(الصفحة 367)
المخصّص اللفظي واللبّي مطلقاً، وقدّم التخصيص باللبّي كذلك على التخصيص باللفظي، نظراً إلى أنّ المخصّص اللفظي مانع عن حجّيـة ظهور العامّ، والمخصّص اللبّي من تـتمّـة المقتضي، لا أنّـه مانع، هذا.
ولكنّـه يرد عليـه: عدم الفرق بينهما أصلا; لا في أنّـه بعد ملاحظـة الخاصّ يستكشف تضيـيق دائرة المراد الجدّي من أوّل الأمر وأنّ صدور العامّ كان بنحو التقنين وإفادة الحكم على النحو الكلّي، ولا في أنّـه قبل العثور على المخصّص لفظياً كان أو لبّياً تكون أصالـة العموم متّبعـة، وبعد الظفر عليـه يرفع اليد عنـه، فلا فرق بينهما أصلا، كما لايخفى.
وأمّا الكلام في المقام الثاني:
فقد عرفت(1) أنّـه ذهب الشيخ إلى وقوع التعارض مع مجموع الخاصّين، نظراً إلى أنّ تخصيص العامّ بهما يوجب الاستهجان أو الاستيعاب، ولكنّـه لا وجـه لـه، لأنّ مجموع الخاصّين لا يكون أمراً ورائهما، والمفروض أنّـه لا معارضـة لشيء منهما مع العامّ، فلا وجـه لترتيب أحكام المتعارضين عليـه وعليهما.
غايـة الأمر أنّـه حيث لا يمكن تخصيص العامّ بمجموعهما يرجع ذلك إلى عدم إمكان الجمع بين الخاصّين، لا من حيث أنفسهما، بل من جهـة تخصيص العامّ بهما، فيقع التعارض بينهما تعارضاً عرضياً، ولابدّ من المعاملـة مع الخاصّين حينئذ معاملـة المتعارضين.
وحينئذ: فإن قلنا بعدم اختصاص الأخبار العلاجيّـة بالتعارض الذاتي وشمولهما للتعارض العرضي أيضاً، فلابدّ من الرجوع إلى المرجّحات المذكورة
- 1 ـ تقدّم في الصفحـة 365 ـ 366.
(الصفحة 368)
فيها، وإن قلنا بعدم شمولها لـه، فلابدّ من الرجوع إلى ما تقتضيـه القاعدة في المتعارضين مع قطع النظر عن تلك الأخبار من السقوط على ما هو التحقيق، أو التخيـير كما سيأتي.
ثمّ إنّ هذا الذي ذكرنا من وقوع التعارض بين الخاصّين إنّما هو فيما لو لم يعلم بثبوت الملازمـة بينهما.
وأمّا مع العلم بها فتارةً يعلم بعدم اختلاف موردهما من حيث الحكم وثبوت الملازمـة بين موردهما فقط، كما إذا علم في المثال المتقدّم بأنّـه لو كان إكرام النحويّين من العلماء حراماً لكان إكرام الصرفيّين منهم أيضاً كذلك.
واُخرى يعلم بعدم الاختلاف بين جميع أفراد العامّ من حيث الحكم أصلا، كما إذا علم بأنّ حكم إكرام جميع أفراد العلماء واحد وأنّـه إن كان الإكرام واجباً فهو واجب في الجميع، وإن كان حراماً كذلك، وهكذا.
ففي الأوّل يقع التعارض بين العامّ وبين كلّ واحد منهما.
وفي الثاني يقع التعارض بين الجميع، العامّ مع كلّ واحد منهما، وهو مع الآخر، كما لايخفى.
هذا كلّـه إذا كانت النسبـة بين الخاصّين التباين كما فيما عرفت من المثال وإن كان لايخلو عن المنع.
إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما عموم وخصوص مطلق
وأمّا لو كانت النسبـة بين الخاصّين أيضاً العموم والخصوص مطلقاً، كالنسبـة بين كلّ واحد منهما مع العامّ كقولـه: أكرم العلماء، ولا تكرم النحويـين منهم، ولا تكرم الكوفيّين من النحويـين، فقد ذكر المحقّق النائيني (قدس سره)
على ما في
(الصفحة 369)
التقريرات أنّ حكم هذا القسم حكم القسم السابق من وجوب تخصيص العامّ بكلّ من الخاصّين إن لم يلزم التخصيص المستهجن أو بقاء العامّ بلا مورد، وإلاّ فيعامل مع العامّ ومجموع الخاصّين معاملـة المتعارضين(1).
والتحقيق أن يقال: إنّ لهذا الفرض صوراً متعدّدة، فإنّـه قد يكون الخاصّان متوافقين من حيث الحكم إثباتاً أو نفياً، وقد يكونان متخالفين، وعلى التقديرين قد يلزم من تخصيص العامّ بكلّ منهما التخصيص المستهجن بمعنى استلزام التخصيص بكلّ ذلك، وقد لا يلزم التخصيص المستهجن إلاّ من التخصيص بالخاصّ دون الأخصّ، وقد لا يلزم من شيء منهما، ومرجعـه إلى عدم لزوم التخصيص المستهجن من التخصيص بالخاصّ، ضرورة أنّـه مع عدم استلزامـه ذلك يكون عدم استلزامـه من التخصيص بالأخصّ بطريق أولى، ثمّ إنّـه في صورة اختلاف الخاصّين من حيث الحكم قد يلزم من تخصيص الخاصّ بالأخصّ الاستهجان، وقد لا يلزم.
