكر فيها أدلّـة الحكم غالباً، ولايجب التفحّص في جميع الأبواب وإن كان قد يتّفق ذكر دليل مسألـة في ضمن مسألـة اُخرى لمناسبـة، إلاّ أنّ ذلك لندوره لا يوجب الفحص في جميع المسائل لأجل الاطّلاع على دليل مسألـة منها، كما لايخفى.
(الصفحة 316)
(الصفحة 317)
التعادل والترجيح
وقبل الورود في المقصد لابدّ من ذكر فصول :