وتفصيل حكم هذه الصور أن يقال: إذا كان الخاصّان متوافقين من حيث الحكم ولم يلزم من تخصيص العامّ بكلّ منهما الاستهجان، فلا محيص عن تخصيص العامّ بهما، فيقال في المثال المذكور بوجوب إكرام العلماء غير النحويّين مطلقاً; كوفيّين كانوا أو بصريّين مثلا.
وإن لزم منـه الاستهجان فتارةً يلزم الاستهجان من التخصيص بالخاصّ فقط دون الأخصّ، فاللازم حينئذ تخصيص الخاصّ بالأخصّ ثمّ تخصيص العامّ بالخاصّ المخصّص، لأنّـه الطريق المنحصر لرفع الاستهجان، ومع إمكان ذلك لا
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 743.
(الصفحة 370)
وجـه لطرح الخاصّ، فإنّ الطرح إنّما هو مع عدم إمكان الجمع المقبول عند العقلاء، وما ذكرنا مورد لقبولهم، كما لايخفى.
واُخرى يلزم الاستهجان من التخصيص بكلّ منهما، غايـة الأمر أنّ التخصيص بالأخصّ أقلّ استهجاناً من التخصيص بالخاصّ، فالعامّ حينئذ يعارض مع كلّ واحد منهما، ولابدّ من الرجوع إلى المرجّحات المذكورة في الأخبار العلاجيّـة.
هذاكلّه مع عدم إحرازاتّحادالحكم في الخاصّينمناتّحادالسببأومنغيره.
وأمّا مع إحرازه فلا محالـة يكون الأخصّ مخصّصاً للخاصّ، وهو بعد تخصيصـه بـه يخصّص العامّ الفوقاني من دون فرق بين عدم لزوم الاستهجان من تخصيصـه بـه قبل تخصيصـه بالأخصّ أو لزومـه، كما لايخفى. هذا في المتوافقين.
وأمّا الخاصّان المتخالفان من حيث الحكم كقولـه: أكرم العلماء ولا تكرم النحويـين منهم، ويستحبّ إكرام الكوفيـين من النحويـين، فإن لم يلزم من تخصيص الخاصّ بالأخصّ الاستهجان فاللازم تخصيصـه بـه، ثمّ تخصيص العامّ الفوقاني بالخاصّ المخصّص بـه، وإن لزم الاستهجان من تخصيصـه بـه فيقع التعارض بين الخاصّين، وبعد إعمال قواعد التعارض وترجيح أحد الخاصّين يخصّص العامّ بما رجّح إن لم يلزم من تخصيصـه بـه الاستهجان، وإلاّ فيقع التعارض بين مجموع الأدلّـة العامّ وكلّ واحد من الخاصّين، ولابدّ معها من معاملـة المتعارضات، كما لايخفى.
فانقدح ممّا ذكرنا من اختلاف حكم الصور أنّ ما أطلقـه المحقّق النائيني على ما عرفت ليس بإطلاقـه صحيحاً.
(الصفحة 371)إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما عموم من وجه
وأمّا إذا كانت النسبـة بين الخاصّين العموم والخصوص من وجـه، كقولـه: أكرم العلماء، ولا تكرم النحويـين من العلماء، ولا تكرم الفسّاق منهم، فإن كان الخاصّان متوافقين من حيث الحكم إيجاباً وسلباً كما في المثال، فلا شبهـة في تخصيص العامّ بكليهما إن لم يلزم من تخصيصـه بهما الاستهجان، وإلاّ فيقع التعارض بين الخاصّين على حسب ما اخترناه في الصورة الاُولى.
وإن كانا مختلفين من حيث الإيجاب والسلب، كما إذا كان الخاصّ الثاني هو قولـه: يستحب إكرام الفسّاق من العلماء، فهنا أدلّـة ثلاث، بعضها يدلّ على وجوب إكرام جميع العلماء، وثانيها على حرمـة إكرام النحويـين منهم، وثالثها على استحباب إكرام الفسّاق من العلماء.
ولاريب في لزوم تخصيص العامّ بكلّ منهما بالنسبـة إلى مورد افتراقهما، فإنّـه لا شبهـة في تخصيص العامّ بالنحوي العادل، وكذا بالفاسق الغير النحوي، وإنّما الإشكال في النحوي الفاسق حيث يدلّ العامّ على وجوب إكرامـه، وأحد الخاصّين على حرمتـه، والآخر على استحبابـه، ولابدّ من رعاية قواعد التعارض بين الجميع في النحوي الفاسق، لأنّ العامّ وإن كانت نسبتـه مع كلاالخاصّين العموم المطلق، إلاّ أنّـه بعد تخصيصـه بمورد الافتراق مـن كلّ مـن الخاصّين تصير نسبتـه مع الخاصّ الآخر العموم من وجـه، فإنّـه بعد تخصيصـه بالنحوي العادل تصير النسبـة بين العامّ حينئذ وبين قولـه: لا تكرم الفسّاق منهم العموم مـن وجـه، كما أنّـه بعد تخصيصـه بالفاسق الغير النحوي تصير النسبـة بين العامّ